أصبح المتسولون اليوم ديكورا يزين شوارعنا وأسواقنا وحتى مداخل مساجدنا، خصوصا إذا تعلق الأمر بإحدى المناسبات أو المواسم الدينية مثل شهر رمضان، والذي يشهد ازديادا معتبرا لنشاط هؤلاء. حيث ترتفع أعدادهم بشكل ملفت؛ فالكل ينسج على شاكلته للتحايل والنصب سيناريوهات قد يبدو للبعض أنها من نسج الخيال، وقد يصدقها الكثيرون ويروحون ضحية تمثيلية ظاهرها البؤس والشقاء والحرمان وباطنها أناس احترفوا في فن اسمه التسول، مستعملين في ذلك عبارات وجمل حفظها الكثيرون منهم وأصبحوا يرددونها بألحان مختلفة فالمهم بالنسبة لهؤلاء كيف يكسبون قلوب المارة ويقنعونهم بحالتهم تلك وبالتالي يثيرون شفقتهم متسولون يغيرون أماكنهم وآخرون يعملون موسميا فقط لاتستغرب إن لاحظت غياب متسولين ألفتهم في المحطات العمومية أو في مداخل البنوك، فعليك أن لا تتوقع، مثلا، أنههم اعتزلوا المهنة. فكل ما في الأمر أنهم غيروا مقرات عملهم تلك وانتقلوا إلى مقرات أخرى تماشيا مع ما يقتضيه شهر رمضان، حيث قصدوا المساجد بالدرجة الأولى وجعلوها وجهتهم المفضلة إذ تجد ما بين 4 أو 5 متسولين يصطفون في مدخل كل مسجد أغلبهم من النساء والأطفال، لتجد الأسواق وجهة أخرى للكثيرين نظرا للأعداد الكبيرة التي تقصدها يوميا، إذ تعج أسواقنا اليوم بمتسولين من كل الأصناف، منهم من فضل البقاء في مداخل الأسواق ومنهم من اقتحم السوق ليضرب عصفورين بحجر واحد، والغنيمة ليس سوى صدقات المتسوقين وحتى الباعة الذين يجودون أحيانا ببعض المال على حالات يرون أنها محتاجة، ومن جهة أخرى تجد الكثير من المتسولين يدخلون هذا العالم موسميا فقط، فيستغلون فرصة رمضان لكسب بعض الدراهم في شهر أكثر ما يميزه هو التراحم والتكافل بين طبقات المجتمع، فتجدهم ينافسون المتسولين الذين يعملون على مدار العام سواء في الأماكن التي يتواجد فيها هؤلاء أو في استقطاب الزبائن، فكثيرا ما تنشب خلافات بين المتسولين حول مدخل هذا المسجد أو ذاك السوق، إذ يتسابق الكثيرون لنصب أمتعتهم لتفادي احتلالها من طرف آخرين. عبارات وجمل خاصة برمضان يتفنن الكثير من المتسولين في ابتكار عبارات وتقنيات وأدوات للتسول قصد التأثير في نفوس المارة والظفر بشفقتهم ورحمتهم، فمعظمهم يستخدم عبارات دينية تدعوا للمارة بصيام مقبول وبشهر كريم وبالخير والرحمة مثل «لله يا محسنين في شهر الصايمين، أو عاونونا لله ياصايمين ربي يتقبل منكم».... وغيرها من العبارات التي يتغنى بها المتسولون أينما حلوا وارتحلوا بألحان شذية تجعلك تتعاطف لحالتهم، ولا تتوانى في إدخال يدك لإخراج ما جادت به جيوبك، وفي هذا الإطار اقتربنا من بعض المواطنين لرصد آرائهم حول الظاهرة ومدى تأثير تلك العبارات فيهم، فأجابتنا الآنسة آمال أن التسول اليوم أصبح مهنة لمن لا مهنة له، في ظل الصمت غير المبرر للسلطات المعنية، مما أدى إلى اتساع رقعة ممتهنيها وانتشارها بين مختلف الشرائح، إذ تعسر علينا التمييز بين المحتاج الحقيقي والممتهن، فأنا شخصيا- تقول-لا أعطي هؤلاء لأني أعلم أن أغلبيتهم يمثلون ويدّعون الحاجة، أما عبد القادر الذي يقول إنه في شهر رمضان تتزايد أعداد المتسولين بشكل رهيب، إذ تجدهم في كل الأماكن، فلا تكاد تمشي خطوة أو خطوتين حتى تجد آخر يردد عبارات متشابهة توحي بأنهم بارعون في التمثيل، فغالبيتهم يقول من المحتالين والنصابين الذين ألفوا الكسل والاتكال على الآخرين، ففي نظري- يقول عبد القادر - إن الكثير منهم لا يستحق الصدقة، وشخصيا أتعاطف مع بعض الحالات التي أرى حقا أنها تستحق الصدقة، وأتضامن مع هذه الشريحة خصوصا في شهر الصيام، فأحيانا أقدم لهؤلاء بعض المأكولات الرمضانية وأتفادى تقديم النقود. نساء، أطفال وذوو احتياجات خاصة تشكل النساء غالبية المتسولين، إذ تجد في الغالب أمهات معظمهن متحجبات في مختلف الأماكن مفترشات لأغطية بالية ومرتديات لملابس مهترئة زادت من بؤس المظهر، يصطحبن أطفالا في عمر الزهور يتقنون هم الآخرون كل أنواع التمثيل تاركين مقاعد الدراسة ومتجهين لشوارع لا ترحم الكبار، فما بالك بالصغار. وفي الغالب تصطحب تلك النسوة أطفالا رضع مع قارورات الحليب التي تزيد من صعوبة المشهد ومن واقعية التمثيل. وغير بعيد عن هؤلاء، هناك أشخاص آخرون استغلوا إعاقاتهم في التأثير على قلوب المارة وكسب عطفهم، فكثيرا ما يصادفنا مشهد لأحد المعاقين على كرسيه المتنقل وإحدى السيدات تجره مطلقة كل أنواع العبارات لاستثارة شفقة الآخرين، والمثير أن البعض منهم يصطنع لنفسه عاهة على حساب صحته إذ يتظاهر الكثيرون بأنواع من الإعاقات ويقنعونك بصحة ذلك، وغير بعيد عن هؤلاء تقابلك عجوز نحيلة جدا منكمشة على نفسها لا تسمع منها سوى صوتها وهي تستجدي المارة أن يمنوا عليها من مال الله، وبيد معكوفة تدعو لكل من يعطيها بالخير والستر والبركات، وفي هذا الصدد تحدثنا إلى المتسولة فطيمة التي صادفناها أمام محل لبيع المأكولات الخفيفة والتي تقول إنها تقصد هذا المكان يوميا حتى تتفادى الأماكن التي يقصدها الكثيرون، وعن سؤالنا لها عن سبب لجوئها للشارع لطلب الاسترزاق تقول إن زوجها معوق ولها ستة أولاد ولا يوجد من يعولها هي وأسرتها، نظرا لحالة الزوج وهي تعيش على المساعدات التي يقدمها المحسنون، مما اضطرها ل«الطلبة»- على حد تعبيرها. وعن سؤالنا لها عن شهر رمضان وما إن ستجد لها مكان آخر في شهر الصيام، قالت إن غالبية المتسولين يتوجهون إلى المساجد وبالتالي تقول- سأضطر إلى إيجاد وجهة أخرى مثل الأسواق أو محلات بيع الحلويات الرمضانية، لتتركنا وهي تكرر دعواتها لنا برمضان مبارك ولكل المسلمين علماء الدين يحرمون الظاهرة يرى الكثير من الفقهاء وعلماء الدين أن الآيات القرآنية والأحاديث النبوية اقتضت التنفير الشديد من التسول، أما إذا كان الإنسان محتاجا احتياجا حقيقيا وليس عنده حل، فهذا لا لوم عليه ويكون التسول مباحا له، واللوم على من يقصرون في إعطائه حقه لقوله تعالى وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم، أما الذي بإمكانه أن يستغني وأن يتعفف وأن يكسب لكنه آثر التسول فهذا حكمه الكراهة الشديدة فالتلاعب والكذب والتظليل واستعمال الأطفال وما إلى ذلك من طرق النصب والاحتيال للكسب على حساب الآخرين، فهذه كلها أعمال ممنوعة.