يتردد حاليا ، وبقوة، موضوع العطلة الصيفية، بين أوساط الموظفين والمستخدمين، أو من يمارسون أعمالا حرة تدر عليهم مدخولا مهما تتفاوت قيمته ، إذ من الطبيعي أن يحاول هؤلاء التمتع بالراحة و الاستجمام بعد سنة من العمل المتواصل... لكن كيف يمكن الحديث عن عطلة العاطلين عن العمل ؟ كيف يمكن أن يستمتعوا بعطلتهم و هم في عطالة طوال العام ؟ كيف يمكن الحديث عن «الكونجي » لدى إنسان لا يشتغل، جيوبه خاوية لا حياة فيها لدرهم واحد؟ من بين مجموعة متحركة من الناس لمحته عيناي بملابسه الرثة و ملامح وجهه البائسة، حاولت أن التقط له صورة لكنه رفض ، واضعا قبعته على وجهه، ربما ليخفي بها جراحه، فهو مازال في عمر الزهور، سنه لا يتجاوز16 سنة، يشتغل كحوذي لإحدى العربات المجرورة التي تقل المواطنين المتوجهين من وسط مديونة إلى سوقها لأسبوعي ، و عوض أن يتمتع بعطلته السنوية كباقي أقرانه ، يمارس شقاوته في اللهو و اللعب، نجده يرفع بيده اليمنى سوطا و باليسرى لجاما ليعين أسرته المعوزة. سألته عن دوافع لجوئه إلى مزاولة مهنة كهذه أثناء العطلة المدرسية، لمحت في عينيه لحظة و راح يلتقط حبات عرقه من فوق جبهته بمنديل فقال : «أبي مريض و أمي تشتغل في المنازل، في الصيف أحاول مساعدة أمي على مصاريف الحياة»، قال ذلك بأسى عميق و حسرة مصحوبة بتنهيدة بادية على محياه الطفولي، وأضاف « واش أنا كرهت حتى انا نتبحر مع راسي » !إن هذا «الحوذي» الصغير لنموذج بسيط لما تعيشه و تحياه مجموعة من الأطفال يجدون أنفسهم مرغمين على قضاء الصيف في مساعدة ذويهم بدلا من الاستراحة و الاستعداد للموسم الدراسي القادم، و نجدهم في كل مكان بمديونة و بوسكورة أو في مطرح النفايات.. يجمعون مخلفات المنازل لبيعها، و في أحيان كثيرة يقتاتون من الاغذية الفاسدة التي ترمى هناك، أو تجدهم في الأسواق الأسبوعية لتيط مليل مديونة بوسكورة.. يمسحون الاحذية أو يبيعون الميكا ... كيف سيتمكن هؤلاء المهمشون من أبناء ضواحي الدارالبيضاء ، و أمام قسوة الحياة التي لم ترحم طفولتهم البريئة، من الاندماج في محيطهم الدراسي و هم الذين تعودوا حياة التشرد و الضياع وسط المزابل و الأسواق من أجل دريهمات لمساعدة أنفسهم و أسرهم؟ و الخطير أن هذه المهن الصيفية و ما يصاحبها من عذاب و تشرد ، غالبا ماتكون مقدمة أولية لمرحلة الانحراف و الانغماس في الرذيلة و التعاطي لمختلف الممنوعات، و حين يعود التلميذ إلى المدرسة يشعر بالاغتراب و باللاقدرة على مواصلة التحصيل، ليخرج إلى الشارع و يشكل خطرا على المجتمع و على الدولة نفسها! ماذا تعني العطلة لدى المستخدمين؟ «بغيت نسولك أخويا؟» هكذا توجهت بالسؤال لأحد العمال بتراب جماعة بوسكورة ، فقال «اشنوا حب الخاطر». «بغيت غير نسولك كيف تتقضي عطلتك السنوية»؟ « أشمن عطلة، حنا ديما في تمارة بلا فايدة، فلنفرض بغيت ندوز الكونجي كيف لي بمبلغ لا يكفي حتى لتلبية حاجياتي الشخصية .. الكونجي خليه لماليه ». أما السعدية « اسم مستعار»، تشتغل بأحد معامل جافيل بلمكانسة ببوسكورة، فقد أجابت عن سؤال الكونجي بما يلي : «واش كتضحك عليا» إننا نشتغل طوال السنة بدون ضمان اجتماعي و بدون أية وثيقة و نشتغل أكثر من 12 ساعة يوميا، في ظروف قاسية لا يوجد عندنا شيء اسمه العطلة، و حتى إن أرادها شخص ما فهو يحصل عليها دون أخذ مقابلها المادي كما هو معمول به قانونيا». إن التهميش يبقى السمة التي تغلب على مجموعة من العاملين والعاملات في الضواحي ، رغم تناسل الوعود لتحسين الأوضاع والرفع من القدرة الشرائية ، ليبقى الاستماع بالعطلة السنوية لهذه الفئة المغلوب على أمرها مؤجلا إلى أجل غير مسمى! العطلة الصيفية عند العاطلين عن العمل كيف يمكن الحديث عن العطلة « الكونجي » بالنسبة لمن هو في عطالة دائمة، يعيش تهميشا و إقصاء على طول السنة، يعيش عالة على أسرته . في مقاهي سباته، مثلا ، لا يمكن أن تغفلهم العين أو أن تخطئهم من كثرة مشاهدتها لهم يجتمعون صباحا و مساء حول مائدة المقاهي ، لا شغل لبعضهم و لا مشغلة الا التبركيك في العيالات و معاكستهن ، يجتمعون كأفراد العائلة الواحدة يضحكون و يمرحون رغم معاناتهم مع عدم إيجادهم لعمل يملأ فراغهم القاتل. إبراهيم «اسم مستعار»، في الثلاثينات من عمره، سألته عن مفهوم الكونجي لديه فأجاب « واش عينك فيا » و الكونجي عند اللي خدام بحالكم أما احنا ، لينا الله ، ديما الحالة هي هاذي ، بحال الصيف بحال الشتاء الراحة و السياحة»! أما ساحة الوحدة بمقاطعة سباتة قرب طاكسيات81 ، فهي المكان المفضل لعدد من المقصيين و المدمنين على الخمر و غيره من الممنوعات، والذين ينتهزون أي فرصة ، للتسلل إلى الحافلات المتوجهة إلى الخارج و المرابطة أمام وكالات الأسفار المتواجدة بكثرة قرب حديقة مجاورة للمكان المذكور، هؤلاء حولوا المكان إلى فضاء للتسكع و مضايقة المسافرين و المارة ، سألت أحدهم عن مفهوم الكونجي لديه فأجاب : «و الكونجي أخويا مجاش معانا، حتى ندبر على راسي ديك الساعة عاد يجي معايا الكونجي»! إنها ملامح العطلة لدى عدد من ساكنة ضواحي الدارالبيضاء ، وبعض أحيائها الشعبية، حيث التهميش و الافتقاد إلى أبسط شروط العيش الكريم و الاكتظاظ في مساكن غير لائقة، كما هو الحال في دواوير التقلية ببوسكورة ودواويرمديونة لا معنى ولاهدف نحن الآن في جماعة الهراويين، حيث المياه الآسنة تخترق أزقة «الشيشان»، الدوار الشهير الذي استنبت فجأة و بقوة رغم أنف « أصحاب الحال ». لا يبدو في هذا المكان غير الإقصاء والغبار و ترويج الخمور والمخدرات.. لذلك فالحديث عن «الكونجي» في هذه الأمكنة الحالكة، هو حديث بلا معنى وبلا هدف! فالعطلة عند هؤلاء و أمثالهم بالدواوير الهامشية لولاية الدارالبيضاء الكبرى لا تعني لهم سوى الضحك والسخرية. وهذا ما عبرت عنه الزوهرة ، عاطلة في عقدها الثالث، فعندما سألتها عن العطلة أجابت «واش كتسولني عن العطلة او معندي حتى درهم في جيبي، و سير دبر على من تطنز». بطيئا تتحرك الحياة في ضواحي الدارالبيضاء، لا معنى لها ولا مذاق، تخترق الأفق ،لا أمل،لا توجد غير الشمس والإقصاء ،وأجساد تتحرك بلا هدف ولا معنى، يأس في يأس في واقع موعود، موعود بالعذاب والتوتر.