وسط غموض شديد وتعمد الجهات الرسمية التكتم، بدأت، أولى حلقات التحقيق مع الرئيس السابق حسني مبارك ونجليه جمال وعلاء في شرم الشيخ. وبدأت رحلة التحقيقات من الصباح (الحادية عشرة صباحا) مع جمال وعلاء، فى مبنى محكمة شرم الشيخ الجديد، ثم ذهب بعد الظهر مبارك إلى المستشفى ليخضع للتحقيقات أيضا في واحد من أكثر الأحداث الدرامية في تاريخ مصر الحديث. انتهى الفصل الأول فيها بقرار للنائب العام بحبس الرئيس السابق ونجليه 15 يوما. وقالت مصادر تعمل بمستشفى شرم الشيخ الدولي بدأت تجهيزات المستشفى من الصباح الباكر وبدا التأهب على تحركات إدارة المستشفى إذ تم عزل الطابق الرابع وبه الجناح الرئاسي الذى كان مجهزا خصيصا لمبارك وتم افتتاحه حديثا، ودخل مبارك المستشفى بين الثالثة والرابعة عصرا «يرتدي ملابس كاجوال» وبصحبته زوجته سوزان ثابت وهايدي راسخ وخديجة الجمال، زوجتا نجليه علاء وجمال، اللذين كانا يخضعان منذ ساعات للتحقيق في مقر المبنى الجديد لمحكمة شرم الشيخ، وهو مبنى لم يتم افتتاحه رسميا بعد. دخل مبارك بشكل عادي وبهدوء شديد وكان بصحبته أطباؤه الخصوصيون ومن بينهم طبيب أجنبي، وكان شعره أبيض غير «مصبوغ»، وكان المستشفى يخضع لحراسة مشددة من أفراد القوات المسلحة وقوات الشرطة، وحجز تذكرة دخول رسمية مثل أي مواطن كتب فيها أنه يعانى من اضطرابات في عضلات القلب، وتم حجزه بالجناح الرئاسي في الطابق الرابع بالمستشفى «ثالث بلكونة»، وكان أول مريض يدخل الجناح بعد تجديده وأمنت حراسته الخاصة الطابق الرابع وكانت الحركة عادية بالمستشفى، دخول وخروج المرضى طبيعي وتحرك العاملين ليس عليه محاذير سوى عزل الطابق الرابع الذى لم يكن مسموحا لأحد الاقتراب منه. ورغم أن الرئيس السابق لديه في بيته بشرم الشيخ غرفة عناية مركزة ولديه أطباؤه الخصوصيون، فإنه دخل المستشفى لأن اللجنة الطبية أوصت بضرورة التحقيق معه في مستشفى، وهو أمر مسموح به قانونا. وبعد أقل من ساعة على دخول مبارك المستشفى، كانت التحقيقات مع علاء وجمال في مقر المبنى الجديد لمحكمة شرم الشيخ قد انتهت، وحضرا وسط الحراسة الأمنية ودخلا المستشفى وسط بكاء والدتهما وزوجتيهما، حيث تعرضت سوزان ثابت حرم مبارك لنوبة شديدة من البكاء وحاولت خديجة الجمال وهايدي راسخ تهدئتها ثم أجهشتا في البكاء معها، وقابلهم العاملون بالمستشفى بوجوه مستاءة. وحضر فريد الديب، المحامي، التحقيقات مع مبارك، وتبين في ما بعد أنه المحامي الموكل للدفاع عن عائلة الرئيس السابق، ثم انتقل فريق النيابة برئاسة المستشار مصطفى سليمان المحامي العام الأول لنيابات استئناف القاهرة، والمستشار عبدالله الشاذلي المحامي العام الأول لنيابات جنوبسيناء. وخلال خضوع مبارك للتحقيق، تجمع مئات المواطنين من العاملين بشرم الشيخ أمام المستشفى ورددوا هتافات تطالب بمحاكمة مبارك ورد أموال البلاد المنهوبة، وقد حاول البعض فض هذه المظاهرات لكن جميع المحاولات باءت بالفشل، واستمرت الهتافات ضد مبارك وأسرته عدة ساعات، فاستعان الأمن ب50 شخصا من البدو لتفريق المتظاهرين وظلوا في عمليات كر وفر لساعات. وتم استكمال التحقيقات مع علاء وجمال داخل المستشفى أيضا، ثم صدر قرار بحبسهما 15 يوما على ذمة التحقيق، وبعد نحو منتصف الليل خرج علاء وجمال وبدا على وجهيهما الشحوب، وخرج برفقتهما المحامي فريد الديب وكان أيضا شاحبا، ثم تم نقلهما إلى مقر المبنى الجديد لمحكمة شرم الشيخ. وعند مبنى المحكمة لم تكن هناك حراسة من الجيش وكانت حراسة الشرطة قليلة العدد حتى إن المتظاهرين الذين تجمعوا أمام المبنى فكروا في اقتحامه ثم تراجعوا. يقع مجمع المحاكم الجديد بشرم الشيخ خلف مستشفى الشرم الدولي ومكون من طابقين فقط وعلى مساحة 5000 متر مربع، ويضم مكتبا كبيرا للشهر العقاري ، وكان فيه نائب رئيس مدينة شرم الشيخ وبعض العاملين في مجلس المدينة حيث تم تجهيز قاعتين بسرعة شديدة جدا في الطابق الثاني من المبنى. تم اصطحاب جمال في البداية إلى القاعة رقم 1 في الطابق الثاني بصحبة حراسة مشددة وقام ثلاثة مستشارين بالتحقيق معه مدة 7 ساعات، فانتقل على الفور المتظاهرون إلى أمام المجمع ورددوا هتافات طالبوا فيها بسرعة محاكمتهم ونقلهم خارج مدينة شرم الشيخ حتى تعود الحياة السياحية للمدينة مرة أخرى. ولم تحدث أية اشتباكات مع الشرطة وتعامل رجال الشرطة والمواطنون مع الموقف بتحضر ولم تقع أية أعمال شغب، ثم دخل علاء القاعة نفسها التي تم التحقيق فيها مع شقيقه جمال وخضع للتحقيق من قبل ثلاثة مستشارين. أما الزوجات الثلاث سوزان وخديجة وهايدي فلم تغادرن المستشفى وظللن مع مبارك، ولم يتم التحقيق معهن بعد حسبما أكدت مصادر قضائية. ومنذ الساعة الثانية حتى الرابعة صباحا حاولت القوات الأمنية إخراج جمال وعلاء إلى المطار بسيارة ملاكي خاصة لكنهم فشلوا بسبب تزايد عدد المتظاهرين الذين رددوا هتافات ضدهما، ووصل عددهم إلى أكثر من ألف متظاهر، فطلب مدير أمن جنوبسيناء 6 سيارات أمن مركزي تضم 400 عسكري أمن مركزي لتأمين خروجهما وفرضت الأجهزة الأمنية طوقا أمنيا حول مجمع المحاكم وخرجت سيارتان ملاكي مسرعتان بشكل كبير وطاردهما المتظاهرون ثم اكتشفوا أنهما سيارتا المستشار عبدالمجيد محمود، النائب العام، فعادوا إلى المحكمة، ليتم إخراج جمال وعلاء في سيارة ميكروباص تحمل رقم (68241 ت م أ) شرطة سوداء كان خلفها سيارتان للحراسة وأمامها سيارتان أيضا، وانطلقت بسرعة جنونية وكادت تدهس مواطنين تحت عجلاتها فطاردها المتظاهرون ورشقوها بالحجارة. وظهر في شريط فيديو خروج جمال وعلاء مبارك بعد التحقيق معهما حيث تجمهر نحو ألف مواطن أمام المجمع القضائي خلف مستشفى 6 أكتوبر مرددين هتافات مناوئة لجمال مبارك، والنظام السابق، منها: «يا اللي سرقت المليارات سجن طرة بيستناك»، و«يا جمال يا مبارك سجن طرة في انتظارك» و«الملاكى لأ، البوكس اهه»، و«احبسوه احبسوه تبقى خيانة لو هربتوه»، «يا جمال قول لأبوك الشعب المصري بيكرهوك». وطبقا لصوت يظهر في الفيديو، كان عدد من القيادات والرتب الأمنية يقوم بتأمين المكان خلال التحقيق مع جمال وعلاء، ووسط تشكك في احتمال إخراجهما من الجهة الخلفية للمبنى ظهر جمال وعلاء فهتف المواطنون: «الحرامي أهه»، و«عايزين نشوفهم».. وقال أحد المتظاهرين ساخرا: «هاتوا له بوكيه ورد يا رجاله لبابا حسني. وبحسب مصادر، فقد قامت الزوجتان خديجة وهايدي، اللتان أصيبتا بحالة نفسية سيئة، بتجهيز حقيبتين بما قد يحتاج إليه جمال وعلاء في السجن. أما بالنسبة لمبارك الأب، فهو موجود بمستشفى الشرم الدولي لاستكمال التحقيقات معه التي تجرى بإشراف المستشار عبدالله الشاذلي المحامي العام لنيابات جنوبسيناء. وأكدت مصادر طبية من داخل مستشفى الشرم أن مبارك وزوجته وزوجتي نجليه أصيبوا بانهيار شديد بعد قرار النيابة حبس علاء وجمال 15 يوما على ذمة التحقيق، وانخرط الجميع في البكاء بشكل هيستيري على الرغم من أنهم كانوا يعلمون أن هذا القرار سيتم اتخاذه معهم.