بحكم طبيعته أو من جراء ترسخ نوع من الوفاء للتخصص يبقى الدستور موضوعا للتأمل وللنتاج والسجال الفكري القانوني ومن تم لا تظهر من أول وهلة صلاحية و لا أولوية إدلاء الاقتصادي بدلوه في إشكالات الدسترة وفي تطارح المواضيع والقضايا التي يجب أن يتولاها ويعالجها ويدونها مجهود التعديلات أو الإصلاحات الدستورية المرتقبة في المغرب. من نافلة القول أن زمن سيادة فكرة كانت تقضي بأن العمل الاقتصادي، بحكم انتظاميته و ودوريته وتموجاته، عمل يكون بحاجة مستمرة إلى تقنينات محينة وليس إلى تأصيل دستوري، زمن ولى بحكم عمق التحولات الاقتصادية وشموليتها في الكون وارتباطها أكثر فأكثر بأشد مصالح الناس إلحاحا بل و مخاطر انعكاساتها على الاستقرار الاجتماعي. فإلى جانب الحاجة إلى مدونات تختص بقضايا الاستثمار وتدوين الحسابات ورصد نتائج وجزاءات عناصر الإنتاج وحصر مستجدات المعاملات وخصائص فضاءات انتشارها...، داخليا وخارجيا، تطرح من وجهة نظر محللي آفات الأزمة الاقتصادية الجارية ضرورة بل واستعجالية وضع دستور خاص بنمط تدبير دوائر الاقتصاد حتى لا نسقط مجددا في كوارث الأزمة وويلاتها الاجتماعية المعولمة. ولعل اقتراح دسترة مستوى العجز الموازني في فرنسا الرئيس ساركوزي من جهة والدفع نحو استبدال كشكول الاحترازات والمحاذير القانونية والتنظيمية لدوائر التمويل والأبناك بدستور اقتصادي فعلي يقي البشر من جشع و تحفز فضاءات المضاربة المالية للرأسمالية المتوحشة نحو الخلود إلى نشاط دوري تسوده عقلية التفاعل المخرب و القاتل بين فئات القناصة والفرائس من جهة ثانية، مثالان حيان على أهمية دسترة قضايا الاقتصاد ضمن أي مجهود جديد لتأصيل قواعد التعامل البشري داخل نص النبراس الدستوري. فمن هذا المنطلق تبرز أهمية بيان ماهية العلائق الموضوعية والموجودة فعلا بين الاقتصاد والدستور في مقام أول قبل تناول إشكاليات دسترة الحقوق والأهداف ذات البعد الاقتصادي. على أن تسنح الفرصة لتفصيل القول في مضامين الفصول « الاقتصادية» التي تتطلبها صياغة متطورة وساعية نحو التوضيح الشافي والبيان المفعم بروح الاجتهاد نحو المساهمة في الإعلان عن إرساء مقومات مسلسل دمقرطة فعلية للاقتصاد المغربي. في مضمار العلائق بين الاقتصاد والدستور حينما تطرح ضرورة تنوير الرأي العام بشأن الروابط الممكنة بين الاقتصاد ومشروع دستور المملكة فلأنها موجودة فعلا ولأنها مطروحة ضمن المشاكل والقضايا المؤرقة: - ألم تستمد عدد من شعارات المطالبة بالتعديلات الدستورية غداة تمظهرات حركة 20فبراير مقوماتها بل و أمثلتها المشخصة من إشكالات تفسخ و/أو خلخلة دوائر المال والأعمال بفعل اختلاط السلط واستعمال مواقع الجاه والنفوذ لتفيد وتيسر تركيم الثروات وتدليل الصعاب أمام كل إمكانية لاستغلال الفرص السانحة والاستحواذ على مواقع تضمن الهيمنة على قطاع تام وسوق بكامله؟ - ألم ترتبط الانتقادات المطالبة بفصل السلطة السياسية عن دوائر النشاط الاقتصادي ومنذ استقلال بلادنا بما علق بالأذهان والتجارب من ترسخ في علائق تبعية دوائر المال والأعمال لدوائر الزجر والإكراه والترخيص بما جعل الجاه وباستمرار مفيد للمال كما أقرت بذلك ملاحظة خلدونية ثاقبة أصبحت في عداد القوانين الثابتة للمعاملات ذات الطبيعة الاقتصادية في بلادنا؟ - ألم تعاني قدرات الاقتصاد الوطني على الإنجاز والتطور من فرامل ومثبطات النمط العام للحكامة السياسية الذي غلب منطق إخضاع الاقتصادي وترسيم تبعيته للسياسي والإداري كما برز ذلك حتى مع حكومة التناوب التوافقي ؟ لهذه الاعتبارات، والتي اقتصرنا في ذكرها على عناوين الأمثلة الدالة، يجدر بنا عدم إغفال وجود آثار اقتصادية لكل اختيار للمبادئ الدستورية ومن تم ارتباط الحصيلة الاقتصادية بنمط الحكامة الاقتصادية الذي تتيحه و تسنده الاختيارات الدستورية. فالدستور يضع مبادئ ممارسة النشاط السياسي و يعرض لآليات التكفل بهذا النشاط ضمن أسلوب الحكم المتبع بعيدا عن سياق تطور ميزان القوى ولكن من منطلق تغليب طرف أو النص على تصدر أو غلبة مقننة لجهة معينة ضمن مناطق اتخاذ القرار. لذلك نقول بأن الدستور يؤسس لمرتكزات سلطة الدولة والسلطة العمومية وشروط استعمالها من طرف الحكام والمحكومين. وبطبيعة الحال تدخل ممارسة السلطة على الاقتصاد ضمن فضاءات النشاط السياسي كما ورد ذلك ضمن تأملات منتيسكيو الذي أوضح أن أهداف وطبيعة التجارة ترتهن بنوعية الحكم، حيث تكون التجارة في سياق الحكم الفردي تجارة مباهاة مسخرة لنزوات التفاخر وملذات الحاشية ولا تلتصق بمنطق الاقتصاد وتلبية حاجيات عموم الناس إلا في كنف حكم تعددي. لا يجب أن نستنتج من قولة منتيسكيو هذه أنها ترهن الدستور بالمشروع الاقتصادي الليبرالي وحده وبفسح المجال ودون قيود لاقتصاد السوق بل يتعين الوقوف عند مدلولها العام. فالدستور يؤسس لعقد اجتماعي يترجم اقتصاديا بواسطة تحديد تدخلات و أعمال جماعية وتوضيح نوعية الوسائل الكفيلة بإنجازها كموارد وكآليات. لذلك فالوثيقة الدستورية ترسم نطاق نمط الضبط أو النظامة دون أن تحدد وبشكل نهائي الأشكال الملموسة للنظامة والأدوات التي ستستعمل. ولأنها تحدد قواعد سير الفضاء الاجتماعي وبشكل خاص لأنها توضح مبررات وأهداف هذه القواعد على مستوى مبدئي، من الممكن أو من المباح أن نطمح في أن يتضمن النص الدستوري توجهات اقتصادية صريحة تؤسس للسياسات الاقتصادية المرجوة ووسائل تطبيقها. صحيح أن السياسات الاقتصادية بحكم طبيعتها إجراءات تتبدل وتتكيف ويشترط فيها أن تتأقلم لزوما مع المشاكل المطروحة لكن من المستحب أن تتوفر أرضية ومرجعية لبناء الخطاب الاقتصادي وجعله لا يزيغ عن مرتكزات العقد الاجتماعي كما تعارفت عليه المجموعة البشرية من خلال دستورها. نعود إلى القول بأن الدستور أساسي لسير الاقتصاد والمجتمع لأنه يمكن من التأسيس لشرعية ومشروعية الاختيارات التي تلحم الكل الاجتماعي. لنتصور دستورا يرتكز من حيث المبادئ الموجهة على مبدأ النجاعة الاقتصادية الخالصة وحده. فمن دون شك سيصبح الرجوع أو الاحتماء بمبادئ وقواعد أخرى تتيح الارتكاز على مبررات ودوافع تناقض مبدأ النجاعة الاقتصادية الخالصة دون سند دستوري حيث سيتاح التصريح بلا دستورية المساعدات والإعانات بين الفئات والفاعلين الاقتصاديين كانت على شكل تسهيلات و إعفاءات وتخفيضات جباءية أو أخدت صفة مساعدات اجتماعية مباشرة أو غير مباشرة أو نحت نحو تطبيق تمييز إيجابي في مضمار التعليم والتطبيب ومحاربة نوع من أنواع فوارق فضاء الدولة. كذلك لنتصور دستورا ينص على نهج اقتصادي معين ويحرم من تم كل إمكانية لاعتماد سياسات اقتصادية بديلة لا تلتصق حرفيا ولا تدين بالولاء لمذهب النجاعة الخالصة والحصرية. فإذا كان البحث عن النجاعة الاقتصادية مرتكز ومبدأ ضروري لمواجهة رهان الحفاظ على قطاع اقتصادي ما في سياق احتدام التنافسية على المستوى العالمي وفي إطار حتمية الركون لرهانات التنمية المستدامة، سيبدو النص الدستوري المجال المعني بتسجيل التوجه المحمود والتنصيص على مراعاته والالتزام به. وسيبدو متن الدستور أكثر أهمية حينما تظهر هوة متزايدة بين نوع الخطاب الاقتصادي السائد والذي يبجل المبادرة الفردية ويمتدح نتائج السوق ويثني على مقاصد تغليب الفعالية الاقتصادية ومستوى الأرباح المستحصلة من وراءها كمرتكز لسيول استثمارات متواصلة وبين المرجعيات المؤطرة لهذا التوجه والحامية من منزلقات تطبيقاته الحية. فحينما لا تسع فصول الدستور مجرد إشارة إلى وساءل ومساطر رعاية التحكيم بين المصالح الاقتصادية المتناقضة بطبعها وغاياتها وحينما لا يفصح جوهر الدستور عن تعريف توافقي لماهية الصالح العام على مستوى عيش الناس ولطرق الاعتراض على منطق وممارسات الأقوى في الساحة الاقتصادية يفسح المجال للتجاوزات ولتسخير الإدارة وبيروقراطيتها لغض الطرف ولترك الحبل على الغارب... لتتعمق الهوة لصالح القوى الغالبة في اتجاه تطوير أنشطتها إلى امتيازات وتحويل وضعيات الريع الناجمة عنها إلى مكاسب بالجملة. لسنا هنا بصدد الدفع نحو بلورة نص دستوري خاص بالنسبة للاقتصاد بل بشان توضيح مستلزمات تضمين النص الدستوري قواعد تحدد ما يمكن وما لا يمكن للفاعلين الاقتصاديين الخوض فيه، ما يسمح وما لا يباح فعله والتدخل بشأنه من طرف الدولة وامتداداتها، ما يدخل ضمن مجالات عمل المبادرة الفردية وما يبقى حصرا على الجماعة ومن يمثلها وينوب عنها، ما يلزم صاحب المبادرة الاقتصادية آنيا ومستقبلا وما يترتب عن حقوقه من واجبات للعاملين معه وللأغيار... ومجملا من شأن إطار الدستور أن يساعد على تقليص مصادر ريب الفاعلين الاقتصاديين و اتقاء النزاعات الناجمة عن الغموض الذي يلف دوائر الحقوق والواجبات. ففي سياق أصبحت فيه الحدود بين الفضاء العام والفضاء الخاص حدودا غير نهائية، متداخلة ومتحركة في نفس الآن، لأن المنطق المتحكم فيها يرتهن بالتصور المعمول به لدور الدولة وللتصور بشأن السلطة الاقتصادية الذي يعمل من خلاله الأفراد...أصبح من اللازم الارتقاء بالتوضيحات الدستورية المبدئية إلى مستوى من الإدراك والوضوح وتجنب مناطق الإبهام. في الحاجة إلى دسترة الحقوق و الأهداف الاقتصادية من زاوية قرآة المضمون الاقتصادي للدساتير كما من وجهة نظر مكانة الأبعاد الاقتصادية والحيز المخصص لها في دساتير المعمور، ليس من اليسير الخروج بتصنيف دال ليس فقط لأن المقارنة ستصطدم بخصوصية السياقات التاريخية التي أفرزت هنا أو هناك صيغة دستورية ولكن وكذلك لأن العبر التي يمكن استنتاجها عبر تتسم لزوما بطابع نسبي بين باعتبار سمة درجة الاستقرار واللاستقرار الدستوري التي يتصف هذا البلد أو ذاك. وقد نضيف أيضا أن دساتير دول المعمور قد تصنف وترتب حسب تركها أو عدم تركها المجال مفتوحا دستوريا للتأويل السياسي الحر للأهداف الاقتصادية إذا ما نحن اعتمدنا الدستور الأمريكي كمثال عن النجاعة النسبية للتأطير الدستوري للاقتصاد الليبرالي. للإشارة يتميز الدستور الأمريكي بأنه إطار ميسر جدا لتتبع وتأويل وتكييف أهداف النشاط الاقتصادي وهو ما اعتبر وما زال يقدم كمرتكز تاريخي للتفوق الأمريكي وكضامن لاستمرارية تقدم وغلبة اقتصاد الولاياتالمتحدة في ساحات أسواق الاقتصاد المعولم. وبكل جلاء يظهر ذلك اليوم في مضمار براءات البرمجيات المعلوماتية كما في المنحى الذي اتخذته مبدئيا حماية الملكية الفكرية في العالم وبإيعاز أمريكي بارز. وغني عن التذكير أن انبهار طوكفيل، مؤلف ََ في الديمقراطية في أمريكا ََ، انبهار ارتكز على كون الدستور الفيدرالي استطاع التوفيق بين مزايا الحجم و ممارسة الحرية الفعلية مع حل إشكالية قرب وفصل السلط. وهو ما تترجمه اختصاصات وصلاحيات الوكالات الفيدرالية التي استطاعت وبالملموس التوفيق بين مستلزمات النجاعة الاقتصادية و الحفاظ على الصالح العام. فسواء في ميدان المواصلات اللاسلكية أو في مضمار البحث عن أكبر تجانس ترابي ممكن وعن مقومات تيسير تسويق السلع والخدمات، لعب الرجوع إلى التوجيه والتأويل الدستوري لمهام هده الوكالات دوره كاملا في التمسك بقيم الحفاظ على السير العادي للمنافسة وعلى مصالح المستهلكين باسم الصالح العام طبعا. إذا ما نحن في المغرب انخرطنا في روح العصر وجعلنا من الدستور نتيجة تشاورو توافق، واسع ومنظم، بين مجموع المواطنات و المواطنين حول أهداف متقاسمة وقادرة على صهر وتقريب المصالح المشتركة، الآنية والمستقبلية، سنتجه طبعا نحو التمسك بإضفاء طابع عام على المقتضيات الدستورية بغية تمكينها من التناسق والانسجام مع تطورات الإرادة الجماعية وفي اتجاه تخويلها القدرة على استيعاب كل تعديل يتوافق ويترجم فحوى تطورات الاقتصاد والمجتمع. ويعتبر المختصون في مضمار ابستموليجية أنساق النصوص الدستورية أن نص الدستور الفيدرالي الأمريكي نص يفرض طابعه المثالي بحكم بساطة منطوقه واقتضاب مواده من جهة والاستعمالات التي وظفت له والطريقة التي انتهجت لذلك، من جهة ثانية . ففي أمريكا وبعيدا عن كل دوغماءية مكبلة، شكل الدفع بمبادئ عامة والاحتماء بأولويتها ومشروعيتها المؤسسة مرتكز المناداة بتعديلات خدمت الممارسة اليومية لكبار الفاعلين السياسيين والاجتماعيين والاقتصاديين الأمريكيين. خلاصة تقديم الدروس المستخلصة من الدستور الأمريكي توضع أن طريقة صياغة وترتيب وإبراز الأبعاد الاقتصادية للأنشطة وللتفاعلات الاقتصادية الناجمة عنها طريقة تؤثر على سير المجموعة الفيدرالية و تتيح إمكانية مجابهة منافسة الكتل والمجموعات الخارجة عن منطقها. وعلاوة على كونها تبرز كيف تم التهييىء لتيسير عمل القاضي الدستوري ولاشتغال المحكمة الدستورية فإنها توضح درجة استيعاب المذاهب الاقتصادية القائمة وانعكاسات الدفع بمبادئها دستوريا كما تبرز مدى الحرص على تأسيس مرتكزات واثقة للنهج الاقتصادي والاجتماعي المفضل أو المنتصر له في لحظة تاريخية معلومة. وطبعا من نفس المثال نستقي كون الغرفة أو المستوى القضائي الدستوري تجتهد في سياق توزيع واضح للسلط الحكومية بين المستوى الفيدرالي و الحكومات المحلية وكذلك اعتبارا لفصل السلط داخل الحكومة الفيدرالية نفسها. وغير خاف أن المستويان معا مخولان ومهيآن في نفس الآن لممارسة السلطة في مضمار تحديد المصالح و الروابط والأنشطة الاقتصادية. ومجملا وإن كان الدستور الأمريكي نتاج القرن الثامن عشر ولم تدخل عليه تعديلات وتحيينات بشكل راديكالي فهو يعكس باستمرار إيديولوجيا الحقبة التاريخية التي آذنت بميلاد الولاياتالمتحدة ككيان فيدرالي. فقد تعزز دستور 1787 بإعلان الحقوق في 1791 ليفصحا معا عن تقيد و التزام خاص بالحقوق الطبيعية وبالنهج الليبرالي قبل أن تدمج آخر التعديلات المدخلة، انطلاقا من التعديل الثالث عشركما هو معروف، انعكاسات جوهرية على الحقوق الاقتصادية. وعلى العموم من المفيد التركيز على كون تطور الحقوق ارتبط بمجهود تأويل النصوص المؤسسة بما جعل مضامين الحقوق الاقتصادية تتعزز وتتجلى وتوسع آليات حمايتها ارتكازا على التوجهات المضمرة في فلسفة النص الدستوري من جهة وعلى مجهود التشريع. فمن خلال اعتماد تأويل موسع للسلطات الدستورية للكونغرس دفع اجتهاد وفقه المحاكم هذه المؤسسة نحو الحرص على تطوير الحقوق والأفضليات والمزايا ذات البعد الاقتصادي. هكذا فإن الدستور الأمريكي دستور يرتكز على الحقوق ومنذ الانطلاق تم الاعتراف بالحقوق الفردية إزاء الحكومة الفيدرالية وإزاء حكومات الولايات أما الحقوق الاجتماعية والحريات الاقتصادية فهي تنحدر من اجتهادات القضاء بشأن حقوق المواطنين والحرية والاستقلال الذاتي وعدم التمييز و المساواة أمام القوانين. المثال الأمريكي مفيد جدا للتأمل بشأن الحاجة إلى دسترة الحقوق الاقتصادية. فمع اختلاف السياق وبالنظر إلى هيمنة الاقتصادي ومكانته ضمن المشاغل والهموم اليومية لعموم المواطنين وآثاره على توازن المجتمعات من الضروري ونحن بصدد مشروع بلورة دستور جديد ينسجم ويتماشى مع سياق داخلي وخارجي تسمهما خصائص بداية الألفية الثالثة، أن يتضمن دستورنا الجديد بنودا تترجم الاحترازات الكفيلة بحماية قيم وطنية مشتركة تضمن وبالملموس حقوقا اقتصادية واجتماعية متساوية لكل المواطنات والمواطنين داخل مختلف ربوع المملكة. وقد تنضاف مواعظ السياق الأوروبي إلى دعم هذه الحاجة إلى دسترة الحقوق والأهداف الاقتصادية بشكل وبآخر خاصة وأن فقه السوق الأوروبية المشتركة ثم الاتحاد الأوروبي فقه متأثر بالقانون الدولي لحقوق الإنسان وخاصة ذلك الذي أفرزته تدريجيا وبشكل متصاعد الحلقات المعاهدة الأوروبية لحقوق الإنسان والميثاق الاجتماعي الأوروبي والبروتوكولات الإضافية أو الملحقة لهما. خالص الخلاصات المترتب عن هذين المثالين التاريخيين يرتبط في نظرنا المتواضع بكون تجربتيهما، وإفرازات بنيانهما الدستوري على مستوى إنجازهما الاقتصادي بصفة عامة، كفيلتان بإذكاء تأمل بناء بشأن كيفية اختيار أحسن وأضمن وأنجع الطرق الضامنة لمناخ حرية ونزاهة وشفافية الروابط والمعاملات الاقتصادية بين مكونات ومراكز قرار الاقتصاد الوطني المغربي من جهة، وبصدد القيم الوطنية المشتركة الموجهة أو المهيأة - والتي يجب التحضير للتنصيص عليها دستوريا في هذه اللحظة التاريخية- للطمأنة على أن المملكة المغربية ماضية ومصرة في تأطير ضمانات حقوق مواطنيها وفاعليها الاقتصاديين والمقاولات العاملة ضمن مجالات أنشطتها الاقتصادية بما يعلي فوق الجميع سيادة الحقوق والامتيازات المعلنة والمعمول بها والتي تكفل حسب ضوابط القانون للجميع ويخضع لها وبدون استثناء أو التواء كل من دخل غمار الأنشطة الاقتصادية في المغرب، من جهة ثانية. هكذا تتأسس مناداتنا هاته بالحاجة إلى دسترة أغراض اقتصادية ومجتمعية سامية وأهداف عليا ذات طبيعة اقتصادية للمجموعة الوطنية على كون الإطار الدستوري، كنص مرجعي وكروح ملهمة، إطار لا مناص منه لضبط التنصيص الأسمى عن محتوى و صلاحيات السلطات الاقتصادية، العمومية والخاصة منها. فبالتجربة التاريخية ودروسها الموجهة كما أقرته عدد من الاختيارات الاقتصادية الجارية في مغرب اليوم، من الضروري إن لم يعد من الملزم أن تتضمن الوثيقة الدستورية مبادئ تنير وتقود مراكز قرار السلطات الاقتصادية المركزية: - أ فليس البرلمان بغرفتيه، وهو يتدارس مقترحات الحكومة بشأن قانون المالية كما بشأن أي نوع من السياسات الاقتصادية القطاعية أو في مضمار الانعكاسات الاقتصادية- التجارية و الجباءية- لكل مشروع قانون أو مرسوم تنظيمي، محتاج لنبراس دستوري يذكر بالاختيارات المؤسسة وبالخطوط التي تحفظ جوهر الإجماع الوطني؟ - أليست الحكومة، التي لها أهلية أو أسبقية المبادرة في تقديم القوانين ومراسيمها التطبيقية، بحاجة ماسة إن لم تكن ملزمة إلى بوصلة بشأن ما يؤمن دستورية مقترحاتها ويضمن لعملها ولبرامجها السند الدستوري الواثق؟ - هل من مرتكز أيقن للسلطات الترابية المحلية من حيث وقعها الاقتصادي كما للسلطات الإدارية المستقلة وللمؤسسات العمومية ذات ا لطابع الاقتصادي والتجاري ومن مأمن غير ضمانات المرجعية الدستورية ووضوح بنودها وإشاراتها؟ - هل يمكن تحصين حقوق المصالح الاقتصادية الخاصة من تدخلات وتجاوزات وشهيات دوائر الفعل الإداري والسياسي خارج التحصين الذي تضمنه بنود أسمى وثيقة في هندسة مرجعيات التعامل المجتمعي؟ ففي كل هذه المستويات طبعا تظهر مزايا التنوير الدستوري من حيث نوعية الإيضاءات التي يقدمها ومن زاوية التفاصيل التي يثبتها إزاء الحاجة إلى الشرح والتأويل وتيسير سبل الاجتهاد والاقتداء. ففي كل هذه المستويات لامناص من توضيحات بشأن طبيعة ونوعية الأدوار المخصصة و ووسائل التدخل أو التأطير المتعين العمل بها و أنماط التمفصل والتعاون مع المتدخلين الآخرين وأشكال التداخل والأخذ والعطاء معهم وحدود التبعية والخضوع للتعليمات والإشارات الواردة من هذه الجهة أو تلك. وفعلا ففي سياق المجتمع الديمقراطي تطرح مسألة الحق في مقاومة الاستبداد ليس فقط في الميدان السياسي والاجتماعي بل وكذلك في الميدان الاقتصادي ومن تم تطرح القيمة أو السند القانوني الذي يدعم ويؤطر ضمانات هذا النوع من المقاومة كإحدى القيم التي يجب أن تكفل دستوريا بذات القوة التي تكفل حماية الحق في الملكية والحماية من تجاوزات استعمالاتها والسهر على حرية لعبة المنافسة ومستوى تعضيد آليات مؤازرة السير التنافسي للأسواق، داخليا وعلى مستوى التبادل الخارجي. وخلاصة القول أن مشروع الدستور مطالب بأن يبرز المبادئ التي تقي المواطنين من كل أنواع التجاوزات والشطط التي تطال المعاملات ذات الطابع الاقتصادي. فالمطالبة اليوم بفصل السلط لن تجسد تقدما إذا لم تعمل على تخليص الدائرة الاقتصادية من وضعية التبعية والتسخير لمنطق السلطة السياسية والإدارية من جهة وإذا بقي الجاه مدرا للثروات واستمرت مناصب النفوذ مرتعا للاستحواذ على جزء من نتائج الأنشطة الاقتصادية. ففي أفق دولة الحق والقانون لا مجال مطلقا لنشاط أو فعل اجتماعي- كان سياسيا أو اقتصاديا أو ثقافيا - لا يخضع ولا يدعن للقانون. وبطبيعة الحال فالمعايير القانونية وكيفما كانت الميادين التي تختص بها وتؤطرها ( نشاط سياسي، قطاعات اقتصادية، مؤسسات التدخل الاجتماعي...) تندرج بالضرورة ضمن هرمية تتكون قمتها من المعايير الدستورية ومن تم تصبح كل المعايير القانونية والتنظيمية وحتى الشخصية والخاصة المطبقة على الأنشطة الاقتصادية تتحدد لزوما على أساس قواعد ذات قيمة دستورية. لذلك من الأجدر إبراز مجموعة من التوضيحات وداخل نص الدستور المرتقب نفسه وعلى شكل فصول قائمة بذاتها تجسد تمثلا للحرية الاقتصادية وللكرامة الاجتماعية وفي نفس الآن الإشارة ولربما التنصيص الواضح على سبل ضمان إعمالها وتعهدها على أرض الواقع. إذا كان مجال الدستور المجال الذي يستحيل عليه التطرق لقضايا الدورة الاقتصادية وتقلباتها الداخلية والمسقطة من الانفتاح على الاقتصاد الدولي فقد أصبح من الضروري تضمين الدستور مقتضيات ذات طابع اقتصادي تستقي مواضيعها من تفصيل القول في نوعية الحقوق الاقتصادية المكفولة كما هي متعارف عليها ضمن مشاغل المواطنين وحاجيات المغرب في تطوير قدراته ومؤهلاته الاقتصادية.