ومن نتائج ذلك أن هذه الأنظمة وخاصة ذات الحزب الحاكم والتي ترفع شعارات التقدمية والقومية والديمقراطية، تعيش مأساة فظيعة تتمثل في أن نخبتها المبدعة سياسيا واقتصاديا وثقافيا وفنيا وعلميا، إما تعيش في الخارج هربا من قمع ومشانق الحكام وبالتالي يستفيد الأجانب من خلقها وإبداعها، وإما أنها مقيمة في بلدانها بثلاثة أشكال: إما أنها تمشي «الحيط الحيط» وتقول يا رب السترة، وإما أنها تقبع في السجون والمعتقلات السرية والعلنية لأنها تجرأت على البوح بما يستشم منه أنه مخالف لرأي الحكام، وإما أنها باعت نفسها للحاكم لتحمي نفسها ولتتمتع بعطاياه. هذه هي الحالة التي تعيشها معظم أقطارنا العربية، وهي التي أدت إلى الانتفاضات والثورات التي نشهدها على امتداد الساحة العربية من المحيط إلى المحيط . وفي هذه الحالة يكمن الجواب على السؤال الذي أوردناه حول سر تغلب الكيان الصهيوني الصغير جدا على كل العرب والمسلمين على كثرتهم وغناهم. من هنا, فإنني متيقن تماما من أن أبناء الشعب الفلسطيني يعيشون نفس فرحة الجماهير العربية التي حققت انتصارها على أنظمتها الفاسدة التي انكوت بنارها ، ويعيشون لهفة ترقب انتصار الشعوب العربية التي لازالت تناضل من أجل نيل حقوقها وكرامتها ، فهو يرى بأن ما يقع ما هو إلا بشارات النصر على العدو الصهيوني. ويأتي هذا اليقين من معرفتنا الميدانية للجماهير العربية في كل أقطارها ، حيث لم تبخل يوما على الثورة الفلسطينية بالأرواح والأموال ، وهي وإن فعلت ذلك في ظل الظروف التي أوضحناها في الأسطر السابقة ، فإنها ستفعل ذلك أضعافا مضاعفة عندما تتخلص من كل ما كان يكبلها ويمنعها من المساهمة المباشرة وغير المباشرة في الجهد المبذول لتحرير فلسطين أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على كامل التراب الوطني الفلسطيني. تحكي كتب التاريخ أن الخليفة العباسي هارون الرشيد كان وهو يجلس في قصره ببغداد يشاهد الغيوم وهي تسبح في السماء ، فيخاطبها قائلا : اذهبي حيثما شئت فسيأتيني خراجك . وأعتقد جازما بأن الإنسان الفلسطيني الذي يتابع حركات التغيير التي تجري في هذا القطر العربي أو ذاك يقول في نفسه.. هبت رياح النصر، وبما أن النصر صبر ساعة ، وقد صبرت الشعوب الشقيقة فحققت إنبلاج فجرها ، وإن الصبرالفلسطيني الذي طال أكثر مما يجب قد آذن فجره بالبلج.