نشرت صحيفة الشروق المصرية، السبت، حلقة جديدة من كتاب الصحفي الناصري عبد الله السناوي، «حياة برقاش.. هيكل بلا حواجز»، تناول فيها رواية هيكل حول وفاة الرئيس المصري السابق جمال عبد الناصر. ويكشف السناوي في هذا الجزء عن تسجيلات استطاعت المخابرات المصرية الحصول عليها من خلال زرع أجهزة تنصت في السفارة الأمريكية في القاهرة. ويشير السناوي في كتابه إلى أن المخابرات أطلقت على عملية التنصت تلك اسم «الدكتور عصفور»، وهي تشير إلى أن محاولات إسرائيلية حثيثة جرت لاغتيال عبد الناصر. يذكر أن عبد الناصر مني بهزيمة في حرب 1967، خسر فيها كامل جزيرة سيناء، إضافة إلى خسارة العرب مدينة القدس والضفة الغربية وهضبة الجولان السورية. ووتوفي حسب ما هو شائع إثر أزمة قلبية عام 1970. وفي سياق السؤال المتعلق بما إذ كان ناصر قد مات مسموما، أم إثر أزمة قلبية، تواترت روايات وقصص ثبت أنها لم تكن صحيحة، ولا تستند إلى أساس يعتد به، حتى تكشفت وثائق جديدة أعادت طرح السؤال بصورة أكثر جدية وخطورة، بحسب السناوي. ويضيف أن «الكلام عن ضرورة الوصول إلى «ناصر» -هذه المرة- استند إلى تسجيلات وتقارير مؤكدة. وكان هو (أي هيكل) الرجل الذي تولى الكشف عن هذه التسجيلات والتقارير، بعضها للمخابرات العامة المصرية، وبعضها الآخر وثائق أمريكية لم يكن الاطلاع عليها متاحا من قبل». وهنا يشير السناوي إلى التسجيلات الصوتية التي حصلت عليها المخابرات من داخل السفارة الأمريكيةبالقاهرة في العملية التي أطلق عليها «الدكتور عصفور». في التسجيلات، بحسب السناوي، نقلا عن هيكل، «بدت فكرة الوصول إلى «عبدالناصر»، بالسم أو بأي وسيلة أخرى، الأخطر على الإطلاق». استدعت المعلومات فائقة الخطورة أن يذهب رئيس المخابرات المصرية في ذلك الوقت «أمين هويدي» على وجه العجل إلى منشية البكري. استمع «عبدالناصر» إلى ما احتواه التسجيل من توجه للوصول إليه والتخلص منه، وكتب نصه على ورقة أمامه. انطوى التسجيل على حوار بين السفير الأمريكي «دونالد بيرجس» والوزير المفوض في السفارة الأمريكية بتل أبيب ومساعدته، تبادلوا فيه ما توصل إليه قبل أيام اجتماع ضم «جولدا مائير» و»موشى ديان» و»إيجال ألون» و»ياريف» من قيادات الدولة العبرية من أن «بقاء إسرائيل رهن بالقضاء على ناصر.. وأنه يجب الوصول إليه بالسم أو بالمرض». في الوقت ذاته، كان هناك تقرير للمخابرات المصرية من روما نقل كلاما منسوبا ل»علي أمين» من أنه سوف يجري التخلص من «عبدالناصر» في هذا العام (1970). كشف «هيكل» عن وثائق خطيرة أخرى لاستهداف حياة «ناصر». وهنا يستنتج السناوي، أنه «وفق نصوص ما هو مسجل، فإن السبب الإسرائيلي المباشر لاستهداف حياة «عبدالناصر» هو خشية قياداتها من أن يفضي أي إنجاز عسكري للقوات المصرية في أي مواجهات متوقعة إلى مد جديد لحركة التحرر الوطني في العالم العربي لا تقدر على صده». من ناحية أخرى يذكر السناوي بأنه سجل ناصر «الطبي معروف ومنشور، فهو كان يشكو منذ أوائل عام (1968) من آلام في ساقه اليمنى؛ إثر ضعف في الدورة الدموية، وهي إحدى المضاعفات المعروفة للسكر.. و»في سبتمبر (1969) أصيب بالأزمة القلبية الأولى إثر إغارة إسرائيلية على منطقة الزعفرانة قتل فيها خمسة جنود وبعض المدنيين المصريين.. وأثبت الفحص الإكلينيكي ورسومات القلب المتكررة تعرض الرئيس لجلطة في الشريان التاجي.. وعندما نصحه طبيبه الدكتور «منصور فايز» بالراحة.. رد عليه: «يعني إيه راحة؟». وهنا يقول إن «الاعتقاد الراجح أن الرئيس توفي بصورة طبيعية في أزمة القلب الثانية بعد عام واحد من الأولى، ولكن هناك شكوك وظنون لا يمكن تجاهلها أو غض الطرف عنها في أنهم تمكنوا من الوصول إليه». يقول السناوي أنه سأل هيكل مباشرة: «هل تعتقد أن عبدالناصر مات مسموما؟»، فكان الرد: «ليس عندي يقين، والجزم في مثل هذه الأحوال خطأ فادح، الوثائق تقول إنهم كانوا يريدون الوصول إليه بالسم، ولكن ذلك لا يعني بالضرورة أنهم نالوا منه فعلا». ويضيف السناوي: «في حالة عدم اليقين، لم يستطع أن يتجاهل إشارات خطرة ولها مغزى، فقد رحل «عبدالناصر» بعد عشرة شهور من ذلك اليوم الذي استمع فيه لما يرتب لإنهاء حياته، ووضع نص ما استمع إليه على ورقة أمامه». وينقل عن هيكل قوله من جديد: «هل وصلوا إليه؟.. لا أجزم بشيء، فلا يوجد دليل قطعي». هنا يقدم السناوي رواية مثيرة أخرى بقوله: «وسط الإشارات الخطرة، تذكر واقعة جرت في الجناح الذي كان يقيم فيه الرئيس بفندق «هيلتون النيل»، والعالم العربي ينتظر ما تسفر عنه القمة العربية الطارئة، التي عقدت لوقف حمامات الدم في عَمّان فيما عرف ب «أيلول الأسود». احتد «عبدالناصر» على رئيس منظمة التحرير الفلسطينية «ياسر عرفات»، في حضور «هيكل» و»السادات»، قائلا: «إما أن ننزل متفقين، أو أعلن فشل مؤتمر القمة في التوصل إلى حل». لم يكن مستعدا لأي فشل أو مماطلة في التوصل إلى حل ينهي المأساة. عند ذلك اقترح «السادات» أن يعد بنفسه فنجانا من القهوة للرئيس. دخل إلى المطبخ، وصرف العامل المختص، واسمه «محمد داود». ثم يقول السناوي: «سألت هيكل: «هل يمكن أن يكون السادات فعلها؟». أجاب: «ولله لا أعرف»، مضيفا «هناك أسباب أخلاقية وسياسية وعملية تمنع تورطه في مثل هذا العمل.. لكني رويت ما رأيت». ويختم السناوي بالقول: «في فيض ذكرياته عن «عبدالناصر» واستهداف مشروعه، ظل السؤال يلح عليه: هل وصلوا إليه بالسم؟ ولم تكن هناك إجابة حاسمة».