بحضور جماهيري كبير ونوعي، احتضنت قاعة ابن بطوطة بالمعرض الدولي للنشر والكتاب مساء يوم السبت، لقاء تواصليا مع الدكتور فتح الله ولعلو، لمناقشة كتابه الجديد الصادر باللغتين العربية والفرنسية، تحت عنوان «نحن والصين». وهي المناقشة الموفقة التي قام بها الكاتب والصحفي لحسن العسبي. إذ على مدى ساعة ونصف الساعة، أعاد الحضور الكثيف، الذي ضاقت به القاعة تلك، اكتشاف معنى الصينالجديدة، من خلال مقاربة أكاديمية رصينة، مسنودة برؤية سياسية تحليلية، بلورها عمق النقاش الذي تم بين الكاتب ومحاوره. وهو النقاش الذي جعل وفدا صينيا نسائيا شابا، حضر ذلك اللقاء يخرج بانطباعات جد إيجابية عن قيمة الإهتمام المغربي الرفيع بالصين، الحضارة والسياسة والإقتصاد. في البداية قدم الزميل لحسن العسبي ورقة تعريفية جد مدققة عن الدكتور ولعلو، أعلن فيها لأول مرة عددا من المعلومات الخاصة بسيرة الرجل، منذ كان تلميذا نجيبا بالإعدادي بالرباط، وكيف فاز في اختيار لأنجب التلاميذ المغاربة لزيارة مصر وعمره لا يتجاوز 14 سنة، حيث قضى أسبوعين توجا بلقاء مع الزعيم المصري جمال عبد الناصر. وكيف أنه كان من الأوائل الذين نجحوا في امتحانات الباكالوريا في نهاية الخمسينات وتم اختياره من قبل الخارجية الفرنسية للفوز بزيارة تفقدية تعريفية بفرنسا دامت أسبوعين. وكيف أنه ثاني طالب مغربي يحصل على دكتوراه الدولة في الإقتصاد بباريس، بعد المرحوم عزيز بلال، سنة 1968، وهو بالكاد يصل 26 سنة من عمره. مثلما استعرض بعضا من تفاصيل قصة التزامه السياسي، وكيف أنه ابن عائلة استقلالية، حيث والده صديق حميم للشهيد المهدي بنبركة، بينما اختار هو الإلتحاق باكرا بالحركة الإتحادية قبل أن يصبح رئيسا للإتحاد الوطني لطلبة المغرب ويتعرض لمحن اعتقال كثيرة. معتبرا في جملة قفل أنه من أحسن وزراء الإقتصاد والمالية الذين عرفهم المغرب إن لم يكن أحسنهم على الإطلاق بشهادة مؤسسات علمية دولية. بعدها فتح نقاش بين الزميل لحسن العسبي والدكتور فتح الله ولعلو، حول كتابه الجديدة، بعد أن قدم شهادة دالة وبليغة خص بها وزير الخارجية الفرنسي الأسبق هوبير فيدرين الكتاب، الذي اعتبره هاما وتأسيسيا ومفيدا له كفرنسي، كونه صادرا عن رؤية مغربية ومغاربية وعربية وإفريقية. وهو النقاش الذي تمحور حول ستة أسئلة مركزية، أغنت اللقاء بزخم هائل من المعلومات والتحاليل، التي جعلت الجمهور يتفهم أكثر قصة الصين وقصة تحولاتها السياسية والإقتصادية خلال الأربعين سنة الماضية. وكيف أنه اليوم، كما قال العسبي «حين تعطس الصين يصاب العالم بالزكام». وكانت البداية حول السر في اختيار الدكتور ولعلو لحكم كونفوشيوس في كل مقدمات فصول الكتاب (24 حكمة)، حيث أكد أن الغاية هي تبيان أن الصين حضارة، وأن تحولها الجديد راجع في جزء كبير منه إلى إعادة تصالحهم مع ماضيهم الحضاري، بشكل تجاوز قرارات ماوتسي تونغ التي كانت تحاول القطع مع ذلك الماضي. منبها أنه ابتدأ في الحقيقة قبل كل حكم كونفوشيوس في أول كتابه بالحديث النبوي الشريف «أطلبوا العلم ولو في الصين»، بما لذلك من مغزى حضاري أيضا. بعدها عدد الدكتور ولعلو، خصوصيات التجربة الصينية، من خلال محاولة الجواب عن سؤال ما يقصده ب «نحن» في عنوانه للكتاب، مؤكدا أن الجواب كامن العنوان الفرعي المصاحب لعنوان «نحن والصين»، الذي يقول بالإنبثاق الثاني عالميا لبكين. وأن نحن تعنينا مغربيا ومغاربيا وإفريقيا ومتوسطيا، أي أفقنا الإستراتيجي كدولة. معتبرا أن القصة القدرية من الناحية التاريخية بين المغرب والصين، كامنة في متلازمات مثيرة، حيث في القرن 14، وصل رحالة مغربي هو ابن بطوطة إلى الصين، بينما وصل رحالة صيني دواو دونانغ إلى المغرب. وأنه احتلت البرتغال جزرا وثغورا صينية وأنها احتلت سبتة ومدنا مغربيا في ذات الفترة، وأن نظمنا السياسية معا كانت دوما إمبراطورية، وأنه في سنة 1960 تعرضنا لحرب تطوان فيما تعرضوا هم لهجوم عسكري أروبي. وأنه في سنة 1912 سقطت الإمبراطورية بالصين وتم احتلال المغرب. معتبرا أن المشترك الحضاري بين الشعوب هو رأسمال مهم لتجسير العلاقات المصالحية اليوم. متوقفا مطولا عند قصة التحول الصينية خلال 30 سنة الأخيرة، الكامنة في اتباعها خيارا ذكيا، هو الإبقاء على مركزية القرار السياسي للحزب الوحيد، لكن مع الإنفتاح على منطق نظام السوق. أي ما أسماه ولعلو بدولة واحدة ونظامين، وأنهم في ذلك استفادو كثيرا من فشل تجربة غورباتشوف الإصلاحية بالإتحاد السوفياتي، التي فرطت في الدولة كبنية ولم تستطع الإندماج في نظام السوق بسلاسة. مضيفا، أن قوة الحضور الصيني في العالم، وضمنها إفريقيا، يعنينا مغربيا ومغاربيا، كي نكون بوابتها كما تريد هي ذلك صوب أروبا. وأن حجم الإستثمارات بملايير الدولارات التي تتحكم فيها بكين اليوم، قد جعل منها سلة العالم المالية، وعلى مستوى البورصات العالمية، وأنها أيضا قوة اقتصادية هائلة في مجال السياحة، وأنها من خلال بلورة مشروع طريق الحرير الجديدة، قد صالحت مجاليا مناطقها الغربية الفقيرة والمعزولة (خاصة في الإقليم المسلم بها وبمنطقة التيبت) مع أسباب التنمية الجديدة والتقدم هناك. وأن أكبر طبقة متوسطة اليوم بالعالم توجد بالصين، وهي تدق أبواب العالم بقوة وتدق أبوابنا بقوة أكبر. كما خلص إلى ذلك الزميل لحسن العسبي، بحق، فإن قوة كتاب «نحن والصين» للدكتور ولعلو، كامنة في الأسلوب البيداغوجي التحليلي والتفسيري المتضمن فيه، لأنه يجعلنا نتصالح مع الحقيقة الصينية، ونعيد اكتشافها، والأهم الأكبر في ذلك، هو أننا نستوعبها ونفهمها، وهذا هو ما يجعل كتابا مماثلا أداة معرفية حاسمة لوسيع مدراكنا ومعرفتنا بذواتنا وبالعالم. ومن هنا تأسيسية كتب مماثلة.