ليس في التدبير الإداري للمرفق العمومي أفظع من التخلي عن ممتلك يعبث به القدر والبشر ، وكأنه بضاعة قد فسدت ولم تعد صالحة لأي شيء ، مثلما ليس أفظع نكرانها أو إنكارها وكأنها بها وباء معد يسري التخوف من الاقتراب منه أو ملامسته مخافة الإصابة بالعدوى أو انتشارها .. وباعتبار المدرسة العمومية ممتلكا عموميا تم بناؤه من المال العام ، فهي فعلا بنيت لتقوم بأدوارها التعليمية لفائدة سكان المنطقة الذين أنشئت بالقرب منهم ، إلا أن أمر التخلي عنها لسبب من الأسباب لا يعفي بأي حال من الأحوال أحدا من المسؤولية في الحفاظ عليها كممتلك عمومي يدخل في نطاق ممتلكات وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني ضمن ما يطلق عليه " البنية التحتية " .. ومن هنا يأتي الحديث عن الوحدة المدرسية " عين تالمست " الواقعة بتراب جماعة سيدي احساين بن عبد الرحمان بإقليم الجديدة : مدرسة مكونة من أربع (04) حجرات دراسية ، اثنتان (02) منها من البناء الصلب واثنتان (02) من البناء المفكك ، وبناية للمطعم المدرسي من البناء المفكك مع سكنيتين إحداهما صلبة والأخرى مفككة ، علما بأن إحدى حجراتها الدراسية من البناء المفكك قد تم هدمها في غفلة من المديرية الإقليمية بالجديدة وصودر سقفها من الخشب والألواح القصديرية ( الزنك ) مثلما اختفت معظم مكوناتها من الألواح الحجرية في ظروف لا يعلمها أحد ، بل لم يكلف أحد نفسه عناء إنجاز محضر بهذا الخصوص مما يدل على اللامبالاة والإهمال المطلق . هي مدرسة تتربع على مساحة تناهز الأربعة آلاف متر مربع ، ساحتها كلها عبارة عن أشجار مثمرة من الرمان والتين ، وتقع في ملتقى طرقي يشقه مجرى مائي يجعل منها موقعا ومنظرا وفضاء ، مدرسة متميزة ، يزيدها تميزا " الاستغناء " عنها، بل و" التخلي " عنها ، مما حرك وحفز أطماع بعض الغرباء من ساكنة المنطقة ليتم تحويل حجراتها الدراسية إلى مرابض للدواب واسطبلات للمواشي ، وليتم تحويل ساحتها إلى بستان وحقل زراعي بزراعة " ثنائية " تمزج ما بين زراعة لإنتاج الكلأ للماشية ، وإنتاج لثمار التين والرمان ، مع إنشاء ووضع مضخة للماء تنقل مياه السقي من الجدول القريب إلى الساحة / الحقل الزراعي ، وكأن المالك الحقيقي ( المديرية الإقليمية لوزارة التربية الوطنية والتكوين المهني بالجديدة ) غير موجود على الإطلاق ، أو بالأحرى تدقيقا، فإن ذلك يقود إلى أن المديرية إن كانت تعلم بهذه الوضعية النشاز فتلك مصيبة ، أما إن كانت لا تدري ( وهذا الأرجح ) فتلك هي الكارثة العظمى .. وأمام هذه الوضعية الغريبة لا يسعنا إلا أن نتساءل عن حكامة التدبير وعن يقظة الجهة المفترض فيها حماية المال العام من الهدر والضياع أو التضييع ، مثلما نتساءل عن وجودها من عدمه في سجلات ممتلكات وخريطة المديرية الإقليمية للتربية الوطنية والتكوين المهني بالجديدة ، وأيضا عن " المقاربة " التي ترخص بشكل أو بآخر وتسمح باستغلال المدرسة العمومية كمزرعة واسطبلات للمواشي ، وهي الفضاء الذي ارتفعت فيه حناجر الصغار رفقة أساتذتهم ومعلميهم في سنوات من السنوات بآيات وسور القرآن الكريم ، وما إذا كان التخلي عن المؤسسة التعليمية بهذا الإقليم يأتي في سياق الانطباع بأن المدرسة العمومية لا تساوي شيئا في شقها الأول ، وأن المال العام لا قيمة له في الشق الآخر ؟