عرفت صناعة الأسنان الشعبية، مؤخرا، انتشارا كبيرا، كانتشار الفطر فوق الأرض، حيث أصبحت ظاهرة معروفة لدى الكثير من الفئات الاجتماعية التي تفضل اللجوء إلى صناع أسنان يمارسون هذه المهنة بشكل عشوائي ولا يتوفرون على تجهيزات طبية ولا على أدوات معقمة أو أدوية نافعة، وقد يتوفرون أحيانا على عيادة عادية لا ليس لها أي صلة بباقي العيادات المختصة في طب الأسنان. للوقوف على هذه الظاهرة ومدى تفشيها في أوساط المجتمع توجهنا إلى قيسارية «شطيبة» المتواجدة بحي سيدي عثمان المحايد للطريق السيار الرابطة بين الدارالبيضاء والرباط، حيث تفاجأنا حين وصولنا إلى هناك، بخيام عشوائية لصانعي أسنان عشوائيين لا يتوفرون على أدنى المتطلبات الضرورية والخاصة بنزع الأسنان وصناعتها، استفسرنا أحد هؤلاء ويدعى «ولد بوسلهام» عن طريقة العمل وعن الخدمة التي يقدمها للمرضى وعن الفئة العمرية والاجتماعية التي تقصده وهل لديه خبرة في هذا المجال؟ فأجاب قائلا: «عملي هذا كان يقوم به والدي قبلا، حيث كان مصدرعيشه الوحيد،أما أنا فقد كنت أتابع دراستي الابتدائية صباحا، وفي المساء آتي إلى هنا وأتابع طريقة عمله وكيفية تعامله مع المرضى، لكن حينما توفي والدي ،لم أستطع أتمام دراستي لأنه كان معيل العائلة، فاضطررت إلى مغادرة مقاعد الدراسة (كنت في القسم السادس ابتدائي حينها) وأصبحت أزاول مهنته لأنها هي العمل الوحيد الذي أتقنه، فأنا لم أدرس الطب ولا أتوفر على شهادة ،إذن يمكنكم القول أنني ورثت هذه الحرفة عن والدي،أما بالنسبة للأجهزة الطبية، فكما ترون أنني لا أتوفر على أي منها،واستعمل فقط الملقط والإبر وأشياء حديدية مشابهة ، لكن يجب أن تعرفوا أنني أْعقم جميع الأدوات التي استعملها ،خوفا على صحة المريض وتفاديا لبعض المشاكل التي قد تسبب لي الأذى من بعد». ونحن نتحاور معه شاهدنا فرنا فوق مكتب خشبي سألناه عنه فأجاب:» هذا الفرن يساعدني في الأدوات التي أعمل بها والمواد التي استخدمها لصناعة الأسنان، إذ من الضروري تذويب المادة تحد درجة حرارة 180 من أجل صناعة أطقم أسنان جيدة، أما بخصوص الإبر فأنا أحرص على أن يستعمل كل مريض إبرة جديدة خاصة به تفاديا للمشاكل.أما بالنسبة للفئات العمرية التي تلجأ إلى خدماتي، فنجد جميع الفئات العمرية من نساء وشباب و أطفال، وتأتي من أجل التداوي أو من أجل صناعة أسنان جديدة، وبخصوص الطبقات الاجتماعية فلا يوجد أي فرق، لأن هناك من في استطاعته الذهاب لطبيب مختص في طب الأسنان، لكنه يفضل المجيء إلى هذه السوق، وأشير فقط إلى أنه يجب توفر ثقة بين المريض والصانع، لأنها هي الأساس الوحيد، وهي ذات أهمية كبيرة جدا، فإذا لم يكن هناك نوع من الثقة بين الطرفين لن تتم عملية نزع الضرس بالشكل المطلوب، وبالنسبة للسعر فأنا لا أفرض ثمنا محددا على الزبون، أولا لاكتساب ثقته و ثانيا من أجل إرضائه أيضا،لأن راحة المريض هي الأهم بالنسبة لي». خلال محاورتنا للصانع التقينا رجالا ونساء ينتظرون دورهم، سألنا امرأة عن سبب مجيئها إلى هذا المكان وعدم ذهابها إلى طبيب مختص فأجابت بأنها لا تملك ثمن الطبيب، الذي يفرض ثمنا محددا وباهظا بالإضافة إلى الأدوية المرتفعة الثمن ، أما هذا الصانع فأثمنته مناسبة، والدواء الذي يوصينا بشرائه ليس سوى أعشاب طبيعية والقليل من القهوة للمضمضة، إذن فالصانع هو أقل ثمنا من الطبيب ذي الاختصاص، مع العلم أنهما يقدمان نفس الخدمة. توجهنا بعد ذلك إلى طبيب أسنان مختص يعمل بعيادة طبية مجهزة تحتوي على جميع الأجهزة والأدوات والأدوية الطبية ، سألناه عن نوع دراسته، فأجاب أنه درس بكلية باريس وتابع دراسته بالمغرب بكلية الطب بعدها قام بفتح هذه العيادة، فهو حاصل على دبلوم لطب الأسنان معلق على جدار مكتبه وترافقه بعض الصور تتمحور حول طب الأسنان، سألناه عن الثمن فأجابنا أن ثمن نزع ضرس قد يصل إلى 350 درهما حسب حالة الضرس، لأننا، أحيانا، نجد صعوبة في نزعه، وفي بعض الأحيان قد يتراوح الثمن ما بين 150 درهما إلى 200 درهم، مع إعطاء المريض وصفة دواء لتهدئة فمه من الآلام، وسألناه أيضا عن الفئة الاجتماعية التي تقصد عيادته فأجاب أن جميع الفئات تلجأ إلى عيادته، فليست هناك فئة معينة، بل يمكن أن يأتي شخص ذو دخل ضعيف أكثر من مريض ذي دخل مرتفع، لأن صحته تبقى هي الأساس، وهناك من يحافظ على صحته، ويفضل زيارة طبيب مختص على زيارة صانع عشوائي. سألنا الطبيب عن مراحل تصنيع الأسنان فأجاب أنها تمر بعدة مراحل تبدأ في عيادة الطبيب حيث تبدأ المرحلة الأولى بتحضير الأسنان ليتم تركيب السن المصنوع عليها بعد ذلك،إذ يقوم طبيب الأسنان بوضع مادة مرنة في جسم معدني أو بلاستيكي لأخذ مقاسات فم المريض المضبوطة ثم هناك مراحل خاصة بالمعمل الذي يجب أن يحصل على مقاسات مضبوطة ومتساوية لكي يستطيع صنع أسنان جيدة. ثم يتم البدء في قطع الزيادات مباشرة بواسطة المشرط الخاص، شرط ألا تلمس منطقة التقاء الأسنان باللثة. وهذه المنطقة حساسة جدا،و يجب التعامل معها بحذر في جميع المراحل، ثم نقوم بتسوية المقاس وحذف الزوائد دون لمس منطقة التقاء الأسنان باللثة أبدا. بعد ذلك تأتي مرحلة صب ج الذي يكون من نوعية صلبة جدا تسمى "هارد" في قالب الأسنان التي سوف تتم صناعتها ،ثم يتم صب الجزء الآخر من المقاس والذي ليس فيه أسنان بنوع آخر من الجبص أقل قساوة. كما يجب مراعاة خلط الجبس جيدا بحيث يجب أن يكون متجانسا وطريا ويجب وضع مقاس أعلى من حدود القالب حتى نستطيع إخراجه منه وحتى لا ينكسر، بعد ذلك نرفع الجبس فوق حدود القالب بمسافة كافية وعندما يبدأ في التماسك تسهل العملية . وأكد رئيس الجامعة الوطنية لصانعي الأسنان الاسماعيلي المكي للاتحاد الاشتراكي أن هناك تواطؤا، وصفه بالمكشوف، بين الوزارة وهيئة الأطباء لإقصاء المهنيين، وذكر أن صانعي الأسنان توجهوا بالعديد من المراسلات إلى وزارة الصحة من أجل إشراكهم في صياغة مشروع القانون الخاص بمهنتهم، كما وضعوا أمام المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني مشروع قانون، لكنه لم يؤخذ بعين الاعتبار، كما قدم لنا الإحصائيات حول القطاع الغير المنظم لجمعية وطنية حقيقية، والتي تتراوح بين عشرة آلاف و 30 ألف صانع، ويقول أن هناك 4500 طبيب أسنان بالمغرب مسجلة، وتمارس المهنة، منها 5000 في القطاع العام و 400 بالقطاع الخاص ووضح للاتحاد الاشتراكي على أن الجامعة الوطنية لصانعي الأسنان تؤطر صانعي الأسنان وتقننهم وتجاهد من أجل تسوية أوضاعهم.