من غريب الصدف أن تكون جامعة الكرة قد أصدرت قرارا سابقا في إطار مواكبة تنفيذ برنامج تأهيل الأندية والسهر على توازنها المالي، حيث شكلت لجنة مراقبة للوقوف على الوضعية المالية والقانونية والتنظيمية لأندية البطولة، على مقربة من انطلاق منافسات كأس إفريقيا للأمم بالغابون، والتي سيكون الفريق الوطني أحد أطرافها، علما أن أغلب الفرق الوطنية في حاجة إلى لجان للبحث لها عن موارد أمام الضائقة المالية التي تعيشها، وليس العكس. وهنا لا بد من تسليط الضوء على ميزانية الجامعة وطرق صرفها، رغم أن ذلك يبقى من المستحيلات المغربية، على اعتبار أن جامعة الكرة عبارة عن محمية يصعب حتى تجاوز بوابتها الرسمية وبالأحرى النبش في أرقامها المالية. صحيح أن ما تصرفه الجامعة على المنتخبات الوطنية، وخاصة الفريق الأول، لا يرقى إلى ميزانيات المنتخبات العالمية، ولكن قياسا مع المنتخبات الإفريقية التي نتنافس معها على بطاقات التأهل لكأس العالم ولقب كأس افريقيا، يظهر الفارق الكبير في الأرقام .لكنه عجز على تحقيق الفارق مع المنتخبات القارية. وهنا لابد من الحديث عن أجور بعض مدربي المنتخبات الإفريقية خلال الكأس القارية السابقة التي نظمتها كل من غينيا الاستوائية والغابون، حيث بلغ أجر مدرب الغابون غيرنوت رور 35 مليونا، ومدرب غانا جوران ستيفانوفيتش 35 مليونا، وباولو جيلسون مدرب غينيا الإستوائية 30 مليونا، وعبد الله مازدا مدرب السودان 25 مليونا، وليتو فيديجال مدرب أنغولا 22 مليونا، وسامي الطرابلسي مدرب تونس 18 مليونا، في الوقت الذي كان فيه أجر هيرفي رونار مدرب زامبيا 35 مليونا، قبل أن يتضاعف مع الفريق الوطني حاليا إلى 60 مليونا، وسوف يصل لحدود 80 مليونا، بعد أن حقق الشرط الأول في انتظار الشرط الثاني وهو التأهل لنهائيات كأس العالم 2018. والغريب في الكرم الجامعي، أنه طال حتى إعداد المنتخب المغربي، حيث نشرت « أوروسبور» عن مصادرها بالجامعة، أن جامعة الكرة ستصرف قرابة 5 ملايير سنتيم على المشاركة المغربية في نهائيات الكأس الإفريقية، تتضمن مصاريف المعسكر الإعدادي في الإمارات ( مليار سنتيم) مقسمة على تكاليف الإقامة وتذاكر الطائرة إلى الإمارات، وكذا مصروف الجيب اليومي للاعبين ( 2000 درهم)، وتكاليف السفر والإقامة في الغابون، إلى جانب اصطحاب طباخ ثم المكافآت الخاصة باللاعبين، علما أن الجامعة سبق وصرفت مبلغ 16 مليار سنتيم على المنتخبات الوطنية، دون أن تتمكن هذه المنتخبات من تحقيق نتائج تذكر. وللمقارنة فقط، نشير إلى أن المنتحب الايفواري حامل اللقب الإفريقي السابق، وأحد المرشحين للفوز بالنسخة الحالية، لا تتجاوز ميزانيته لهذه الكأس، بما فيها الاستعدادات والإقامة بالغابون وغيرها من المصاريف، 3.9 مليار فرنك إفريقي، وهو رقم لا يمكن مقارنته بميزانية الفريق الوطني المغربي، علما أن صرف العملات يتطلب 660 فرنكا مقابل أورو واحد. كل هذه الميزانية، وحلم المدرب الفرنسي هيرفي رونار لا يتجاوز المرور إلى الدور الثاني، بل المستفز هو أن يذكرنا بأننا لم نتجاوز هذا الدور منذ مدة طويلة، وأن الفريق المغربي ليس قادرا على التنافس على اللقب، وكأنه يبحث لنفسه عن مبررات مسبقة لما قد يحدث بالغابون، ويهيئنا بأنه قد ينتقل إلى الدوري الفرنسي أو قد يشرف على تدريب منتخب غانا، بعد أن يكون قد ملأ حقائبه بالعملة الصعبة من ميزانية جامعة لا يملك أحد القدرة على محاسبتها. وهنا لابد من التذكير بأن مجموعة من الأحزاب الممثلة في الغرفة الثانية بالبرلمان « مجلس المستشارين» قد طالبت في وقت سابق، بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق في مالية الجامعة عقب الإقصاء من نهائيات كأس أمم أفريقيا السابقة، وللنظر في ما اعتبرته تبذيرا للمال العام، كما طالبت الهيئة الوطنية لحماية المال العام بافتحاص مالية الجامعة، دون نتائج تذكر. هي حكاية مغربية تتكرر باستمرار، وقد تحصل في الغابون، وهذا ما لا نتمناه، لكن متمنياتنا الحقيقية أن يرفع الستار الحاجب والمتستر على الحقيقة، وأن تتم المساءلة، لأن أموال دافعي الضرائب يمكن استغلالها في ما هو أفيد للرياضة بشكل عام وفي غيرها.