وجه ادريس جطو، رئيس المجلس الأعلى للحسابات، مذكرة استعجالية إلى وزير التربية الوطنية والتكوين المهني، يطلعه من خلالها على النتائج الأولية للبحث التمهيدي الذي أنجزه قضاة المجلس بشأن وجود مجموعة من الاختلالات في عمليات تدبير العتاد الديداكتيكي والمواد الكيماوية من قبل بعض الأكاديميات الجهوية التابعة للوزارة. وخلصت مذكرة المجلس الأعلى للحسابات إلى أن البحث التمهيدي، الذي يروم التأكد من صحة الوقائع المضمنة في تقارير حول الموضوع، رفعت إلى المجلس من لدن المفتشية العامة للشؤون الإدارية التابعة لوزارة التربية الوطنية والتكوين المهني، قد أسفر عن رصد عدة اختلالات تشوب عملية اقتناء وتدبير العتاد الديداكتيكي والمواد الكيماوية الموجودة في مختبرات مواد الفيزياء وعلوم الحياة والأرض، والتي يتم استعمالها عادة في القيام بالتجارب العلمية، إذ لاحظ القضاة عدم مراعاة شروط تخزين هذه المواد التي يتم إيداعها بالمختبرات في أماكن غير آمنة كباقي العتاد رغم خصوصياتها وخطورة البعض منها، فضلا عن اقتناء هذه المواد بكميات كبيرة دون الأخذ بالاعتبار المخزونات المتوفرة بالمختبرات والحاجيات الفعلية للمؤسسات التعليمية، مثلها في ذلك مثل العتاد الديداكتيكي، كما ضبط القضاة بعض المواد الكيماوية منتهية الصلاحية وأخرى لا تتجاوز مدة صلاحيتها الشهرين. وشملت مهمة قضاة المجلس أثناء الزيارات الميدانية التي قادتهم لمائة وأربعة عشرة مؤسسة من مختلف الأسلاك التعليمية وموزعة على خمسة أكاديميات جهوية مراجعة جميع الصفقات وسندات الطلب الخاصة بهذا النوع من العتاد والمواد الكيماوية التي أبرمتها تسع أكاديميات جهوية مع بعض الشركات خلال الفترة الممتدة بين سنتي 2007 و 2014، علاوة على الاستماع إلى عدد من مسؤولي الأكاديميات ورؤساء الأقسام والمصالح ومفتشين ومديرين وغيرهم. ومن بين الاختلالات التي سجلها قضاة المجلس، عدم تحري الدقة أثناء تحديد الحاجيات من العتاد والمواد الكيميائية المراد اقتناؤها، عدم التزام الأكاديميات بالمقتضيات القانونية المؤطرة للصفقات العمومية فيما يخص إعداد دفاتر التحملات، عدم التزام الأكاديميات بالمقتضيات القانونية المؤطرة لعمليات تمرير وإبرام الصفقات العمومية الخاصة باقتناء العتاد، الإخلال بمسؤوليات الإشراف والتتبع والمراقبة اللازمة أثناء عمليات تسلم العتاد والمواد الكيميائية من طرف الأكاديميات، توزيع وتسليم عتاد تشوبه عدة عيوب إلى مؤسسات تعليمية، عدم احترام قواعد تدبير الممتلكات العمومية، إذ لاحظ القضاة وجود سجلات جرد غير مضبوطة، إضافة لعدم احترام شروط تدبير وتخزين واستعمال هذه المواد الكيميائية. وأوضح المجلس أن الأكاديميات التعليمية لا تقوم بإشراك مديري المؤسسات التعليمية والمديرين الإقليميين في تحديد الحاجيات، وهو ما ينتج عنه إرجاع أزيد من تسعين في المائة من طلبات إلى الأكاديميات مباشرة بعد التوصل بها لعدم مطابقتها للحاجيات المعبر عنها. وانتقد المجلس الأعلى للحسابات، غياب أطر متخصصة لدى وزارة التربية الوطنية في المجال المذكور، مشيرا إلى أن جل الأطر كانوا يعملون كتربويين والتحقوا بالأسلاك الإدارية عن طريق نظام تغيير الإطار دون أي تكوين مسبق. وطلب إدريس جطو، رئيس المجلس، من رشيد بلمختار، وزير التربية الوطنية والتكوين المهني، إخباره بالإجراءات التي سيتخذها لتصحيح الوضع، مشيرا في ذات الوقت إلى أن البحث التمهيدي مايزال جاريا، وأن نسخة من خلاصات التقرير سيتم توجيهها لرئاسة الحكومة ووزارة الاقتصاد والمالية. وفي جوابه على المذكرة، أكد رشيد بلمختار وزير التربية الوطنية، أن الوزارة قامت بتنزيل مجموعة من الإجراءات المستعجلة للوقوف على حيثيات الاتهامات، التي وجهت لمجموعة من المسؤولين بالأكاديميات الجهوية، والتأكد ومن صحة ما تم تداوله حول اختلالات وتلاعبات في تدبير الصفقات العمومية لاقتناء الوسائل التعليمية. وأوضح، وزير التربية الوطنية، أن هذه الإجراءات تخص استنفار كل من المفتشية العامة المكلفة بالشؤون البيداغوجية والمفتشية العامة المكلفة بالشؤون المالية والإدارية، من أجل تنفيذ تفتيش عام حول جميع صفقات وسندات الطلب المبرمة من طرف مجموعة من الأكاديميات مع الشركتين المعنيتين. مشيرا إلى مراسلة المفتشية العامة للمالية من أجل إجراء فحص مواز في الموضوع، وتعليق كل الإجراءات الإدارية والمالية المتعلقة بهذه الصفقات لحين الانتهاء من عمليات التفتيش، وإعداد تقرير حول الاختلالات في مجال اقتناء الوسائل التعليمية. وفي السياق ذاته، أشارت المذكرة الجوابية لوزير التربية الوطنية، عزم الوزارة اتخاذ التدابير اللازمة خلال إعادة تعيين المسؤولين الجهويين والإقليميين، في إطار تنزيل الجهوية الموسعة بالقطاع وتغيير هيكلة الأكاديميات، لإعفاء مجموعة من المسؤولين ثبتت مسؤوليتهم المباشرة في الاختلالات المرصودة.