ما هي. قصص محزنة ويوميات مؤثرة وتكاد تكون مخيفة تجعلك لا تتمالك نفسك وأنت تستمع إليها، وهي لأمهات وجدن أنفسهن وراء الجدران مع أطفالهن، بسبب نزوة أو حماقة يأكلهن الندم على اقترافها. أطفال سجناء لا يتجاوز سنهم العامين والنصف، لم يُدِنْهُم القاضي بأي تهمة، ومع ذلك فتحوا عيونهم على القضبان والأبواب المغلقة بإحكام، رفقة امهاتهم اللواتي يقضين أحكاما حبسية قد تكون طويلة. أشرف وسليم وعز الدين ورشيد وغيرهم كثيرون . . براءة فتحت أعينها على عالم حدوده أبواب عالية صدئة، وقضبان حديدية وظلام السجن وبرودته. إنه عالم «الجريمة والعقاب»؛ فهم لا يعرفون سوى وجوه السجينات والحارسات، وركنا واحدا (رغم الألوان التي تنتشر فيه) يقضون فيه يومهم، بعيدا كل البعد عن عالم الحرية، قريبا من الألعاب التي يجود بها بعض المحسنين والجمعيات الخيرية والحقوقية المهتمة بحياة النزلاء. إنهم بعيدون عن عالم التكنولوجيا الحديثة وعن عالم الألوان الزاهية وعن مساحات اللعب المكشوفة في الهواء الطلق وحدائق الحيوانات والتسلية، ما عدا ألعاب قديمة ورثوها من أطفال سبقوهم إلى المكان. الحياة الأخرى للنساء تعيش النساء السجينات خلف القضبان حياة أخرى مختلفة تماما عن حياتهن الطبيعية. ورغم الاختلالات التي تعرفها السجون ومصحاتها ومطابخها، إلا أن جهود جمعيات المجتمع المدني تخفف من قسوة الحياة داخل هذا الفضاء المغلق، حيث تعمل هذه المؤسسات على تحسين وضعية السجينات ورصد أحوالهن، وعلى تقديم الدعم المادي والمعنوي لهن، مع تحويل السجون إلى مراكز للتربية والتعليم والتكوين، مما يسهل تقويم سلوكهن واكتساب مهن وحرف تفتح أمامهن آفاقا واعدة في سوق العمل. وبلغة الأرقام، فإن عدد السجينات يصل الآن إلى 1839، من بينهم نساء حوامل يفوق عددهن 700 سجينة. أما وضعية السجينات، حسب ما ألإاد به الكاتب العام للمرصد المغربي للسجون عبد الله مسداد ل»الاتحاد الاشتراكي»، فهي وضعية تختلف من مؤسسة إلى أخرى، ذلك أن البنيات التحتية للسجون المغربية غير ملائمة سواء للسجينات المرفقات بأبنائهن أو السجينات الحوامل. كما أوضح أيضا أن هناك مقتضيات قانونية (القانون 23 28 ) تفرض إعطاء عناية وإيلاء أهمية لهذه الفئة. وأضاف مسداد أن «سجن عكاشة يعد هو السجن الوحيد في المغرب الذي يتوفر على مرفق خاص بالنساء الحوامل والمرفقات بأطفالهن في جهة الدارالبيضاءسطات، ويحمل هذا الفضاء اسم «دار الأمهات» بطاقة استعابية تشمل 24 نزيلة، كما أن رياض الأطفال لا تتوفر وطنيا إلا بسجن علي مومن بسطات، وعين السبع بالبيضاء والسجن المحلي بالجديدة». وتابع: «حسب تقرير ميزانية النوع الاجتماعي، فالقوانين الحالية لإدارة السجون لا تتوفر على نظام خاص للسجينات. فباستثناء مقتضيات القانون رقم 23 98 التي تسمح للسجينات الحوامل بالاحتفاظ بأطفالهن إلى غاية بلوغ سن الثالثة، إلا في حالة رغبة الأم بإبقاء طفلها معها. ففي هذه الحالة تقدم طلبا إلى وزارة العدل والحريات لتمديد فترة الحضانة إلى سن الخامسة. وبعدها يفرض القانون، بعد بلوغ الطفل المحضون من أمه 5 سنوات، أن يقدم الطفل، إما لأبيه (إن كان له أب ولم تكن الأم السجينة أما عازبة) أو لأسرة الحاضنة. أما إذا كلم يكن له أب أو لم تكن للأم أسرة تأتمنها عليه، فتتكفل به المؤسسة أو الخيرية. وعموما إن الطفل المرافق لأمه داخل السجن يعيش معاناة كبيرة داخل المؤسسة فهو يحرم من حريته، ومن تمدرسه العادي كباقي الأطفال». ومع ذلك، فإن هناك أطفالا محظوظون يتمكنون من الاندماج في الفضاء العام بمجرد مغادرتهم لأسوار السجن، خاصة إذا كانت لهم عائلات تحضنهم وتتكفل بهم، وبتمدرسهم. أما على المستوى النفسي، فهؤلاء الأطفال تعترضهم مجموعة من المشاكل، وقد تصبح أوضاعهم مأساوية إذا لم يخضعوا لأي مرافقة نفسية واجتماعية، ذلك أن الطفل الذي قضى قسطا من عمره داخل القضبان الحديدية دون ارتكاب أي جريمة يتكون خوف، ويخشى دائما من النظرات الدونية، مما يجعله يشعر بنوع من الاحتقار للناس والحقد عليهم. وقد تتطور هذه الحالة لتصل إلى الهذر المدرسي والهروب من بيت العائلة، والانفتاح على حياة التشرد والضياع والمخدرات والسرقة. بل يمكن أن تتطور هذه الحالة لنكون أمام شخصية انتحارية. غياب المراقبة وأكد الكاتب العام للمرصد المغربي للسجون أن عدد السجينات اللواتي تقل أعمارهن عن 20 سنة يصل إلى 127 فتاة تقريبا، يوجد أغلبهن بسجون جهة الدارالبيضاء، ومن ضمنهم سجينات يقل عمرهن عن 18 سنة. ويضيف أن نسبة السجينات المتزوجات- وهي الأعلى- تصل إلى 40,35. ثم تأتي العازبات والمطلقات بنسبة .32.06، فالمطلقات بنسبة 21.46، فيما تحل الارامل في آخر ترييب من حيث الاهمية العددية بنسبة 6.12 . ويضيف أنه في غياب معطيات محددة عن عدد الأمهات العازبات، فان أغلبية السجينات المرفقات بأطفال دار الامهات بالبيضاء هن أمهات عازبات، مع تأكيده أن النساء الحوامل لا يخضعن لرعاية طبية، رغم أن من الضروري مراقبة الحامل ابتداء من ظهور الحمل، وذلك بإجراء الفحوصات الدورية داخل السجن. كما أنه من المفروض عند اقتراب الوضع أن يتم نقل المرأة الحامل إلى المستشفى مع إبقائها تحت المراقبة حتى يأذن لها الطبيب بالخروج مع استمرار الرعاية داخل السجن إلى أن تمضي مدة أربعين يوما على الولادة . إن الأمهات السجينات المرافقات لأطفالهن فئة جرفتها لحظة طيش وغضب إلأى عالم الجريمة، فدفعن الثمن غاليا: حياة باردة بين جدران زنزانة مظلمة، وندم عارم مدى الحياة، كل واحدة منهن ترويه في كل حين. وما يزيد من حجم الألأم هو أنهن برفقتهن أطفال أطلقوا أولى صرخاتهم بين السجانات والسجينات. أما الأطفال، فبعد ثلاث سنوات كاملة (أو خمسة حسب الحالات) يمضونها الى جوار أمهاتهم، يحدث الانفصال وهي مرحلة موجعة كثيرا للطرفين. حيث تجد الامهات اللواتي أنفسهن مرغمات على التجرد من أمومتهن رغم الحالة النفسية المتوترة التي تفتك بقلوبهن، فالأم، حينذاك، تكون بين اختيارين: فهي لا تستسطيع الاحتفاظ بصغيرها الى جانبها في السجن، ولا تستطيع أيضا إبقاءه معها لأن في ذلك مصلحته. والأصعب، يوضح لنا عبد الله مسداد، «أن هناك اكتظاظا بغرف السجينات، إذ قد تحتوي غرفة واحدة على 12 سجينة مع الاختلاف في التغذية المتوازنة والغطاء، والسبب هو أن البنية التحتية غير قادرة على توفير الحاجيات. ولهذا من الأفضل ان تكون الأوضاع مرتبة على أحسن شكل، بحيث يوضع كل صنف في مكان: العازبات في مكان والأمهات المرفقات بالأطفال في مكان والحامل في مكان آخر، مع تلبية حاجيات الكل والتغطية الصحية وتوفير المأكل المناسب. لكن للأسف الشديد يقع عكس ذلك تماما، وهذا ما تعرفه تعرف زنازن عكاشة وبولمهارز وبنسليمان، حيث تجثم لحظات رهيبة وذكريات سوداء في أذهان السجينات يحملنها معهن إلى عالم الحرية». سألنا والدة «سليم» إن كان يسألها طفلها عن سبب وجودها هناك أو يسألها عن والده أو عن احد أقربائه، فأجابت: ‘لا.. فسليم لايزال صغيرا، ولا يعي هذه الاشياء». والحقيقة أن «سليم» الذي يبلغ من العمر عامين و5 أشهر لم ير يوما والده أو وجده، ولم يحتك أو يلتقي بأب قريب له، لانه ولد داخل السجن . فهو إذن لا يعرف مفهوم العائلة وأجواءها. والسؤال الكبير الذي يظل مطروحا: هل هناك مرافقة اجتماعية ونفسية لهؤلاء الأطفال؟ لماذا يقتصر مفهوم الإدماج على السجناء الآخرين، بينما هؤلاء الأطفال الذين وجدوا أنفسهم داخل الأسوار دون أي ذنب اقترفوه، محرومون من هذا النوع من المرافقة الذي يسهل عليهم عبور الحياة دون أن يكون «ولد الحبس» أو «ولد المحبوسة»؟