شهد رحاب كلية الآداب والعلوم الإنسانية بابن مسيك، جامعة الحسن الثاني الدارالبيضاء، إحياء الذكرى الأولى لرحيل الأستاذ مصطفى المسناوي؛ حيث نظمت شعبة الفلسفة بتعاون مع شعبة اللغة العربية وآدابها، يوم الثلاثاء 29 نونبر 2016 بفضاء عبد الله العروي بالكلية؛ يوماً تأبينياً لروح الفقيد. وقد تضمن الحفل الذي نسق فقراته الأستاذ عبد المجيد الجهاد، برنامجاً متنوعاً ضمّ أربع فقرات جاءت كالتالي: افتتحت بكلمة السيد عبد القادر كنكاي عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية بن مسيك والتي أثنى فيها على الراحل والتذكير بخصاله الإنسانية والمبادراته المعرفية والفنية التي أرسى أسسها بالكلية، كما جدد العزاء لأسرة الفقيد الصغيرة والكبيرة. بعده تناول الكلمة كل من الأستاذ عبد اللطيف فتح الدين رئيس شعبة الفلسفة والأستاذ حسن نجمي رئيس شعبة اللغة العربية وآدابها، وكلاهما أثنى على الفقيد وأشاد بما كان يتميز به من خلق بين زملائه داخل الكلية وخارجها وبتعاطيه المطلق مع كل ما يساعد على البحث العلمي والفني بالفضاء الجامعي مع الإشارة إلى حسه النقدي الساخر البعيد عن التهكم والتبخيس. عقب ذلك كلمة أنس المسناوي نجل الراحل والذي شكر المبادرة وثمنها عالياً خصوصاً وأنها تأتي من كلية الآداب التي كان لوالده الفضل في المساهمة في بناء صرحها المعرفي والفني والثقافي. وإذ يجزل الشكر للقائمين على إحياء هذه المناسبة فإنه يُضمِّن ذلك نداء إلى إيلاء العناية والجهد لأعمال الفقيد الفكرية التي لا زالت مخطوطة، والعمل على طبعها وإخراجها إلى الوجود. ما ميز، فقرة الشهادات، البوح بحب الرجل وصدق القول فيه وفي عمله، شهادات الواحدة منها تؤكد جلل المصاب في الراحل وعمق الجرح الذي تركه في أصحابها وفي نفوس من سمعها. أول هذه الشهادات كانت للأستاذ حسن الصميلي، العميد السابق والمؤسس لكلية الآداب بن مسيك، والذي يرجع له الفضل في استقدام الراحل مصطفى المسناوي للعمل بالكلية نظراً لما لمسه فيه من كفاءة معرفية وفنية، ولما يتحلّى به من أخلاق عالية. لم يُخيّب ظنه وحدسه، فقد ساهم وعمل على بناء وتأسيس شعبة اللغة العربية وآدابها، ثمّ من بعدها ساهم في تأسيس شعبة الفلسفة وعمل بها، كما كان من وراء تأسيس مهرجان المسرح الجامعي والذي أصبحت كلية الآداب بن مسيك بل جامعة الحسن الثاني قرينة بهذا المهرجان، كما له أياد بيضاء في تأسيس مهرجان فن الفيديو... كان الأستاذ حسن الصميلي يلقي شهادته وكأنك به لا يريد أن يتوقف في ذكر ما كان من فضل للراحل على الكلية وعلى الساحة الوطنية والعربية، عطاء لا ينضب معينه على مختلف الأصعدة؛ وإذ يوجز القول في الفقيد بشهادة قلّ نظيرها بيننا الآن؛ حيث قال: « لم يطلب مني ولو مرة واحدة تعويضاً عن عمل قام به لصالح الكلية». الأستاذ سعد الشرايبي: عندما يحضر أهل الفن السابع ويقدمون شهادتهم في حق الراحل مصطفى المسناوي، شهادة اختار أن تكون بالفرنسية وفاء منه على العهد الذي كان بينه وبين الراحل، كلما دخلا في حوار أو نقاش، كان سعد الشرايبي يحاور بالفرنسية والراحل المسناوي يرد بالعربية؛ لكن الشهادة تجاوزت السينمائي وموضوعاته وحطت الرحال في اللغة الشاعرية الرقيقة التي تذكر بلغة الهمس في الفضاء الرومانسي، همس له في آذان الحضور بفضائله وهو رفيق الدرب في السمعي البصري، في الإبداع الأدبي والفكري والفني... أقر له بالحضور المتميز في كل محفل اجتمع معه فيه. كانت الكلمة سعداً رقيقاً وقبلة عميقة على جبين الراحل وأسرته الصغيرة والكبيرة؛ هكذا هم الرفاق يودعون في رفق وتؤدة. شهادة الأستاذ لحسن العسبي الشاهد على الرحيل ، شهادة مائزة أقل ما يمكن القول عنها أنها صادقة في شكلها ومضمونها، شهادة سناريست حية دون فيها بدقة متناهية تفاصيل الرحيل، لم تفته دقائق الأمور ولا جليلها، وصف المشهد الجلل بشاعرية رصينة غاية في الرقة والضبط، وكأنه يحيي اللحظة ويعيد لها الروح والطاقة التي ذهبت مع الراحل. عنده مصطفى المسناوي البطل المتفائل، المتمسك بدوره في الحياة حتى آخر النبضات، بطل مثل المشهد الذي اختطه العسبي بيده وتتبعه لحظة لحظة بأم عينيه، لكن المسناوي انصرف دون أن يشاهد مشهده ويصحح ما يمكن تصحيحه، هو المشهد الوحيد الذي لم يُبْدِ فيه المسناوي سخرية، بل استعد له وأعدّ له لوازم الرحيل من قاهرة المعز ليرحل في صحبة قاهر المعز... شهادة قدمت توصيفاً «سكريبتياً» لساعة الوداع المهولة، ساعة ترديد المسناوي للشهادتين أو رنة الهاتف بترتيل القرآن الكريم قادمة من نجله أنس المسناوي؛ علامتان تنبئ عن إيمان الرجل وصدق طويته. يرحل الرجل وتحيي شهادة الأستاذ العسبي اللحظة في نفوس من حضر التأبين. ولم يفُتْه التنويه بالمساعدة التي قام بها الأشقاء بمصر الحبيبة ولا الدور الكبير الذي قامت به البعثة الدبلوماسية المغربية هناك؛ فلهم ألف تحية وتقدير. الأستاذ محمد البكري، يعود في شهادته إلى ذكرى غداء جمعه بالراحل في السوق المركزي بالدارالبيضاء، ساعتها دار الحوار حول الموت؛ وفي بوح من المسناوي أنه لا يهابه ومستعد له، الشيء الذي عدّه البكري ضرباً من سخرياته، فتمر سنة كاملة على هذا اللقاء ويقع اللقاء بين المسناوي والموت، فيرحل عنا الجسد و بقيت روحه بيننا تسري في أعماله العديدة التي طبعت مسيرة حياته الفكرية والعلمية والفنية تمثلت في البصمات المتعددة والمتنوعة في نضاله ومواقفه وسجنه ومساهماته في إصدار العديد من المجلات الفكرية في مختلف المجالات مع زمرة من أصدقائه أو إسهامه في الكتابات الأدبية القصة والرواية والسيناريو... فهو المتعدد في الواحد، الصامت في أدب، المنافح في لين، الصلب في الموقف دون خدش أو كلم، لا يتوارى ليصدع بقول الحق والانتصار له. الأستاذ أحمد بوزفور منعه المرض من حضور الحفل التأبيني؛ لكن لم يُفوِّت الفرصة في كتابة شهادة في حق الراحل. كلمة ألقاها نيابة عنه الأستاذ عبد المجيد الجهاد بصوت شجي ممزوج بنبرة حزينة تتساوق والمناسبة، تضمنت التنويه بفضل الراحل في المجال الإبداعي والفني وبباعه الواسع في التفكير الأدبي والفني والفكري وبإسهامه في القصة من قبيل: طارق الذي لم يفتح الأندلس أو الأوطوروت وغيرها، جرأة أدبية شجاعة تُسجَّل للرجل بفخر واعتزاز. ضمن فقرات الحفل تم عرض شريط وثائقي من توقيع الأستاذ عبد الإله الجوهري والذي حال السفر دون حضوره. شريط لخص مسار الرجل في البيت كونه الأب الصديق والزوج الرفيق والجار الوديع والأستاذ المربي النزيه والباحث التابث السمت والمناضل المؤنس والناقد النحرير يسخر في أدب وينتقد نقد العارف من الداخل بأسلوب رصين في غير غوغاء ولا مزايدات، يجعل ما لله لله وما لقيصر لقيصر. أقل من عشرين دقيقة جعلت الحضور يعيد اللحظات التي قطعها المسناوي في بناء سينمائي رائع شد الأنظار، وأدر عبرات نجله أنس المسناوي الذي لم يتمالك نفسه لولا أنه كان رابط الجأش قابلا بتحمل المشعل من بعد والده، فهو شبل من ذلك الأسد. ضم الشريط جملة من الشهادات في حق الراحل أجمعت على شيء واحد وهو أن الفقيد مصطفى المسناوي كان نسخة فريدة، فريدة في منشئها، فريدة في تنشئتها، فريدة في إنشائها؛ شهادات من المغرب ومن الشقيقة مصر التي كانت أرض وداع صديقنا. ولعل حرارة التصفيق التي أعقبت العرض خير شاهد على صدق المناسبة وإنسانيتها. بعده مباشرة سلمت لنجل الراحل أنس المسناوي بورترييه من إنجاز الأستاذ حسن فتح الدين عربون وفاء وإخلاص لروح الفقيد، وقد سلم التذكار كل من السيدين حسن الصميلي العميد السابق وعبد القادر كنكاي العميد الحالي. توالت على المنصة ثلاث مداخلات فكرية تناولت أعمال الراحل الفكرية من زوايا مختلفة: الكتابة السينمائية، الكتابة الفلسفية ثم الكتابة الأدبية؛ وقد قام بالتنسيق بين فقرات هذه المداخلات الأستاذ حسن نجمي. الأستاذ عبد المجيد الجهاد، من شعبة الفلسفة، تناول في مداخلته موضوعا عنونه ب: مصطفى المسناوي مؤرخاً سينمائيا، أشاد فيه بالدور الذي قام به الراحل في الحقل السينمائي كاتباً وناقداً ومدققاً وباحثاً ومهتماً بالجديد في السينما المغربية والعربية والعالمية على السواء، فالدارس للسينما المغربية والعربية لا بد أن يقف على كتابات الراحل في الدوريات المتخصصة، وعلى تجربته في الميدان السينمائي. أما الأستاذ عبد اللطيف فتح الدين رئيس شعبة الفلسفة فقد عنون مداخلته ب: مصطفى المسناوي قارئاً لطيب تيزيني، وهو الموضوع الذي انتقد فيه الراحل صاحب مشروع رؤية جديدة لما كان ذلك يعد من خوارم المروءة أن ينتقد مفكر يساري فكر طيب تيزيني، وإن كان قد فعلها فليس من باب التنقيص من عمل تيزيني وإنما للقول بعدم المغالاة في التخفيف من شأن هذا الفكر الذي انبنت عليه حضارة فكرية عانقت البحر المتوسط من شواطئه الأربعة. وتأتي مداخلة الأستاذ قاسم مرغاطا تحت عنوان : مصطفى المسناوي الواحد المتعدد لتركز على المتعدد في شخص المسناوي الباحث والمبدع والفنانم... متعدد في الكتابات لكنه واحد تصدر عنه المواقف الإبداعية والفكرية منسجمة مع ذاته، الذي كتب طارق الذي لم يفتح الأندلس هو نفسه صاحب الأوطروت... نفس الأسلوب الرصين والساخر، ونفس الشخص الهاديء والمتأني حتى في ابتسامته الخافتة. تم اختتام اللقاء بالتزام الجهة المنظمة بطبع أعمال هذا اللقاء ، كما وعدت أنها ستنكب من خلال خلية على جمع أعمال الراحل مصطفى المسناوي والعمل على نشرها.