في الوقت الذي نجد بعض المسؤولين والمهتمين، والمنتظم الدولي برمته، يسابقون الزمن من أجل تدارك الوضع لتخفيف الضغط عن المجال البيئي وتسخير الإمكانيات المادية والبشرية واللوجيستيكية وعقد الملتقيات والمؤتمرات الدولية من أجل المحافظة على البيئة والتحسيس بأهميتها على الكائنات الحية، فإن البعض الآخر من المسؤولين والمنتخبين الذين يتواجدون في موقع المسؤولية بالإدارات العمومية والجماعات الترابية نجدهم لا يعيرون أي اهتمام لهذا الجانب و لا يعمدون إلى الاعتناء والحفاظ على المجال البيئي، الذي يدخل ضمن صلاحياتهم واختصاصاتهم، حيث يعمدون إلى إصدار القرارات المجحفة قصد الترخيص لبعض المشاريع الضارة بالبيئة دون احترام المساطر الإدارية التي تنظمها القوانين المنظمة للجماعات الترابية المخولة لإقامة مثل هذه المشاريع ودون الأخذ بعين الاعتبار مطالب واعتراضات السكان، وما يهدد الصحة العامة . مناسبة هذا الكلام هو ما حصل مؤخرا بدوار الدعيديعة التابع لجماعة عين تيزغة المتواجدة بتراب إقليم بنسليمان، حيث انطلق مشروع لتربية الدواجن (الديك الرومي) في مزاولة نشاطه رغم قيام الساكنة والجمعيات المهتمة بالمحافظة على البيئة بتعرض على ذلك، من خلال توجيههم لعدة شكايات في الموضوع، مذيلة بما يزيد عن 100 توقيع إلى الجهات المعنية والمسؤولة، نبهت من خلالها المسؤولين إلى خطورة إقامة المشروع المذكور بمنطقة آهلة بالسكان ،توجد وسط الغابة، في موقع بيئي حساس، وبالقرب من ضاية إيكولوجية، يعتمد سكانها على الفلاحة وتربية المواشي. ومما جاء في مراسلات الجمعيات وساكنة الدوار المشار إليه الموجهة منذ ثلاث سنوات إلى مجموعة من الوزارات (الداخلية، الفلاحة، الوزارة المنتدبة المكلفة بالبيئة...) وإلى عامل الإقليم ورئيس جماعة عين تيزغة، والمندوب الإقليمي للصحة والمدير الإقليمي للفلاحة ووكالة الحوض المائي لأبي رقراق والشاوية ...توصلت «الاتحاد الاشتراكي » بنسخ منها، «أن المشروع الاستثماري المتمثل في تربية الدواجن والذي تمت إقامته وسط السكان بالمنطقة المذكورة ستكون له انعكاسات سلبية على حياة الساكنة، ومن شأن الترخيص له أن يلحق أضرارا كبيرة بصحة وسلامة المعنيين، ويؤثر بشكل سلبي على المجال البيئي وعلى الفرشاة المائية وقطعان الماشية التي تعتبر المورد المالي الرئيسي للساكنة إلى جانب عائدات الفلاحة، خاصة أن دوار الدعيديعة يوجد وسط الغابة يزاول قاطنوه النشاط الفلاحي ويعتمدون على تربية المواشي، ويمكن استثمار إمكانياته الطبيعية لخلق استثمارات سياحية وتطوير الأنشطة الفلاحية المعتمدة به، عوض إقامة مشاريع مضرة بصحة وسلامة السكان وبالمجال البيئي وبالثروة الحيوانية. وهو ما قد يدفع بالسكان إلى هجرة المكان نتيجة ما قد يتسبب فيه المشروع من كساد فلاحي وتدهور بيئي ونفوق حيواني، لكون الإسطبلات المشيدة لهذا النشاط غير بعيدة عن منازل ومساكن المتضررين، بالإضافة إلى قربه من ضاية وسد مائي ومن مدرسة تعليمية. ومن شأن مخلفات هذا المشروع (النفايات، الأزبال،...) أن تؤدي إلى تلويث المنطقة من خلال رمي النفايات الناتجة عن تربية الدواجن وكذا بسبب ما تنتجه من روائح كريهة تنبعث من الإسطبلات، مما قد يتسبب في إصابة الساكنة، خاصة الأطفال الصغار والمسنين منهم، بأمراض الجلد والتنفس والحساسية والربو وأمراض العيون...». وفي الوقت الذي كان ينتظر المتضررون الاهتمام بشكاياتهم وأخذها بكل جدية ومسؤولية وقيام المسؤولين بالبحث في شأنها وفتح تحقيق في موضوعها في إطار الصلاحيات المخولة لهم وفي احترام تام للقوانين من أجل إنصافهم، تفاجأ المشتكون مؤخرا بانطلاق نشاط المشروع المتمثل في تربية الدواجن وسط الساكنة وضدا على إرادة ومصالح السكان، بالرغم من الاحتجاجات والنداءات المتكررة للمعنيين والتي دامت أزيد من ثلاث سنوات، منذ أن علموا بصدور قرار الترخيص لصاحب المشروع بتشييد الإسطبلات من طرف المجلس الجماعي لعين تيزغة خلال سنة 2012 وهي مدة اعتبرها المشتكون كافية لقيام المسؤولين بواجبهم وفي إطار يمليه عليهم القانون لرفع الضرر عنهم، مما دفع ببعضهم إلى طرح عدة تساؤلات حول هذه النازلة، ومن بينها: هل تم مؤخرا تمكين صاحب المشروع من رخصة مزاولة نشاط تربية الدواجن بالمنطقة رغم تعرض السكان؟ وإذا كانت العملية قد تمت، فهل تم احترام القانون بإصدر قرار حول المضار والمنافع من طرف المجلس الجماعي لعين تيزغة وفق القوانين الجاري بها العمل حتى يطلع عليها المعنيون وإبداء آرائهم فيها؟ ولماذا لم تتحرك السلطات المحلية للقيام بالواجب ودفع صاحب المشروع إلى التقيد بالقانون وتوفير الشروط الضرورية لمزاولة نشاطه في حالة ما إذا كان هذا الأخير لا يتوفر على ترخيص في الموضوع؟ هي أسئلة تبدو منطقية لكون المتضررين تقدموا في إطار القانون بشكايات لتنبيه المسؤولين إلى ما قد يترتب عن إقامة مشروع ملوث بمنطقة فلاحية وبالقرب من الغابة من مخاطر صحية وبيئية ستكون لها تداعيات وانعكاسات سلبية على سلامة وصحة السكان وعلى المجال الفلاحي والبيئي وكذا على مجال تربية المواشي التي تعد من الموارد الرئيسية للساكنة. والأكيد أن نداءات ومطالب المشتكين لم تجد آذانا صاغية ولم يعر المسؤولون شكاياتهم أدنى اهتمام وإلا لما شرع صاحب المشروع في مزاولة نشاطه خلال الأربعة أشهر الأخيرة، الشيء الذي يتطلب من الجهات المسؤولة والمعنية العمل على تدارك الوضع والتدخل قصد إنصاف المتضررين.