{إلى روح والدي الذي علمني المقاومة فجعلت من الفعل إكسير حياتي} هناك إجماع على أن من بين المقتضيات المستقبلية للديمقراطية، إيجاد موقع للتنظيمات المدنية باعتبارها عاملا حاسما في التحولات التي ستعرفها المجتمعات غدا. فالازمة السياسية أضحت تطبع الأنظمة التقليدية، مما يفيد بأن سبل التجاوز كامنة فيما بات يصاحب المجتمع المدني من طموحات تستدعي حتما تدبر مصيره داخل دوائر القرار. إنه المسعى الذي لا مندوحة منه على حد قول «موراتينوس» MORATINOS شرط تفعيل مبدئي المسؤولية والإنخراط العملي. فماذا عن واقعنا الجمعوي؟ إن المتأمل فيما يعنينا لا يمكنه التغاضي عما يعتري هذا الأخير من صعوبات على مستوى: التكوين المعرفي، التنظيم، التدبير المعقلن، الإستقلالية، فآفات الإرتزاق، إختزال العلاقة بالأجهزة التمثيلية في الحصول على المنح والدعم، الفهم التبخيسي للسياسة - التي لم تعد جنحة، مجالا للتضليل كما لم تعد تقبل أن يمارس الوهم باسمها - جميعها مؤشرات لحالات غير سوية. فكيف لمجتمع مدني كهذا أن يؤسس لرابط اجتماعي... مجتمع تعيش فيه الديمقراطية الداخلية إغتيالا ممنهجا؟ كيف القبول بوضع جمعوي يظل على رأس مكوناته أشخاص بعينهم طيلة عقدين وما يزيد، حتى خول لهم ملكيتها. يروم الرابط الإجتماعي، إخضاع الأفراد لترابطات تجعلهم بتفرداتهم ينتظمون وفق رهانات قوية، كالمرتبطة بالقيم باعتبارها أساس التعاقدات التي تتولد عنها الحركية الرامية للإصلاح وتصحيح المسارات بما فيها المتعلقة بالعمل السياسي. إن الإحالة على المشهد القادم من الضفة الأخرى ليس من باب الإنبهار أو التسويق وإنما هي دعوة إلزامية للمزيد من الإستيعاب. الجمعية: الخلافات الجمعوية أو سوء التفاهم من الشبه المؤكد أن العلاقات الجمعوية عاجزة، لا تملك القدرة ولا تستطيع ضبط، تسوية كل العلاقات اجتماعيا بدءا بالعلاقات على مستوى الشغل. فالجمعية التي تشكل محور السؤال والتساؤلات، يجب أولا أن تفهم انطلاقا من هذا العهد الجديد للفردانية، بمعنى انطلاقا من هذا الفرد العلائقي الذي يغير وبشكل اللاشعوري علاقاته بذاته وعلاقاته بالمقربين. إن الأمر يتعلق بثورة أقرب ما تكون بالتي للفرد في علاقاته القربية إذ أضحت بواسطة دبدبات متتالية، تثبت وجودها، الشيء الذي جعلها تحتل بامتياز حقل العلاقات الإجتماعية. إن الترابط الجمعوي يتطور أولا على مستوى العلاقات الشخصية، ثانيا على مستوى العلاقات الغير المنظمة ثم أخيرا في إطار الشبكات الغير الخاضعة لما هو مؤسساتي، والتي تتواجد على هامش المجتمع. فبناءا على هذا المعطى، الفرد صار بإمكانه فرض ذاته كشخص. هذه الثورة الجديدة القائمة ضمن الرابط الإجتماعي تعبر - بتسكين العين - وتغير لاسيما النسيج المجتمعي بصورة خفية وضمنية. فالمؤسسات بمجملها: المدرسة، الشغل أو الفضاءات العمومية بصفة عامة أصبحت تظهر وكأنها شبه بعيدة عن الممارسة و الإشتغال الجمعوي، ذلك أن اللاتمدن، غياب السلوك المدني بات يتضاعف باستمرار وبدون توقف، الفقر والهشاشة يتفاقمان، العلاقات في إطار العمل تزيد توثرا. إنها استنتاجات غالبا ما ينطق بها الرأي السائد، إلا أن الطريقة التي يتم بها اليوم الحكم و معاينة الإختلالات الوظيفية للمؤسسات تظهر مضامينيا وفي واقع الأمر على أنها علامات ومؤشرات تملي ضرورة تطوير العقل والفكر الجمعوي لما يعكسه من تأثير وبصمات على العقليات. ففي إطار علاقات الشغل مثلا، يمكن الوقوف على أن الأفراد يحبدون ويرغبون في أن يصغى إليهم، أن يعترف بهم، أن يحترموا وأن يعاملوا على أنهم أشخاصا ذاتيون، شركاء في اتخاذ القرارات كيفما كانت نوعية الوظائف التي يشغلونها أو المناصب التي يتبوؤونها في تراتبية المقاولة أو المؤسسة، بصرف النظر عن حجمها وأهميتها. إن المسالة متعلقة موضوعيا بقاعدة ترسخ المطالب الجديدة خارج إطار الأسئلة المادية، الشيء الذي يعني وجود تفاوت مع الثقافة السائدة بالمؤسسات. إن مجمل هذه المعطيات تفسر الإحساس بالقلق وعدم الرضى على مستوى العلاقات داخل المقاولة وفي إطار العمل، باعتبارها ما فتئت تتفاقم بسبب الضجر والإختلالات: (انعدام الأمن، الخوف من فقدان فرصة العمل). إلا أن الأهم من كل هذا بطبيعة الحال، هو الطابع الذي رافق انتظارات وتطلعات المأجورين بحكم التغيرات والتطورات السلوكية، إضافة إلى الوضعية والحالة الموضوعية بداخل المقاولة بالمقارنة مع حالة ذوي المسؤولية وسلطة القرار. إن الرؤية والنظرة الضمنية للفرد تجاه العلاقات الإجتماعية والتي لم يتوقف الاستمرار على تلقينها له داخل فضاءات من الحرية، المساواة والإيخاء، الأمر الذي جعله تدريجيا لا يتحمل ولا يطيق الحياة والواقع الذي اعتاده في الماضي .لقد أظهرت دراسة ميدانية للنساء اللواتي يشتغلن كمنظفات واللواتي مارسن نفس المهنة خلال العقود الأخيرة أن التعبير عن معاناتهم فيما يتعلق بظروف العمل التي لم تتوقف عن الإستفحال والتفاقم دون مبرر واضح، يعود في جوهره إلى تطور موقفهم تجاه العمل نفسه. إن تصاعد المعاناة الذاتية تستحوذ منطقيا على تطور الشروط الموضوعية. فلتمثيل على ذلك يتم إيراد المسألة الأكثر حضورا - استنادا لبعض فترات التاريخ - على المستوى الإعلامي: آفة التحرش أثناء العمل سواءا الجنسي منه أو النفسي Harcelement sexuel et moral، ذلك أن المأجورين أصبحوا خلالها أكثر عرضة لهذا النوع من العنف بل ضحاياه بامتياز، فمن كان يصدق صراحة هذه الوضعية أو الحالة؟ إذ من غير الممكن نسيان الطريقة التي كانت تعامل بها النساء المستخدمات، بخاصة داخل بعض المركبات أو الوحدات الصناعية كقطاع النسيج مثلا، فالشطط في استعمال السلطة، الإحتقار والحرج ليستا بأشياء جديدة، هي بكل تأكيد فقط أمور صارت اليوم أقل حضورا، غير أن المستجد هو كون الإحتجاج أخذ مكان الرياء والمواربة، القبول الأخرس، الصامت. نعم لم يعد هناك حديث عن التحرش الجنسي كما سلف في حين التحرش الفكري بات يشغل حيزا كبيرا وصارخا في مدونة الشغل، مما يعني ويفسر مرة أخرى التوتر القائم بصدد المفهوم السائد للعلاقات على مستوى السلطة أو العلاقة بين الجنسين، الشيء الذي يجعل المجتمع أمام الحكم باللاتسامح تجاه مواقف وحالات كانت حتى الأمس القريب أكثر انتشارا، إلا أنها في المقابل أقل احتجاجا. يستشف مما سلف ذكره أن سؤال العنف وانعدام الأمن بحاجة ماسة للكثير من التوضيح، ذلك أن الإحساس باللأمن عرف تزايدا بالمقارنة مع واقع الحال. إنها الحقيقة المعقدة، الغير القابلة أحيانا للفهم والتي تعرف وتحدد على أنها أولا مقياس التقدم وتطور العمل البوليسي، الذي هو نفسه مرتبط بالإحساس بانعدام الأمن لدى الشعب. هذا الإحساس يعبر - على الأقل ولو ضمنيا - على إعادة تقييم الحياة الإنسانية، بخلق نظرة جديدة للشخص وتجرده، رفضه للعلاقات الإجتماعية ذات الطابع العنيف والطابع الإحتراسي كما هو الشأن بالنسبة لحالات العنف الجديدة. لذا يبدو من الأهمية الإشارة هنا، بالإضافة لما ورد، أن الوضع قد عرف تغيرات بالمقارنة مع التصورات السالفة. إن مظاهر العنف المنتشرة بضواحي المدن ليست في حد ذاتها إلا مطالب للاعتراف من طرف الفاعلين، طلبات للاندماج والتي تلقى باستمرار الرفض واللامبالاة، وكذا عمل جمعوي تحت شعار أسود، أبيض، مهاجر، كرفض للتعصب والطائفية والعزل الاضطراري GHETTOÏSATION . إن مأسي مقاطعات كبريات المدن أضحت مرتبطة في غالب الأحوال بأشخاص يعانون من عدم الاعتراف بهم، مما يعني أن المسألة لا ترتبط إطلاقا بالمصادفة مادام نمط المعالجة الأكثر نجاحا لمواجهة الإنحراف هو إعادة الإدماج، عن طريق العمل الجمعوي، بعبارة أخرى، الاعتراف بالشخص وبكرامته على ضوء القيم الأساسية المتعارف عليها. إن مجتمعا يضع نصب عينيه تأكيد الذاتية كموقف وسلوك، فلا يستطيع في نفس الوقت وضع الإطارات الإجتماعية للحث على الاعتراف بالجميع، أمر يدعو إلى المزيد من التبصر والإلمام. إن العنف يصدر في غالبيته ومن جانبه الأكبر عن التفاوت، التباين الحاصل بين الوعي الجديد للفرد بذاته والوضع الإجتماعي الذي لا يسمح ولا يتيح الفرصة للتعبير عن هذا الوعي الجديد. إنه لمن الصعب حقا ضبط وجهات نظر ورؤى تتغير، مفاهيم جديدة تتولد ومخيالا جديدا ينتشر، بينما الشأن يختلف تجاه واقع موضوعي من المفروض أن يكون مستقلا عن الملاحظ. لذا فمن سديد الرأي أن يتم التعامل والقبول بهذا الواقع في صورته الحقيقية شرط أن يوضع داخل وفي إطار إمكانية هذا التطور العميق للرابط الإجتماعي، المتحكم في الرؤية والأحكام إلى حد درجة التحكم في ضبط المقاييس الإحصائية ذاتها. فاعتمادا على هذا، فإن الإرادة الجمعوية تتطور، وكنتيجة فاصلة، فإن الواقع المؤسساتي، سواءا اجتماعيا كان أو اقتصاديا أو حتى سياسيا، أصبح أقل قبولا، بل ومتجاوزا بحكم ابتعاده عن العقل والتفكير الجمعوي، بمعنى أن القضية في فحواها تقر بأول اختلاف وأول سوء تفاهم تجاه تطور الرابط الجمعوي، فكلما عرف هذا الأخير تقدما وتطورا في ذاتية الأفراد، كلما زاد الإحساس بأن هناك تراجعا في الواقع الإجتماعي. أما فيما يخص الإختلاف الثاني فيمكن تسجيله في إطار ما يتعلق بصورة الجمعية، والتي غالبا ما تعني كلفظ، النظام الجمعوي المقنن قانونا والموضوع أصلا من أجل المنفعة العامة مثل الجمعيات الكبرى للأعمال الإنسانية والخيرية، والتي تشغل حيزا تحت الأضواء الكاشفة، إذ تشكل جزءا من الأخبار اليومية. لقد استطاعت هذه الرموز الجمعوية كمنظمات أن تخفي في جوانبها العديدة حقيقتها الأولى، المتضمنة لمفهوم الرابط الإجتماعي، المتميز والفاعل بصورة خارقة حسب «كاسطوريادس»Castoriadis(2) الذي أشار إلى الإستثناء التاريخي لما تمثله مدينة « أثينا « اليونانية، إذ بدونها لم يكن من الممكن التفكير في الفرد، ولا في قيم الحرية والمساواة، و لا في النظام الديمقراطي، ولا حتى في المؤسسة الذاتية للمجتمع نفسه. إن تمثل الجمعية بنظامها المؤسساتي يبدو ولاسيما أمرا مأسوفا عليه، إلى حد أنه، أي هذا التمثل، لا يسمح بمعاينة انتشاره بعيدا عن الجمعيات نفسها، في حين أن العلاقة الشخصية داخل الشبكات، الغير المنظمة وحتى داخل بعض المقاولات المستحدثة أو الحديثة العهد، تبين أن الرابط الإجتماعي فيها يتسم أحيانا بحيوية أكثر تماسكا وبحضور قوي مقارنة مع بعض التنظيمات الجمعوية الضخمة والموسعة. إن التفكير وإعادة التفكير في أصولية وتفرد العلاقة الجمعوية مسألة ذات أهمية من وجهة منظور الفلسفة السياسية. هذا المعطى يساعد على التخلص من التقابل العقيم بين الفرد والمجتمع، وكذا تجاوز مفاهيم فلسفاتهم السياسية الخاصة، المتمثلة من جهة في الفردانية المرتبطة بعقد ليبرالي، ومن جهة أخرى في الإنغلاق ورد الفعل الجماعي والذي غالبا ما يكون مصدرا لنمط الأنظمة الشمولية. إذا ما كان هناك طريق ثالث ممكن، فإنه بحاجة إلى التجديد، انطلاقا من اتساع رقعة الرابط الإجتماعي للعمل الجمعوي، فهذا الأخير ليس رابطا أسطوريا أو ملائكيا للإحسان والإيثار الخالص والتعاون والتلاحم الإجتماعي، كما يتم تبيان تمظهراته في الغالب. إن ترسيخه وتحديده في إطار نموذج من اتحاد الإرادات، النوايا الحسنة والإيخاء ليس بالضرورة دعما وخدمة له، إذ أن هناك دائما نظاما استثناءيا وغير محتمل لرابط مؤمثل يخلص النفوس الحسنة التي لا تعرف كيفية بناء المبدأ المستحوذ - العامل - في الترابط الإجتماعي والحياة داخل المجتمع. إن الرابط الجمعوي وعلى عكس كل تصور، هو رابط، في عموميته ذو صبغة صراعية لأفراد مؤمنين (بضم الميم) بحقوقهم الصرفة، رافضين لكل حجة سلطوية، الذين يطالبون بنفس الإعتراف، الاعتبار، الأهلية في اتخاذ القرارات لذواتهم وللمدينة أو الحظيرة بالمفهوم اليوناني أو الهيليني. إنه رابط لا يتماشى والمؤسسات الصارمة. إنه في حركية دائمة، متغير، ذو طابع احتجاجي يفترض مؤسسات ذات مرونة، قادرة على التأقلم، قابلة للإصلاح دون توقف بهدف الحفاظ على ديناميكيتها الأبدية التي تنطلق من الفرد تجاه الجماعة ومن الجماعة تجاه الفرد. يعد إذن مكون الجمعية في كثير من الأحيان، تضادا أو رد فعل تجاه السلطة، أكثر من كونه مقيدا عرفيا بالأعراف. إن الرابط الإجتماعي في مبدئه العام هو رابط حي، صاخب وعاصفي كما هو الشأن بالنسبة لمفهوم الديمقراطية. فليس الرابط الجمعوي ولا الرابط السياسي للديمقراطية في استراحة مطلقة، فالإمتثال للراحة والتمتع بالحرية أمور اختيارية كما يردد «كاسطوريادس» Castoriadis، بيد أن عدم منح الإمكانيات التعبيرية الخاصة بهذا النوع من الترابط، يعد اليوم نوعا من العنف الممنهج في حق المجتمع المدني والذي يطرح، بل ويحمل بكل تأكيد أنواعا تعبيرية أخرى. النظام القديم والجديد إن التموقف داخل هذه الإمكانية - بمعنى حيازة مكان أو موقع ما - يعني القبول والاقتناع بأن المؤسسات لم تفقد أهميتها وقيمتها، فحالة المدرسة كنموذج من هذه الوجهة، لم يحصل قط أن حققت ما حققته من إنجازات ونجاحات، كما لم يحصل إطلاقا أن تعرضت للنقض. إن الأمر لا يتعلق بالرابط الذي افتقد النخبة، ولكن برابط أعمق أضحى من خلال تركيبته يغذي انتظارات واقتضاءات جديدة تجاه المجتمع والسياسة ككل. هذا التطور الحاصل في عمق الرابط الإجتماعي يحمل في حد ذاته تحولا كبيرا بحسب تعبير «كارل بولانيي»Karl Polanyi»(3)فعندما تشرع العلاقات بين الأفراد في التحول على مستوى القاعدة، فإن هذه العلاقات نفسها تسبق التطورات القادمة والتي قد تمس الإطارات الاجتماعية، الاقتصادية وكذا السياسية. إن المسألة تبدو أكثر جدية داخل مجتمعات الأفراد، بحيث أن التطورات الكبرى تنطلق من الأعضاء ومفاهيمهم للعلاقات الإجتماعية، أكثر من الأنظمة أو المؤسسات التي تسعى جاهدة لمراقبتهم. إن الرابط الإجتماعي ينتهي دائما بالتحكم في السياسة، بهذا المعنى يمكن القول بأن هناك صنفا من هذا الرابط الإجتماعي يتماشى بتطابق نوعي مع بعض الأنظمة التاريخية والسياسية. هكذا فإنه وفي إطار التاريخ، خاصة عندما يتعلق الأمر بالمقارنة ما بين النظام القديم والجديد، فإن الأمر لا يتمحور فقط في تحديد تحول النظام السياسي والمؤسساتي، بل إنه يعني القطيعة وإعادة التركيب على مستوى عمق مجموع العلاقات الإجتماعية، بدءا من القاعدة وانتهاءا بالهرم. إنه الدرس المتميز « لطوكفيل «Tocqueville ، إذ أن الصعود البطيء وبالقوة للفرد سيصيب أركان القاعدة الجماعية برجة واهتزاز كبير، علما بأن هذه الأخيرة تقوم بتوحيد الرابط الاجتماعي انطلاقا من مقولات: المجال الترابي، الإنتماءات، الشروط الإثنية، الطائفية، والتي على أساسها كان يقام النظام الفيودالي. انطلاقا من هذه الفردانية المحررة أو التحررية سيتبلور نظام اجتماعي جديد حول العقد أو التعاقد وحقوق الإنسان؛ وفي نفس الوقت نظام اقتصادي مبني على حرية العمل وحرية السوق، بالإضافة إلى نظام سياسي ينتظم حول عقد اجتماعي، حول عملية الانتخاب والتمثيلية الشعبية. إن التطور العميق للرابط الاجتماعي - أو المجتمعي - يساير التطورات الواسعة ويفتح بالواضح المجال لنظام الإنتاج الإقتصادي، وكذا النظام السياسي، فهل من باب المصادفة إذن الصياغة ووضع القوانين، إدعاء بأن الأمر يتعلق اليوم بنظام جديد بمعناه الأكثر شمولية. إن الحاجة تفرض الكثير من الوقت للتمكن والسماح بإصدار حكم في الموضوع، إلاًّ أنه من الجائز القول بأن التطور نحو الفردانية العلائقية ونظام الجمعية قد شرع في حيازة فضاء داخل الحقل السوسيو سياسي، كما هو الشأن بالنسبة للمجالات الإقتصادية. الهوامش: 1 - عن روجي سو Roger SUE: Société civile face au pouvoir» « publication . SC politique Paris.FRANCE - عن روجي سو Roger SUE:Renouer le lien sociale :Liberté, Egalité, Association.Edition:Odile Jacob. 2 - Castoriadis (1922/1997): فيلسوف، مثقف متعدد المشارب، يوناني الأصل عاش بباريس، أسس بمعية Claude lefort مجموعة الإشتراكية أو الهمجية. من بين مؤلفاته نسوق «المؤسسة المخيالية للمجتمع» 1975 و»السياسي عند أفلاطون» 1999. 3 - Karl Polanyi (1886/1964): مؤرخ لعلم الإقتصاد من أصل مجري عاش بالنمسا، من بين مؤلفاته الذائعة الصيت: « التحول الكبير» «la grande transformation»