التمهيد للمصالحة، يجب أن يشمل «تنفيذ الإخوان مراجعات شاملة على مستوى الفكر والتنظيم، وبدء إجراءات بناء ثقة تتمثل في وقف التحريض ونبذ العنف والإرهاب»، بجانب قيام النظام عبر حكومته ب»بلورة رؤية للتعامل مع تيار الإسلام السياسي والنظر في قانون العدالة الانتقالية (معني بحقوق الضحايا والمصالحات الوطنية) كحل للخروج من الأزمة»، بجانب تحرك القوى السياسية ل»بلورة رؤية للتعامل مع الجماعة في إطار الصهر والاندماج وليس الإقصاء والاستبعاد». عندما سئل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، «هل سيكون للإخوان وجود في عهده؟»، كانت إجابته بالرفض الشديد، فيما تجدد جماعة الإخوان كل حين تمسكها ب»لاءات» أربع، ما يجعل المصالحة بين الطرفين مجرد حديث إنشائي يتبدد سريعا في ضوء هذه المواقف. «الطلاق البائن» الذي حدث لعلاقة الإخوان بنظام السيسي، وضع احتمال المصالحة خلال الفترة الحالية في «خانة المستحيل»، مع تمسك الطرفين بمواقفهما، وفق خبيرين، غير أن أربع فرص محتملة قد تحلل عودة العلاقة بين الجماعة والنظام في المستقبل، بحسب خبير ثالث. والفرص الأربع المستقبلية منها مبادرتان من النظام، وهما إجراء استفتاء شعبي للقبول بعودة الجماعة من عدمه، وتمرير قانون العدالة الانتقالية، الذي ينص على المصالحة الوطنية، إضافة إلى فرصتين بيد الجماعة، وهما تقديم مبادرة صلح، أو القبول بالعودة للعمل كما كانوا في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك (1981- 2011)، أي تحت لافتة «مستقلين». وترى جماعة الإخوان أن الانقلاب على محمد مرسي، في 3 يوليوز 2013، هو «انقلاب عسكري مكتمل الأركان»، بينما ينظر إليه السيسي وأنصاره باعتباره «استجابة من الجيش لثورة شعبية ضد حكم الجماعة المرفوض على نطاق واسع». وترى الجماعة ضرورة القصاص من المسوؤلين عن القتلى الذين سقطوا إثر فض اعتصام «رابعة» لأنصار مرسي بالقوة في غشت 2013. وفيما تقول الجماعة إنها تعبر عن مواقفها الرافضة للنظام سلميا، فإن أجهزة الدولة ومؤيديها تتهمها بارتكاب أعمال عنف وإرهاب، عمقت من الانقسام الواضح. شروط السيسي و«لاءات» الإخوان وفق معلومات تستند لمصادر مسؤولة في الجماعة، فقد جرت قبل فض اعتصام أنصار مرسي في ميدان رابعة العدوية شرقي العاصمة القاهرة بقليل، محاولتان مباشرتان وبارزتان للتقريب بين النظام والإخوان، ومثل الإخوان خلالها شخصيات قيادية، بينها جمال حشمت، في مقابل عسكريين، أبرزهم اللواء محمد العصار، الذي يشغل حاليا منصب وزير الإنتاج الحربي. وتمسك الإخوان بعودة مرسي في مقابل رفض الطرف الآخر. ومنذ الفض الأمني للاعتصام، ما أوقع آلاف القتلى، لم تجر مباحثات ثنائية بشكل مباشر؛ ليتصاعد الصراع بين النظام والجماعة، وتعجز عن تبريده مبادرات محلية ودبلوماسية عربية وغربية. وعندما سئل عن المصالحة مع الإخوان، أجاب السيسي في المؤتمر بأن «المصالحة ليست قراري، هذا قرار دولة، وأنا أكثر واحد أتحت لهم فرصة في 3- 7 ( 3 يوليوز 2013 يوم الانقلاب على مرسي)، والبيان الذي تم إصداره كان متزنا للغاية»، وقال: «لم أطلب من أحد أن يغير أفكاره لأجلي، أنا أقبل كل الأفكار، لكن مارسوا أفكاركم (أي الإخوان) بدون ما تهدموا بلدكم»، وفق تقارير محلية. والأحد الماضي، سرعان ما واجه طرح إبراهيم منير، نائب مرشد الإخوان بإمكانية القبول بتصور لمصالحة مشروطة من حكماء لحل الأزمة السياسية في مصر، ب»لاءات أربع» للجماعة جددت ما كانت تتمسك به على مدار ثلاث سنوات، وهي: «لا تنازل عن الشرعية (في إشارة لمرسي)، ولا تفريط في حق الشهداء والجرحى، ولا تنازل عن حق المعتقلين في الحرية وحق الشعب في الحياة الكريمة، ولا تصالح مع خائن قاتل (لم تسمه)»، وفق بيان رسمي لها. وقال القيادي البارز في الإخوان محمد سودان، إن «الجماعة تثق بأن موقفها ليس مجرد أحلام، والوقت في صالحها وسيرحل السيسي، وستتم مصالحة وطنية شاملة، وعلى الجميع أن يقرأ التاريخ، فالجماعة عانت أكثر من ذلك، وعادت بعد ذلك للمشهد رغم السجن والاعتقالات». تحركات الإخوان.. جسّ نبض أم ارتباك تصريحات نائب مرشد الجماعة وما تلاها من رفض سريع من الجماعة، يراه المتخصص المصري في علم الاجتماع السياسي، سعيد صادق، «جس نبض من منير لأطراف محلية ودولية نظرا لموقف الجماعة الصعب بعد انتخاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، المتشدد تجاه الإسلاميين والمؤيد للنظام المصري، لكن سرعان ما ألغته جماهير الجماعة الرافضة لذلك». من زواية أخرى، يرى الباحث المتخصص في شؤون الإسلام السياسي أحمد بان، أن «لاءات» الجماعة تعبير عن «أزمة مستمرة لإنكار الواقع أمام طرف في النظام لا يقدم شيئا، وجماعة لا تفهم أن تصدرها للقيادة يحتاج إلى قدر من المرونة والبراغماتية». شرعية السيسي النظام المصري هو الآخر يتمسك برفض المصالحة في هذا التوقيت، ويتجاهل طرح منير المثير للجدل، وهذا مرده، وفق صادق، قائم على أن «شرعية السيسي قامت على هدم شرعية الإخوان ومحاربة الإرهاب». وتساءل: «كيف سيقنع السيسي أنصاره بالمصالحة وهم يرون أن أيدي الإخوان ملوثة بالدماء والإرهاب؟»، مشبها العلاقة بين الطرفين حاليا بأنها «طلاق بائن لا رجعة فيه». الدعم الدولي وغياب البديل، وفق صادق، هو تفسير ثان وثالث لتعزيز رفض النظام للمصالحة في هذا التوقيت، قائلا: «التوجهات الدولية لا تريد تكرار أزمة سوريا واللاجئين، وتعتبر نظام السيسي أفضل السيئين وخيرا من وجود دولة دينية أو فاشلة، فضلا عن كل هذا، لا وجود لبديل حقيقي في مصر يستطيع تحمل ظروف البلد الآن، ولا حتى لدى الإخوان». استراتيجية تصفية التنظيم من جانب السلطات في مصر، هو سبب رابع وفق صادق، الذي يرى أن «الجماعة هي الطرف الأضعف في المعادلة.. الآن فشلت في حشد مظاهرة في القاهرة يوم 11/11 وتعيش أزمة داخلية، فما الجديد الذي سيجبر النظام لقبول مصالحة؟». وأوضح أن النظام اتخذ استراتيجية واضحة تجاه الإخوان من ثلاث نقاط ليس فيها تسويات، وهي: التخلص من القيادات في مواجهات أو محاكم، وتجفيف الدعم المالي، وعدم السماح بانضمام عناصر جديدة لها. ويرى أستاذ علم السياسة العامة بجامعة القاهرة طارق فهمي، أن «المصالحة لن تكون الآن، وليس هناك دلائل، ولو أنها بدأت مؤشرات العفو الرئاسي (تم مؤخرا بالإفراج عن 82 سجينا، بينهم إخوان غير مشهورين) تشير إليها من بعيد، ولكن الأمر يحتاج بعض الوقت». التمهيد للمصالحة، وفق فهمي، يجب أن يشمل «تنفيذ الإخوان مراجعات شاملة على مستوى الفكر والتنظيم، وبدء إجراءات بناء ثقة تتمثل في وقف التحريض ونبذ العنف والإرهاب»، بجانب قيام النظام عبر حكومته ب»بلورة رؤية للتعامل مع تيار الإسلام السياسي والنظر في قانون العدالة الانتقالية (معني بحقوق الضحايا والمصالحات الوطنية) كحل للخروج من الأزمة»، بجانب تحرك القوى السياسية ل»بلورة رؤية للتعامل مع الجماعة في إطار الصهر والاندماج وليس الإقصاء والاستبعاد». وأوضح أن مصر لديها الحالة التونسية والمغربية لدمج الإخوان، يمكن دراستهما، مشددا على أن «النظام يجب أن يعي أن كل قرار له تكلفة ومعارضون، ومهما تأخر الأمر فإنه سيحدث». المحلل والفرص الأربع وتوقع سعد الدين إبراهيم أستاذ علم الاجتماعي السياسي، وأحد الذين طرحوا مبادرات سابقة لحل الأزمة السياسية، أربع آليات لإتمام مصالحة مستقبلية غير ممكنة حاليا برأيه، وهما اثنتان من جانب النظام، تتمثلان في «إجراء استفتاء شعبي على المصالحة، كان يلوح به السيسي دائما، أو تمرير قانون العدالة الانتقالية، الذي ينص الدستور على أن يتضمن سبل المصالحة الوطنية». وتنص المادة 241 من الدستور المصري على أن «يلتزم مجلس النواب (البرلمان) في أول دور انعقاد له (انتهى منذ أكثر من شهر وبدأ مؤخرا دور الانعقاد الثاني) بعد نفاذ هذا الدستور بإصدار قانون للعدالة الانتقالية يكفل كشف الحقيقة، والمحاسبة، واقتراح أطر المصالحة الوطنية، وتعويض الضحايا، وذلك وفقا للمعايير الدولية». أما من جانب الإخوان فتوجد آليتان، وهما: «تقديم مبادرة اعتذار واحترام لمؤسسات الدولة، أو قبول الإخوان بالعودة للعمل العام على نحو تواجدهم في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، والآلية الأخيرة فيها حفظ لماء وجه الإخوان وللنظام». ويرى سعيد صادق أن ثلاث فرص من السابقة وهي الاستفتاء، وسيناريو مبارك (العمل كمستقلين بسقف سياسي منخفض)، وتمرير القانون، «ستطرح من وقت إلى آخر كمسكنات ولن تنفذ لصعوبتها». وأصدر معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى (مقره واشنطن) في غشت الماضي، تقريرا يرصد مستقبل الإسلاميين في مصر، متوقعا أن «تتزايد احتمالات التوصل إلى صيغة للتعايش ما بين الإخوان ونظام السيسي»، معتبرا أن «نجاح أي تسوية بين الإخوان والنظام يتوقف على تنحي السيسي بعد انتهاء ولايته الرئاسية عام 2018، ومن ثم قيام قيادة جديدة تضع في أولوياتها إبرام تسوية سياسية مع الإخوان وتدعم التعايش السلمي معهم». ضغوط غربية لتحقيق المصالحة قال الكاتب عبد الله السناوي، المقرب من النظام الحاكم، إن السيسي يتعرض لضغوط اقتصادية وسياسية من الدول الغربية، لكي يفتح القنوات السياسية المسدودة في البلاد؛ عبر إجراء مصالحة مع جماعة الإخوان، وإعادة دمجها في المشهد المصري. وأوضح السناوي في مقال له بصحيفة الشروق، الأربعاء الماضي، أن الدول الغربية تخشى حدوث انهيار اقتصادي واجتماعي إذا استمرت الأوضاع في مصر على ما هي عليه؛ من انغلاق المجال العام، واستمرار القمع وحملات التحريض. وأكد أن النظام في ورطة، حيث إن قبوله بإعادة دمج الجماعة مستحيل، وممانعته مكلفة، مشيرا إلى أن بعض الجهات الأمنية لا تمانع في التصالح مع «الإخوان» بسبب خبرتها السابقة في التعامل مع الجماعة. ويحتم الدستور المصري المستفتى عليه في يناير 2014، أن يسن مجلس النواب قانونا جديدا للعدالة الانتقالية، يضع إطارا عاما للمصالحة الوطنية، ولتعويض ضحايا العنف وفقا للمعايير الدولية. وقال وزير الشؤون القانونية ومجلس النواب، المستشار مجدي العجاتي، في تصريحات صحفية سابقة، إن هذا القانون اشترط لإجراء مصالحات سياسية؛ نبذ العمل السري والتمييز بين المواطنين، بالإضافة إلى الاعتراف بالأخطاء، والتعهد بعدم تكرارها في المستقبل، والفصل بين الديني والدعوي، والفصل بين السياسي والوطني. ويرى مراقبون أن نصوص القانون تشير بوضوح إلى المصالحة مع «الإخوان»، وهو الأمر الذي تسبب في تأخير إقرار القانون بسبب عدم إتمام ملف المصالحة بين النظام والجماعة. وتعليقا على تلميح السناوي إلى عدم ممانعة الأجهزة الأمنية في إجراء مصالحة مع «الإخوان»؛ قال الخبير الأمني محمد البسيوني، إنه لا يمانع في إجراء مصالحة محددة ومشروطة مع «الإخوان» تشمل فقط غير المتورطين في الدم، على أن تستبعد منها قيادات الجماعة. وأضاف البسيوني أنه يرحب بالإفراج عن آلاف الشباب وطلاب الجامعات المعتقلين من «الإخوان» وغيرهم؛ المحبوسين على ذمة قضايا التظاهر وغيرها؛ لفتح صفحة جديدة مع الدولة. وشدد على رفضه التصالح مع قيادات «الإخوان»، سواء المحبوسين في مصر، أم المتواجدين في دول أخرى، وخاصة تركيا وقطر، محذرا من أن النظام لو رضخ لهذه الضغوط وأعادهم إلى البلاد؛ فسيعطي هذا مؤشرا واضحا على ضعفه وانهزامه أمام الجماعة. من جانبه؛ استبعد أستاذ العلوم السياسية، جمال زهران، المعروف بعدائه الشديد للإخوان المسلمين، إتمام المصالحة بين النظام والجماعة، مشيرا إلى أن تصريحات السيسي الأخيرة تأتي في إطار المناورة السياسية، وجس نبض القوى الغربية. وحول الضغوط الاقتصادية الغربية على السيسي؛ أكد زهران أن النظام يمكنه مواجهة هذه الضغوط؛ إذا كان جادا في مواجهة الفساد، وبدأ في مواجهة الارهاب سياسيا واجتماعيا، وليس أمنيا فقط.