تحضر القوة الرمزية في الزيارة الملكية الحالية إلى دول افريقيا، بشكل استثنائي، من خلال محطتين اثنتين وصل إليهما ملك البلاد، هما اثيوبيا ومدغشقر. فالمغاربة كلهم يذكرون تلك اللقطة من سنة 1984. والوفد المغربي، يقف متحديا في لقاء بالعاصمة الاثيوبية، اديس ابابا، معلنا انسحابه من منظمة الوحدة الافريقية. كانت تلك اللحظة ، من أقسى اللحظات، بالرغم مما تميزت به من اعتزاز وطني بالثبات على الحق الوطني. ومرد الألم كان هو أن يجد المغرب نفسه ، بدون وجه حق ، خارج منظمة أعطاها الكثير من الحرارة والالتزام الأخلاقي والدبلوماسي والمجهود المادي والفكري.. في يوم 12 نونبر 1984، اخترقت جمهورية الوهم بتندوف حياض منظمة الوحدة الافريقية، فطلب المغرب إعلان «ساعة الفراق»، في انتظار أيام أكثر حكمة ، بلغة الملك الراحل المرحوم الحسن الثاني. والظاهر أن الأيام الحكمية قد حل أوانها، فكانت زيارة ملك البلاد إلى اثيوبيا ، في منطلق زيارة إلى دول أخرى، مناسبة لتعلن الدولة التي احتضنت خروج المغرب، دعوتها وترحيبها بعودته إلى الاتحاد الافريقي. وكانت إثيوبيا قد أكدت دعمها لعودة المغرب للاتحاد الأفريقي، تزامنا مع توقيع البلدين بأديس أبابا أكثر من عشر اتفاقيات شراكة بينهما، وذلك في أعقاب جولة مباحثات بين رئيس الوزراء الإثيوبي هيلي ماريام ديسالين وملك البلاد محمد السادس الذي يقوم بأول زيارة للبلاد التي شهدت مغادرة المغرب للمنظمة منذ 32 سنة! ومن بليغ الصدف، أن الزيارة إلى البلاد التي شهدت مغادرة المغرب ودخول غريمه المصطنع، تتزامن أيضا مع زيارة الملك إلى الجزيرة التي عرفت منفى عائلته الكريمة، دفاعا عن استقلال المغرب، كأحد مقومات استقلال القارة برمتها.... وتعود الزيارة إلى مكان المنفى، في هذا التلازم الإيجابي، تأكيدا على القدر الافريقي للمغرب ، والقدر المغربي لمستقبل افريقيا.. إن للرمزيات هنا قوة الفعل، وقوة الديبلوماسية ، لكن أيضا قوة المستقبل. إن الماضي، كان قريبا مبنيا على التباين الاديولوجي والسياسي أو كان قديما مبنيا على الغل الاستعماري، يشكل.، في التوجه الجديد لبلادنا قوة مستقبل وعنوانا للسير معا نحو المشترك الإنساني الإفريقي....