1 كلي لستُ أنا. أنا أجزاء صغيرة متنافرة. أجمعها قدر المستطاع في علبة الجسد. وأمرض كثيرا لأنها نادرا ما تتفق. كلي لستُ أحدا. الآخر له حريته ولي التباين مع المرآة ومع الفكرة... 2 توقفي إذن أيتها الأرض. اتكئي على قمرٍ مثلا، وارتاحي قليلا. سنغتنم نحن الآهلين بالغضب الفرصة لنتباحث طويلا حول إمكانيات العيش المشترك. وسنودع بائعي الأسلحة جميعا في مصحات الأمراض العقلية، ونعرض السياسيين في السيرك ونضحك من شطحاتهم كثيرا، وللشهداء سنكتب أشعارا ونحفر أسماءهم عميقا في قلوبنا. توقفي إذن، لكي ترتبك أسماء القتلة فتسقط عنك وعنا. توقفي، فهذا الدوارن يصيبني بالغثيان... 3 لا أعرضُ عليكم موتي لأني لم أمت بعد. أبدأ يومي بالتأكد من ذلك، وعادة لا ينقصني شيء: نفس القلق، وضجر يشبه الانصياع لحكم بالإعدام، وفتنة الصباح، وشوق إلى أشياء غير محددة المعالم؛ مثلا قبلةٌ لحظةَ الغسق عند نهر الهان. لم أمت بعد، أخبر وجهي الذي يتورم كل صباح مثل ورق التوت وقد امتلأ بفيض الماء على الرصيف. لم أمت، ولكني أَفُلْتُ داخلي حتى هالني الحضور. 4 الواجب هو ما قمتُ به اليوم. تلك الأمور التي لا يراها الآخرون ولكنها تتعب خمولي. مثلا أيقظتُ النافذة من سباتها حتى تستقبل مطر اليوم. كما أني ملأت قناني الماء ليشرب أهل البيت عندما يجف الصنبور. ومثلما هو متوقع: وضعت ابتسامة جديدة فوق الوجه. إنها نفس الابتسامة التي سرقتها البارحة من متشرد كان يعانق الطريق. 5 لم أعد أهربُ كلما اعتنق الوقت جدولا زمنيا جديدا. أتحايل الآن عليه وعليّ، فأتركه يحملني حتى آخر النهار، ثم حتى آخر الليل... ومثلما في زورق فقد مجذافيه فلا يجيد التحايل على النهر وأنا لستُ مهتمة بالأشجار الواقفة على الضفتين، نمشي معا، رفيقين صامتين. بينما الانتظار مثل غراب فقد صوته، يتابعنا في صمت. 6 تعال لنسقط معا. أولا سنجد تلة عالية. سنصعد إليها مثل حبيبين: يدك تمتد لتساعدني عندما أتأخر قليلا. أَمُدُّك بماء وقُبلة كلما علا وجهك تعب الطريق. ثانيا، سنجلس في المكان الأعلى لكي نشاهد السحب وهي تتراشق بالضحكات. ستحدثني عن عملك المضني والأرق الذي يسكن مفاصلك. سأصمت عن ضجري من اللا عمل، ومن انتظار الصباحات الجديدة. ثالثا، سنقف على الحافة مثل طائرين، وبلا ريش-هل نحتاجه حقا؟- سنفترق. 7 النهاية المحتملة لهذا النهار: يسدل الليل ثوبه مثل راقصة فلامنكو؛ بما يكفي من العادة لتُثَبِّتَ توقعات المشاهد، وبما يكفي من الإغراء لتُبْقِيّ شعلة التيقظ متقدة لديه. لا أحب النهار. إنه مبتدأ الأسئلة. مبتدأ الألم. مثل صحوٍ بعد ليلة سكر أو عشق، له طعم المرارة. لا أحب الليل. إنه معبر إلى أمل لا يتحقق. أُخبركَ مرة أخرى: إنه غير ذي جدوى هذا التدريب على الموت. خذني مرة واحدة أو ابتعد... النهاية المحتملة لنشرة الأخبار: شموس صغيرة توزعها مقدمة نشرة الطقس على خارطة البلد. شمس تضيء المكان لكنها تزيده ظمأ. ماء لأول النهار. أجمعه في أواني كثيرة. ولا أبكي. البكاء إهدار للماء أقول لحارس الوقت. النهاية المحتملة لي: الوهن الذي يشبه الكسل يمتد مثل عدوى إلى وجهي. وحدهن الآن، النملات الصغيرات يزرن نافذتي، دؤوبات، مجتهدات، لا يضجرهن الزجاج العازل. النهاية ليست موتا أقول لامرأة تستعد أن تفسح لدمعها الطريق. إنها احتمال آخر فقط. الموت ليس نهاية، أقول للرجل الذي يمسح الزجاج. إنه اكتمال اليقظة... ثم أعزل نفسي بمنآى عني. 8 والآن سأتابع حالة الطقس. هناك شمس مريبة في الأفق، وهناك غيم يتآكل كأن أصابته الغرغرينا. يقول الراوي إن كل شيء بخير. ويوزع السياسي الخيبات بالتساوي بين المواطنين. ومثل هذا الوهن الذي يكبر بداخلي، ينمو البؤس على ضفاف المدينة ويقترب...