لم يسبق لي أن تعرفت على الراحل المهدي بنبركة شخصيا، نظرا لفارق السن الذي كان يفصل بيني وبينه، لكني سمعت عنه في فترة لاحقة، ربما أعتقد أنها فترة متأخرة شيئا ما، وبالضبط سنة 1979 عن طريق صهري السيد بوغالب العسري الذي كان مدرسا ، لأنه كان مناضلا ومنخرطا آنذاك في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية عندما كان الصراع في أوجه محتدما بين الحزب والسلطة. وغالبا ما كان في حديثه يتكلم عن المهدي بنبركة في حضور أصدقائه من المناضلين، فتشبعت بأفكاره وبطريقة تحليله لهذه الشخصية التي اعتبرتها من الشخصيات السياسية الأسطورية، فأحببتها مما دفعني للبحث عن أسرار قيمتها السياسية والتاريخية، خاصة عندما تم اغتياله في ظروف غامضة، فكان بالنسبة لي اكتشاف شخصية بنبركة من الأيقونات الأساسية في المشهد السياسي المغربي، عندما وجدت فيه نموذج المناضل الغيور على بلده ونظرا لأهمية المشروع التحرري الذي كان يحمله، استنادا إلى رؤية حداثية من خلال خطاباته الإقناعية حول مفهوم الإصلاح بالمغرب، في فترة كان المغرب إلى جانب دول العالم الثالث يحتاج إلى هذا الإصلاح بطريقة جذرية، فكان لا بد من الاطلاع على فلسفته ومشروعه التقدمي، الذي كان يسعى إلى التحرر من الجهل والتخلف، والانعتاق من الاستعمار والتبعية لبناء وطن بمواصفات حداثية تضمن كرامة الفرد وتحسين طريقة عيشه بمنأى عن أطماع ذيول الاستعمار والخونة الذين استولوا على خيرات البلاد. لم أكتف بهذا القدر من البحث والانصات لما يقال عن هذه الشخصية التي كان لها حضور وتأثير على مسار حزب الاتحاد الاشتراكي، بل انخرطت كمتعاطف مع الحزب لما كان يحمله من مشاريع تنموية جعلتني أحلم بمغرب مغاير تسود فيه المحبة والعدالة والعيش الكريم، فتابعت قصة هذا الرجل الذي أصبحت أفكاره نموذجا إصلاحيا على جميع المستويات، سواء منها السياسية أو الاقتصادية أو الثقافية... مع التركيز على إصلاح التعليم كلبنة ضرورية وأساسية اعتبرها مدخلا ومن أولويات بناء مجتمع بمقومات حداثية، وجدارا في مواجهة كل أشكال مظاهر التخلف. فرغم رحيل أو بالأحرى اغتيال المهدي بنبركة فإنني أعتقد بأن أفكاره الطليعية لا زالت تعيش وتحيى في كيان الشرفاء من هذا الوطن، وكما قيل «إن الأفكار تعيش وتحلق رغم كل القيود».