أثارت مواقع التواصل الاجتماعي في الأسابيع الأخيرة انتباه جل المتتبعين بعد نجاح مستخدميها في تحويلها إلى أداة احتجاج بحشد الشباب للتظاهر الفعلي سخطا على الأوضاع الاجتماعية والسياسية في بعض البلدان العربية. ويوجد تطابق في السن بين الشريحة الكبرى لمستخدمي المواقع الاجتماعية وبين غالبية المتظاهرين. فكلا الفئتين من الشباب. لهذا أفضل تسمية هذه المواقع بمواقع التواصل الشبابي. فإلى وقت قريب كان الكهول يجدون إحراجا في فتح صفحات شخصية لهم في تلك المواقع، كأن إحساسا يتولد فيهم بمحاولة الرجوع إلى عهد الصبا. علما أن موقع فايسبوك الذي يضم حاليا أزيد من 350 مليون مشترك، كانت بداياته بين صفوف طلبة الجامعات فقط. لكن ما سبب إقبال الشباب على مواقع التواصل تلك؟ الظاهر أن وظيفة تلك المواقع والمتمثلة في تمكين ذوي الاهتمامات المشتركة من التعارف هي ما جعل الشباب يتحلقون حولها للتعبير عن همومهم ومشاغلهم. مما يفيد قصور المؤسسات القائمة على أرض الواقع عن استيعاب حاجيات الشباب وتلبية طموحاتهم. فمواقع التواصل الشبابي لا تضع الحواجز بين تخاطب الذكور مع الإناث مثلا، ولا بين اليافعين ومن يكبرونهم سنا، ولا بين شباب هذه الدولة وشباب تلك. ناهيك بيسر التعامل معها، والإمكانيات التقنية الهائلة التي تتيحها لهم كتخزين المعلومات وعرض الصور وشرائط الفيديو الخاصة بهم وولوجهم الاختياري لغرف الدردشة والتحاور. وهذه الإمكانيات رفعت عدد مستخدمي مواقع التواصل إلى الملايين مما دفع حتى بالقنوات الفضائية ذات الشهرة إلى المبادرة بفتح صفحات لها بها سعيا منها لاستقطاب الشباب إلى برامجها. إلا أن سؤالين أصبح طرحهما ملحا بعد الأحداث والاحتجاجات الأخيرة، وهما: 1- هل تحولت تلك المواقع من التواصل الاجتماعي إلى التواصل السياسي؟ 2- إلى أي حد انتقلت إلى قناة مرور من العالم الافتراضي إلى العالم الفعلي؟ في ما يخص السؤال الأول، نجد الإجابة عنه جلية في الاحتجاجات الاجتماعية والسياسية التي حدثت في العديد من الدول العربية، وأدى بعضها إلى تغيير أنظمة سياسية ظلت قائمة لعقود. لقد أكد ما يسمى بشباب الفايسبوك مثلا، - وجله غير متحزب- أن لهم خطابا سياسيا يتجاوز في إدراكه للواقع خطابات الأحزاب والأنظمة السياسية القائمة، وأنه خطاب قادر على صنع التغيير. بل إن شباب الفايسبوك تمكنوا من تجاوز شتات صفوفهم في الشبكة العنكبوتية إلى التوحد على لوائح مطالب محددة ومدققة. بذلك تمكنوا أيضا من ابتكار خطاب قوي نجح في تعبئة وتحشيد وتحريض فئات واسعة من الشعوب يفترض فيها أنها لا تستعمل تلك المواقع، لكن ما كان ينقصها هو من يلتقط مطالبها ويحولها إلى شعارات موجهة للتنفيذ على أرض الواقع. وهذا الوضع صحح الصورة النمطية التي كانت شائعة عن الشباب العربي بكونه شبابا خاملا، يفتقد لثقافة الاحتجاج، ولا يركن سوى للخمول وتوظيف الإنترنيت لأجل التسلية والدردشات الشخصية والتلصص على ما يسمى بالمواقع المحظورة أخلاقيا. فبخلاف هذه الصورة، أكد شباب مواقع التواصل الاجتماعي نضجا سياسيا وثقافيا وقدرة على الاقتراح، ونباهة في قراءة التحولات، وذكاء في إدارة أساليب الاحتجاج تبعا للمعطيات وموازين القوى، لدرجة أزعجت العديد من الدول التي قامت بحظر هذه المواقع واعتقال العديد من ناشطيها، إدراكا منها لخطورة التي بات يمثلها عليها جيش من المستخدمين الشباب استوطنوا الشبكة العنكبوتية وأقاموا فيها ما يشبه دولا سياسية في المنفى. أما بالنسبة للسؤال الثاني، فإن ذات المواقع كافية للإجابة الصريحة عنه أيضا، بتأكيد أن الانتقال من العالم الافتراضي إلى العالم الفعلي لم يعد يحول دونه سوى خيط رفيع قابل للتقطع عند أول مبادرة محكمة. ورغم أن هذا الانتقال ليس جديدا، إذ سبق لهيآت وتنظيمات كثيرة أن وظفت الأنترنيت للإعلان عن مبادرات ولقاءات أخرجتها بالفعل لحيز التنفيذ، فإن ما حدث مؤخرا يختلف نسبيا. ذلك أن مواقع التواصل الاجتماعي لم تكن مجرد قناة تواصلية، بل مثلت أيضا فضاء لقاء وتجمع وحوار تنظيمي. ذلك أن مجموعات من الشباب المعني لم يكن بينها سابق تعارف أو روابط، بيد أنها التقت فعلا في تلك المواقع، وفيها أسست تجمعاتها ونظمت صفوفها وصاغت قوائم مطالبها لتخرج للوجود الفعلي. وهذه المؤشرات تفيد بوجود رسائل كثيرة على جهات عديدة أن تلتقطها: - جل قنوات الإعلام الرسمي المرئي والمكتوب فقد مصداقيته، وتأكد فشله في التعتيم على ما يجري من أحداث وباتت تلك القنوات بمثابة غربال فاقد للقدرة على حجب شمس الحقائق. - ثمة ثقافة شبابية جديدة متفاعلة مع وسائط الاتصال بالغة التقنية ومتفوقة على محتويات التكوين والتربية المقدمة في مقررات المدارس والجامعات. - تبين قصور التنظيمات الشبابية التابعة للدول أو للأحزاب أو حتى للمجتمع المدني، عن استيعاب هذه الأجيال الجديدة لشباب الإنترنت، مما يتطلب من تلك التنظيمات الشبابية المهيكلة الانفتاح على الثقافات الجديدة الناشئة وإبداع وسائل مغايرة للتواصل معها. - ما وقع في شهري يناير وفبراير زاد من شحذ ملكة النقد الاجتماعي عند الشباب، ورفع درجة الوعي الثقافي ذي الخلفيات السياسية عندهم، وزرع فيهم بذور مواقف احتجاجية ظلت خامدة لعقود. ومن المتوقع أن يرفع الشباب من وتيرة هذه الأدوات في مراقبة السياسات العامة ونقد ممارسات المسؤولين وسلوكهم وفضح ما يقد يمارسونه من فساد. - المؤمل أن يستفيد الشباب العربي من الجوانب الإيجابية لهذه المواقع، بعدما رأوا قدرتها على التأثير الاجتماعي والسياسي، وان يتفادوا توظيفها سلبيا في الدردشات الفارغة، أو الإدمان عليها بشكل يخل بواجباتهم والتزاماتهم في العمل أو في الدراسة.