لم يعد يفصلنا عن عيد الأضحى سوى أيام قليلة، حيث بدأت أجواء اقتناء أضحية العيد تأخذ نصيبها في التداول داخل الأسر، وأضحت الشوارع تعرض على جنباتها أدوات ولوازم عيد الاضحى كما تجلب انتباهك مرور الشاحنات المحملة بالأغنام متوجهة نحو المدن الكبرى كالدار البيضاء قصد بيعها هناك. «الحولي» وما يجب أن تتوفر فيه من مواصفات أبرزها الجودة والسلامة دفعت بالعديد من الاسر التوجه نحو مربي الأغنام بعيدا عن الأسواق حتى يتسنى لها معرفة مجموعة من الأمور من بينها «المرقد» مكان تواجد الكبش أو الخروف وأخذ فكرة عن الأعلاف المقدمة في اطار عملية التسمين ... ونظرا لأهمية الموضوع قامت جريدة الاتحاد الاشتراكي بزيارة لأحد الاسطبلات المتواجدة بمنطقة أولاد عمران وبالضبط بدوار أولاد خاوا, حيث تتم تربية الأغنام هناك، ولأجل ذلك كان لزاما علينا قطع ما يقارب مسافة 34 كلم انطلاقا من مدينة سيدي بنور في اتجاه الجماعة القروية أولاد عمران و منها الى دوار اولاد خاوا ، خلال هذه المسافة يشد انتباهك مجموعة من الفلاحين الذين يعرضون منتوجاتهم الفلاحية على قارعة الطريق (البطيخ – الطماطم – الدلاح – العنب...) وغيرها من المنتوجات الطازجة لذلك تجد مستعملي هذه الطريق من أصحاب السيارات و الشاحنات يقبلون على اقتنائها، الحرارة المرتفعة دفعت بالشباب الى الاستمتاع بالعوم في مياه السواقي التي مررنا بجوارها غير مبالين بالأخطار التي تحدق بهم وهم يقفزون فرادى و جماعات على طول السواقي ,بحثا عن برودة المياه في مقاومة حر الشمس... بعد حوالي 20 دقيقة من انطلاقتنا، وصلنا الى دوار أولاد خاوا حيث كانت قبلتنا منزل عائلة الأخوين رشيد وعبد الكريم ، هذا الأخير الذي وجدناه وسط مجموعة من الأشخاص كان يناقش مع كل منهم ثمن الأضحية التي اختارها من بينهم مهاجر بالديار الايطالية . عبد الكريم البالغ من العمر حوالي 32 سنة متزوج وله طفلان, له دراية كبيرة بتربية الأغنام وطرق تسمينها، فبعد مغادرته مقاعد الدراسة سنة 2002 اتخذ توجها في حياته يقضي بالاهتمام بالفلاحة وتربية الماشية ، لذلك ضاعف من مجهوداته قصد التكوين الذاتي و تطوير مهاراته الفلاحية ,خصوصا تربية الماشية التي تأخذ من وقته الشيء الكثير ، يقول عبد الكريم أنه يشتري الخرفان ستة أو سبعة أشهر قبل موعد عيد الاضحى ، من مناطق مختلفة كالرحامنة و الشاوية و دكالة ، مرتكزا على سلالة الصردي ، خلال هذه الفترة الزمنية يقوم بالاعتناء بها وذلك بتغذيتها تغذية جيدة تحفظ جودة لحومها ، خلال الاشهر الأولى يقوم برعيها في الحقول الزراعية الى حين قرب عيد الاضحى بثلاثة أشهر على الاقل وهي فترة يخضع فيها قطيع الأغنام الى عملية التسمين حسب برنامج مضبوط ,حيث تتم تغذيتها مرتين في اليوم حصة في الصباح و حصة في المساء ,تلزمه كل حصة ست ساعات تقريبا من الاشتغال و هي تتكون من المواد (الفصة – الذرة – الجلبان – الشمندر – الشعير – الفويلية – النخالة ) ، مواد يتم خلطها و تقديمها للخرفان ، كما أن المراقبة البيطرية تساهم في حماية الماشية من الأمراض,خصوصا منها المعدية حيث يخضع القطيع الى التلقيح أو ما يسمى ب «الجلبة» مرتين، وهو دواء يقي من الامراض و آخر يعطى كمشروب مع الماء بمعدل مرة واحدة في الشهر وهذا الدواء من أجل صفاء وجودة لحومها. عبد الكريم يقوم بنظافة وتطهير أماكن تواجد قطيع الأغنام المقسمة على أربعة محلات أو زرائب فالأول منعزل تماما و به الخروفات، و ثلاثة متقاربة واحدة منها فيها خرفان لا يتعدى عمرها ثلاثة الى أربعة أشهر وبجانبها أخرى فيها خرفان جيدة يتجاوز عمرها الستة أشهر وبينهما توجد زريبة بها أكباش يتجاوز عمرها السنة و كما يقال بلغة الفلاح «ثني»، هكذا ينظم عبد الكريم عمله الذي لا ينتهي عند هذا الحد, بل يمتد الى الحراسة الليلية خوفا من السرقة أو غيرها من الأمور وهو من كرس كل وقته ومجهوده في تحقيق نتائج إيجابيه تعود عليه بالنفع في حياته الاجتماعية وتحسين مدخوله المادي. ونحن نشرب الشاي ,التحق بنا رشيد وهو الاخ الاكبر للسيد عبد الكريم، وهو بالمناسبة أمين جمعية مربي الأغنام و الماعز مهتم بتنظيم سلالة «الصردي»، خلال رده على تساؤلاتنا أفادنا أنه يقوم رفقة أخيه بتربية ما بين 130 و 140 رأس غنم في السنة ,وهو عمل يتطلب مجهودا وصبرا في نفس الوقت، كما لم يخف قلقه من غلاء العلف وغياب الدعم ,خصوصا في مجال الدواء وعن أثمنة أضحية العيد و ما أعلنته وزارة عزيز أخنوش من وفرة أضاحي العيد و بأثمنة جد مناسبة 2300,00 درهم «أكد مستغربا بالقول» أثمنة الأعلاف ملتهبة ثم نقول أن الثمن في المتوسط هو 2300,00 درهم، لا أعرف كيف هو هذا الخروف؟...» ابتسم رشيد مركزا نظراته علينا ليستمر في حديثه بالقول «ثمن النخالة 2,70 درهم للكيلوغرام الشمندر 3,00 دراهم للكيلوغرام، الفويلية 6,00 دراهم للكيلوغرام الجلبان 6,00 للكيلوغرام الدرة 4,00 دراهم للكيلوغرام، الفصة 40,00 درهما للبالة، الشعير المدعم 2,00 دراهم للكيلوغرام هذه أثمنة الأعلاف التي تعطى للماشية, فتخيلوا معي كم سيستهلك الخروف الواحد في اليوم ,علما أن ثمن شراء الخروف الواحد من الأسواق لا يقل عن 1700,00 درهم وأن فترة تربيته تناهز بين ستة وسبعة أشهر اضافة الى فترة تسمينه وهي ثلاثة أشهر , ناهيك عن الدواء وأجرة البيطري دون اغفال واجبات التنقل والصنك ,هذا كله وغيره أعتقد أنه اجابة واضحة عن تساؤلاتكم بخصوص ثمن أضحية العيد...» قبل أن يشير بأصبعه قائلا «ذاك الخروف بعته ب 4200,00 درهم والآخر 3800,00 درهم وذاك المحاذي للحائط وهو أصغرهم ب 3200,00 درهم....» رشيد أكد لنا كون «المليح بحقو» و هي عبارة شائعة بيننا و تدل على أن الجودة لها ثمنها, غير أنها اشارة منه أن من يريد غير الجودة فليبحث عنها في مكان آخر ... لذلك حاولت و مرافقي أن نسأله بطريقة أخرى قصد امتصاص غضبه حول أثمنة أضحية العيد ليخبرنا أنه معروف لدى الجميع بعمله و نزاهته في تقديم الاعلاف الجيدة وليس تلك المغشوشة التي يستعملها عديمو الضمير ممن الفوا الربح السريع بناء على الاحتيال والكذب... وللتذكير بخصوص الأسعار, أكد بلاغ لوزارة الفلاحة والصيد البحري بأن التوقعات تشير إلى استقرارها، أو ربما تراجعها بشكل طفيف، مقارنة بأسعار السنة الماضية.. موضحا أن متوسط سعر الأضحية قد يتراوح بين 2200 و2300 درهم للرأس. اللحظة كانت مناسبة لشرب مزيد من الشاي بالقرب من قطيع الأغنام الذي تكسر «معمعاته» سكون المكان وفرصة لاقتناء أضحية العيد من عند السيد عبد الكريم وأخيه رشيد وشكرهما على ما يقومان به قبل توديعهما. «احضي راسك لا يفوزوا بك القومان يافلان» اذا كان عبد الكريم و رشيد يشهد لهما بالعمل الجاد والحرص على سلامة وجودة لحوم الاضاحي فان هناك فئة من المربين و«الشناقة» من وجدوها فرصة للاغتناء السريع وذلك باتباع طرق تسمين ممنوعة ,متجاوزين بذلك كل الأخلاق النبيلة التي يدعو لها الاسلام، وفي هذا الصدد أخبرنا سعيد البنوري الذي صادفناه بمدينة سيدي بنور ,أن هناك عددا من مربي المواشي يلجؤون الى أساليب مختلفة لتسمين الماشية، بغرض تحقيق الربح السريع على حساب أناس أبرياء، فهناك من يعمد الى إضافة بعض المواد الكيماوية إلى الأعلاف قصد تسمين مواشيهم، حتى يتسنى لهم بيعها بأسعار مرتفعة، ولو على حساب صحة المواطن، رغم أن هذه المواد تشكل خطورة على المواشي والإنسان على حد سواء، أو من خلال إضافة بعض المواد الغذائية المكملة من عقاقير طبية ومواد كيماوية إلى الأعلاف، وهناك من يستعمل الأعلاف الخاصة بالدواجن، من أجل تسمين الماشية في مدة لا تتجاوز الشهرين، بينما يتبع آخرون طريقة تسمين محظورة وهي عبارة عن أقراص ما يسمى ب «دردك» تذاب في الماء ثم توضع في العلف وكذا مادة الخميرة وغيرها من المواد المضرة بصحة الحيوان والانسان، يضيف سعيد أن غلاء الاعلاف من بين الدوافع الأساسية التي جعلت هذه الفئة تتعاطى لهكذا أساليب في تسمين أضحية العيد وكذا في جعل مدة التسمين قصيرة عكس طريقة التسمين العادية والتي تتطلب مدة زمنية أطول للحصول على نتائج جيدة، الطريقة والحيل الجديدة للتعجيل بعملية تسمين الخرفان لا تتعدى مدتها 45 يوما، ما جعل مجموعة من المحتالين الاعتماد على هذه الحيل في تحقيق الربح السريع، وهذه الطرق يكون من نتائجها اصابة اللحوم التي يتغير لونها ,و كذا مذاقها بل هناك من تفوح منه رائحة كريهة وفي هذا الصدد, فالعديد من الأسر المغربية اشتكت السنة الفارطة من الروائح الكريهة التي تفوح من لحوم الأضاحي مما أفسد عليها فرحة العيد وتذوق لذة اللحم، ويؤكد سعيد أن هذه الاساليب غير المشروعة يتم اللجوء إليها في الاماكن غير المراقبة، ونظرا لأنها كذلك، فإن صاحبها يتجه إلى تسويق منتوجه بعيدا عن المنطقة التي ينتمي اليها لا تعرف هويته، لأن «الغش» الذي اقترفه سيكتشف من طرف المشتري يوم العيد أو بعده و لذلك فأغلبهم ينقلون ماشيتهم إلى الأسواق والمدن البعيدة، هناك حيث لا أحد يعرف هويتهم ,علما أن الذين يتعاطون لهكذا احتيال ليس فقط مربو الماشية من الفلاحين ,بل هناك موظفون أيضا، يغتنمون فرصة عيد الاضحى لتسمين الخرفان بواسطة أعلاف مضرة رغبة منهم في تحقيق الربح السريع على حساب صحة وسلامة المواطنين، لذلك يضيف السيد سعيد بات على الجهات المختصة و المسؤولة على سلامة و صحة المواطنين القيام بالمراقبة اللازمة و محاربة هذه الفئات حماية للجيوب وجعل الجميع يحس بفرحة العيد و سعادته في تدوق لحوم جيدة. أكد بلاغ وزارة الفلاحة والصيد البحري أن الوزارة ستتابع عن كثب تموين الأسواق للوقوف على أسعار الماشية المعروضة ,خاصة في المحلات التجارية الكبرى، والأسواق القروية، ونقط البيع الرئيسية على مستوى المدن، والوقوف على الحالة الصحية للقطيع من طرف المصالح البيطرية التابعة للمكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، وهي مناسبة أيضا لدعوة باقي الجهات من سلطات محلية و لجن مراقبة وجمعيات تعنى بسلامة المستهلك ... تتبع عملية بيع أضاحي العيد مع رصد نقاط بيعها واتخاذ العقوبات الزجرية المناسبة في حق المتلاعبين بصحة المواطنين ممن لا هم لهم سوى الربح السريع.