يزخر التراث العربي بقصص وأخبار الأولين التي تم تدوينها، في كتب ومجلدات عديدة، متناولة حيوات أو أحداثا وقعت لهذا الشاعر أو هذا الأديب أو لذاك الوالي أو ذاك الحكيم أو هذا المجنون، أو هذا الطماع وذاك المحتال إلخ.. وهي قصص وأخبار انتمت في غالبها إلى الأدب العربي، الفصيح العالم منه، أو الشعبي، مما ظل الحكاة والرواة يرددونه في مجالس أنسهم، أويطالعه المهتمون بالأدب لإغناء قاموسهم اللغوي، لما تنطوي عليه بعض هذه القصص من مفردات مُفعمة بنداوتها الأولى وطراوتها البدئية، أو لما تشمله من عبر وحكم وأمثال أو لمجرد متعة القراءة والترفيه عن النفس. لذلك، اخترنا منتخبات من هذا التراث ليصاحبها القارئ الكريم، عله يجد فيها من البلاغة والفصاحة وحسن القول وسرعة البديهة، وخفة الظل والدم ومن مهارات الخطابة وأساليب المكر والحيل لبلوغ الغاية ومن الامتاع والمؤانسة، ما يملأ به وقته استفادة ومتعة. صخر كالوحل! حدثني سليمان بن عبد الله عن أبي العميثل مولى العباس بن محمد قال: تكاذب أعرابيان، فقال أحدهما: خرجت مرة على فرس لي، فإذا أنا بظلمة شديدة فيممتها حتى وصلت إليها، فإذا قطعة من الليل لم تنتبه، فما زلت أحمل عليها بفرسي حتى أنبهتها، فانجابت! فقال الآخر: لقد رميت ظبيا مرة بالسهم، فعدل الظبي يمنة، فعدل السهم خلفه، فتياسر الظبي، فتياسر السهم، ثم علا الظبي، فعلا السهم خلفه، ثم انحدر فانحدر حتى أخذه. قال: وحدثني التوزي قال: سألت أبا عبيدة عن مثل هذه الأخبار من أخبار العرب فقال: إن العجم تكذب أيضا فتقول: كان رجل نصفه من نحاس ونصفه من رصاص، فتعارضها العرب بهذا وما أشبهه. * عن المزهر في علوم اللغة وأنواعها للسيوطي