تمثل الشكاية التي قدمتها وزيرة الأسرة والتضامن، بسيمة الحقاوي، ضد جريدة «الأحداث المغربية»، قضية في منتهى الخطورة، ضد حرية الصحافة والنشر، ليس فقط لأنها تهم الحق في الخبر، بل لأنها تكرس عملية التأويل التحكمي للقانون، هذه المرة، من طرف وزارة العدل، التي نابت عن الوزيرة في الإقرار بمشروعية الشكاية. سيحتار الصحافيون والناشرون والحقوقيون والمتخصصون في قضايا الصحافة، لفهم مبررات قبول هذه الشكاية من طرف وزارة العدل، حيث أن ما نشرته بسيمة الحقاوي، نفسها، أنها بصدد البحث عن جهة ما في وزارتها، قامت بتسريب وثيقة تتعلق بنتائج البحث الوطني الثاني حول الإعاقة، وحتى تتوصل إلى هذه الجهة، لجأت إلى زميلها، وزير العدل، مصطفى الرميد، من أجل فتح تحقيق مع مدير نشر الجريدة المذكورة، الزميل المختار لغزيوي. الأمر في منتهى الخطورة، على عدة مستويات، الأول، هو اللجوء إلى فصول من القانون الجنائي في التضييق على حرية الصحافة، وهي الفلسفة التي تكرس التعديلات التي تم إدخالها على قانون الصحافة، حيث تم إضفاء الشرعية على متابعة الصحافيين بالقانون الجنائي، من خلال ترحيل فصول من قانون الصحافة لهذا القانون. الثاني، هو المس الخطير بحق الصحافة في البحث والتحري، وفي السبق الصحافي، من خلال حصولها الحصري، على وثائق ومعلومات، مسربة، وهذا من صميم عملها، إذ ما يهم العمل المهني، هو مصداقية المعطيات وليس كيفية الحصول عليها. الثالث، هو إخضاع مديري النشر والصحافيين للاستنطاق البوليسي، للاعتراف والوشاية بمن قدم المعلومات للصحافة، وهو مقتضى لا يوجد في أي قانون، حتى في القانون الجنائي نفسه. الرابع، هو أنه إذا تم تكريس هذا النهج، معنى ذلك أن على الصحافيين، طلب الإذن من الوزارات والمؤسسات العمومية، لنشر وبث أي خبر لم يتم تعميمه «رسميا»، ليتحول العمل المهني إلى مجرد رجع صدى لما تؤشر عليه الجهات الرسمية. الأمر يتعلق بأخطر انتهاك لحرية الصحافة، ولمبدأ تكافح المهنة من أجله، وهو حق الصحافي في الاحتفاظ بمصدره، وهو معمول به في عدد من البلدان الديمقراطية، وحتى في تلك التي لا تعترف به كلية، فإن الاستثناء الوحيد الذي يفرض فيه على الصحافي الكشف عن مصادره، يهم حصريا، قضايا الدفاع والأمن، ويحاط بكل الضمانات القضائية. ما قامت به وزيرة الأسرة والتضامن، وزميلها في العدل، فضيحة قانونية وحقوقية وسياسية، تكشف وجه التحكم الحقيقي، ولمن يريد التحكم حتى في الحق البسيط للصحافة، في تقصي الأخبار ونشرها.