«زفّت» وزارة الصحة يوم الإثنين الفارط 11 يوليوز 2016، خبرا «سعيدا» للمغاربة، بإعلانها عن «مواصلتها لتخفيض أثمنة الأدوية، تفعيلا منها للسياسة الدوائية الوطنية، بغرض تسهيل ولوج المواطنات والمواطنين للأدوية والمواد الصحية، ومن أجل التخفيف من عبء نفقات التغطية الصحية»، موضحة ما وصفته ب «قرارها القاضي بتخفيض أسعار 139 دواء، منها المستخدم في علاج الأمراض المزمنة، كأمراض الربو، وبعض الأمراض الالتهابية، والأمراض المُعدية، وأمراض الجهاز الهضمي، والأدوية الخاصة بتخفيض نسبة الكوليسترول في الدم، والمضادات الحيوية، إلى جانب بعض أنواع السرطانات»، مشيرة إلى «أن نسبة التخفيض في أسعار بعض الأدوية الخاصة بعلاج مرض السرطان مثلا وصلت إلى %19، إذ سينخفض ثمن أحد الأدوية المستعملة في علاج سرطان الدم من 994 درهما إلى 806 دراهم، إلى جانب الأدوية الخاصة بتخفيض نسبة الكوليسترول في الدم التي سيتقلّص سعرها بحوالي %45، إذ انتقل سعر بعضها من 122 درهما إلى 67.10 ده، وكذلك بعض الأدوية الخاصة بالجهاز الهضمي بحوالي %19، التي انتقل سعر أحدها من 65 درهما إلى53 درهما». «بشرى» هي بمثابة الحق الذي أريد به باطل، فوزير الصحة الذي أعلن عن الخطوة وعمل على تسويقها في اللحظات الأخيرة من الزمن الحكومي، كفتح جديد وما هو بالفتح، لم يكشف من خلال البلاغ الذي عملت على تسويقه وزارته، عن خلفيات هذا القرار والسياقات التي جاء في إطارها تخفيض أسعار 139 دواء، وبالمقابل مورس تعتيم ، عن سبق إصرار وترصد، بهدف ربط العملية ب «إصلاح» نظري لا يتوافق مع الواقع العملي، على اعتبار أن التخفيض الذي تم الإعلان عنه وتقديمه كإنجاز، هو عبارة عن خطوة روتينية تندرج في سياق مراجعة أتوماتيكية تتم على الصعيد العالمي، حيث تقوم شركات الصناعة الدوائية كل 5 سنوات بمقارنة أسعار الأدوية على المستوى المحلي بالسوق الدولية على مستوى الدول المصنعة للأدوية الأصلية، وبالتالي يتم تحيين الأسعار، وإن كان التخفيض لا يتجاوز 10 سنتيمات في الدواء الواحد في بعض الأحيان، أخذا بعين الاعتبار أن هناك أدوية ترفع عنها الضريبة عن القيمة المضافة، وبالتالي فإنها وبشكل تلقائي تعرف تراجعا في أثمنتها، هذه العملية التي كان يؤطرها ظهير يعود لسنة 1969 ، ثم احتكمت فيما بعد للدراسات المقارنة أو ما يعرف بالأمثلة الموازية بالدول الشبيهة «البنشمارك»، وبالتالي فالخطوة ليس فيها أي مستجد أو فتح مبين؟ بالمقابل النقاش الذي يجب أن يطرح وبكيفية جادة، يتعلّق بتمكين المواطنين من الأدوية بشكل سلس وبأسعار في المتناول ضمانا للحق في العلاج، مع الحرص على استمرارية الابتكار في مجال الصناعة الدوائية واستمرار حضور الدواء، خلافا لما نعيشه اليوم، إذ غابت عن السوق الدوائية مجموعة من الأدوية، كما هو الحال بالنسبة للصرع، على سبيل المثال لا الحصر، لمجرد أن ثمنها هو متدنّ وهامش الربح فيها هو غير مغر، الأمر الذي ينذر بعواقب وخيمة على صحة المواطنين إذا ما تم التشجيع على أن تتحول الأولوية إلى الاحتكام لمنطق الربح في استمرار حضور دواء ما من عدمه، إلى جانب معطى آخر يتمثل أيضا في حفظ وضمان استمرارية مداخيل الصيادلة والعاملين معهم، إذ يتعيّن العمل على بلورة خطط عمل، تحافظ على حقوق كل الأطراف والمتدخلين، واستحضار نماذج معمول بها في دول أخرى، كما هو الحال بالنسبة للجارة فرنسا، التي تعد مصدرا ملهما في عدد من خطواتنا، من خلال التعويض عن الوصفات الطبية بناء على معايير متفق حولها، ودراسة مدى إمكانية تطبيقها أو إبداع صيغ أخرى، وذلك لمعالجة الإشكالات المرتبطة حقا بسوق الأدوية بكافة تفرعاتها، عوض الاستمرار في تسويق الوهم على أنه إنجازات!