صدر، في العدد 32 لشهر يونيو 2016، من مجلة «زمان» استجواب مطول لعبد القادر البدوي عن المسرح والمسرحيين الذين يبدو أنه لا يحبهم كثيرا، ودون العودة إلى مساهمة أندري فوازان الذي كوّن خيرة نساء ورجال المسرح المغربي من غير أن يكون بالضرورة استعماريا، ودون العودة إلى أن مسرحية «الشطاب» ليست اقتباسا لموليير، لأن كل هذه النقط شرحتها بما يكفي في كتاب مفصل صدر عن دار توبقال سنتي 1997 و1998 في نسختين : بالعربية والفرنسية. ما أريد التأكيد عليه هو بعض الأخطاء التي وردت في حديث الأستاذ البدوي، والتي في اعتقادي واعتقاد كل المسرحيين الذين حضروا اللقاء، وهم مازالوا علي قيد الحياة، مجانبة للصواب. وقد أكد لي بعضهم مشاطرتهم لردي، واستعدادهم التام لتوقيع هذا الرد باسمهم جميعا. علما أن معد وصاحب البرنامج إدريس الإدريسي قد أعد رده الخاص في صفحته على الفيسبوك. أعتقد أن هذا يكفي كدليل على مصداقية ما أقول. 1 – فيما يخص الحاضرين، وبعكس ما ورد في ذلك الاستجواب، لم يكن البدوي رفقة الصديقي وعوزري، علما أنني شخصيا لم أحضر رفقة أحد. ولكن حضرت اجتماعا مع المغفور له الحسن الثاني بدعوة رسمية باسمي الشخصي. لقد كان من من الحاضرين الناقد والكاتب المسرحي والصحافي الحسين الشعبي، ومدير أول معهد عالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي أحمد بدري، ورئيس الجامعة الوطنية لمسرح الهواة عبد الحكيم بن سينا، ومعد ومصمم البرنامج إدريس الإدريسي. للتأكيد فهؤلاء لم يحضروا بأية صفة كانت معينة، بل نودي عليهم لمساهمتهم في البرنامج المذكور، مع خرق سافر، بتدخل أيادي خفية، تَمَثّل في حضور الطيب الصديقي الذي لم يشارك أصلا في البرنامج وقال على مسمع من الجميع أمام محمد طريشة وأمام إدريس البصري أن لا علاقة له بهذا البرنامج، أعتقد مخافة أن تكون هناك متابعات ضدنا، (هكذا كان ذلك العصر). 2 - الوزراء الحاضرون هم : مولاي أحمد العلوي وزير الدولة، إدريس البصري وزير الداخلية والإعلام، عبد اللطيف السملالي وزير الشبيبة والرياضة ومحمد بنعيسى وزير الثقافة. ما عدا هذه الأسماء لم يلاحظ أحدنا، باستثناء البدوي، وجود محمد الهلالي وزير التربية الوطنية. صور التلفزة شاهدة على ما أقول. 3 – تنظيم البرنامج التلفزي لم يأت، كما يقول البدوي، انطلاقا من نضالات. كل ما كان هو ولادة «اتحاد المسرحيين « الذي ازداد ميتا في رحم وزارة الداخلية. وكان الرئيس هو الطيب الصديقي ونائبه عبد القادر البدوي. أما البرنامج فقد أتى بمبادرة من إدارة التلفزة، ومن اجتهاد الأخ الإدريسي الذي فتح لنا مجال الحديث بحرية. في رده يقول الإدريسي أن الرقابة قطعت من البرنامج جملة واحدة كانت لعوزري هي أنني قلت «الدولة لم تفعل شيئا بالنسبة للمسرح». ما لم يقله الإدريسي هو أننا حين كنا على وشك دخول الديوان الملكي سألته هل كنت على حق حين قلت الدولة، ولم أقل الحكومة. 4 – بعكس ما قال البدوي، فعلا أكد لنا جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني ما معناه أن الدولة لم تقم بشيء يذكر إزاء المسرح والمسرحيين. فأجابه البدوي والصديقي في لهجة واحدة تشبه الكورال بما معناه، بالعكس كل شيء على ما يرام. وأضاف الصديقي بأن المسارح التي وعدتمونا بها خلال زيارتكم الميمونة لمدينة الدارالبيضاء قد شيدت كلها، فرد جلالته، بما معناه، وهل هذه المسارح تتوفر على تجهيزات تقنية في المستوى؟ فكان رد الصديقي نعم سيدي. فما كان عليّ إلا أن أصحح هذا الخطأ، وأقول لجلالته صراحة أن القاعات التي يتحدث عنها الصديقي فعلا موجودة شكليا، ولكن أغلبها لا يتوفر على ميزانية أو إدارة فنية أو برنامج، وأن الجماعات المحلية في أغلبها، كي لا أعمم، تستعمل هذه القاعات للاجتماعات بكل أنواعها ولأي شيء إلا المسرح. أنا قلت هذا الكلام سنة 1991، ربما سني جعلني أبالغ بعض الشيء، نحن الآن سنة 2016 يمكن أن نسأل اليوم الشباب الذي يبدعون فعلا أو يشتغلون : هل تغيرت الوضعية في مسارح الدارالبيضاء؟ وهل هناك بها ميزانية للإبداع والترويج وتجهيزات كافية و..و؟ 5 – بعكس ما يقوله البدوي، وبشهادة كل الحاضرين، لم يعين جلالة الملك أية لجنة ولا أي رئيس لها. كل ما قاله لنا جميعا، رحمه الله، ما معناه أعطيكم مهلة شهر لتأتوني بتصور عام على هذا التوجه الذي أعطيتكم. وكان يتوجه للوزراء والمسرحيين على حد سواء. 6 – ما حدث فيما بعد اللقاء الملكي، وهذا الأمر مهم جدا ذكره البدوي في سياق آخر، ويمكن لأخيه عبد الرزاق البدوي أن يؤكد ما أقول، هو أن الصديقي رفقة كل أعضاء «الإتحاد المسرحي» المتوفى قد عقدوا اجتماعا في بيته حضره كل أعضاء هذا الجهاز إلا نائب الرئيس عبد القادر البدوي، بينما حضر أخوه عبد الرزاق (كل الذين حضروا الاجتماع مازالوا على قيد الحياة، باستثناء عباس ابراهيم وادريس التادلي، يمكنهم الإدلاء بشهادتهم). ماذا كان موضوع الاجتماع الذي لم أحضره لأنني لم أكن عضوا ولا مسؤولا عن هذا الإتحاد، أخبرهم الطيب الصديقي أن وزارة الداخلية في شخص عبد السلام الزيادي وبعض مسؤولي الوزارة سيعقدون معنا (؟) اجتماعا غدا، وينبغي أن نكوّن لجنة لذلك. اقترح عبد الرزاق البدوي (وهو مازال حيا يمكن أن يؤكد ما أقول) أن تكون اللجنة من الطيب الصديقي وعبد القادر البدوي وعبد الواحد عوزري. فتزعم الطيب الصديقي رفقة بعض حوارييه الاعتراض على اسم عوزري لأنه متحزب (هكذا كان ذلك الزمان). فواجههم عبد الرزاق البدوي بحزم. من هنا فعلا طرد الصديقي عبد الرزاق من بيته، وليس كما ورد على لسان عبد القادر البدوي. فما كان من عبد الرزاق البدوي إلا أن يحتج على الطيب الصديقي بقوله «أنا لست في بيتك. أنا في اجتماع لنقابة لم تستطع أن تجد لها، أنت الرئيس، حتى مقرا». دخل الجميع في نقاش صاخب بعد أن غادر الصديقي الغرفة، واتفقوا في الأخير على أن يمثل المسرحيين في هذا الاجتماع بوزارة الداخلية : الطيب الصديقي وعبد القادر البدوي وعبد الواحد عوزري، بدون تحديد من هو الرئيس، علما بأن الصديقي هو رئيس الإتحاد المتوفى. من النوادر الغريبة أن أحدهم (أتحفظ عن ذكر اسمه اليوم) كلمني هاتفيا ليقول لي أنا لم أكن ضدك والدليل أنك إذا أردت سأبعث لك بالتقرير الكامل الذي أنجزته عن الاجتماع المذكور لوزارة الداخلية، (هكذا كان ذلك الزمان). 7 – حضرنا الاجتماع وواجَهْنا الصديقي وواجَهَنا، ولكننا خرجنا بخلاصة أن الصديقي لا تهمه إلا فرقته، وصرح بذلك علانية أمام مسؤولي وزارة الداخلية. مما جعل الذين كانوا يمثلون وزير الداخلية والإعلام يتوجهون إليّ وإلى عبد القادر البدوي بالقول لقد أعطاكم صاحب الجلالة، نصره الله، مهلة شهر فكونوا في الموعد، بدون تحديد أي رئيس مرة أخرى. 8 – انطلقنا في العمل الجماعي، بدون الصديقي الذي لم يكن يعقد لا اجتماعات سرية ولا علانية، كان يقول لمن يريد أن يسمعه أن البدوي وعوزري على خطأ، ما طلبه منا جلالة الملك هو تصور لفرقة كل منا. وفعلا في مدة أقل من شهر هيأنا التصور العام في جزئه التوجيهي بخط يدي، وفي جزئه المالي من إعداد عبد الرزاق البدوي، الذي مكث بوزارة الثقافة كل هذه المدة لإنجاز هذا التصور المالي. وقدمنا كل هذا العمل للسيد الوزير محمد بنعيسى برسالة أتوفر على نسخة منها من توقيع عبد القادر البدوي وعبد الواحد عوزري. قدمنا نفس الشيء للمرحوم عبد السلام الزيادي نيابة عن وزير الداخلية والإعلام، ولم نقدم شيئا للديوان الملكي، بعكس ما يقول البدوي. بقينا ننتظر إلى أن جاءت المناظرة الوطنية، وهذه قصة أخرى. بالمناسبة فالجزء التوجيهي من التصور العام كنت قد نشرته، سنة 2014، في كتابي الأخير «تجربة المسرح»، الصادر عن دار توبقال للنشر، ولم يحتج أحد على أنني سرقت كتابته. 9 – كون الصديقي اختفى هذا غير صحيح لأن الصديقي من اليوم الأول قال أن الأمر لا يعنيه وما يعنيه هو فرقته. 10 – أما أنا شخصيا فلم أظل مع أحد، ولكني كنت أرى أنني أقوم بمهمة مولوية انتهيت منها، ومن حقي أن أقوم بما شئت فيما بعد. أما الذي تهمه سيرتي الذاتية، ولو أنها علنية غير سرية، فإنه بعد سنتين من هذا الأمر رحلت لفرنسا لأتمم مناقشة رسالتي الجامعية (من سنة 1993 إلى سنة 1995) بعدها كنت مديرا لمهرجان الرباط (من سنة 1996 إلى سنة 1998)، ولم ألتحق بالإتحاد الأوروبي، بعكس ما ورد في حديث البدوي، إلا سنة 1999 حيث اشتغلت بالرباط ثم الجزائر كمستشار ثقافي إلى حدود سنة 2006، لألتحق بالشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة سنة 2007. في كل هذه المراحل وحتى اليوم عناويني وتليفوناتي معروفة ويتصل بي من يشاء، لأنني لم أختف ولم أغادر أحدا، عكس ما قيل. 11 – قد يصح أن الرسالة الملكية لم تطبق هكذا حرفيا، ولكن روحها طبق على أبعد مستوى بفضل العديد من المبادرات. نذكر من بينها مثلا : الدعم المسرحي الذي بدأ مع الوزير محمد الأشعري، واتخذ اليوم مع تعاقب الوزراء آفاقا واعدة. حين كنا نشتغل بالأمس كنا ننطلق من صفر درهم، أما الفرق الجادة للشباب اليوم فتتوفر، ولو نظريا، على كل الإمكانات لتتطلع لكل أصناف الدعم والتشجيع، رغم كل الصعوبات لأن هذه الممارسات جديدة على دواليب الدولة التي عودت بعض المسرحيين على سياسة الريع وانعدام الشفافية. إصدار بطاقة الفنان، التي ستصبح تدريجيا ضرورية لكل خطوة فنية. تأسيس التعاضدية الوطنية للفنانين، التي لم يعد أحد ينكر أهميتها ودورها في منح التغطية الصحية للفنانين الذين لا يتوفرون عليها، نظرا لظروفهم المهنية. اهتدت أهم الجماعات المحلية إلى بناء دور للثقافة لها ما يكفي من مؤهلات قاعة للعرض مقبولة ومجهزة. دون الحديث عن الجيل الجديد من المسارح الكبرى التي تشيد اليوم، تحت الإشراف المباشر لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، في كل ربوع المملكة (الرباط، الدارالبيضاء، وجدة، المضيق، طنجة...). كل هذه المسارح تتوفر على مواصفات دولية، لم يعرفها المغرب من قبل، ولا تطلب منا كمسرحيين إلا تطوير إبداعنا، لنكون في مستوى الإنجازات الكبرى للعهد الجديد.