وطار المهدي إلى جنيف ، ورأسه المدفون في قبعة كبيرة –قبعة التخفي- يمور بأسئلة شتى.وفكر في كتابة حصيلة دراسية للوضعية الاقتصادية والاجتماعية بالمغرب يستخلص منها العبرة ويوجهها «لمن يهمه الأمر».وهنا حصل أمر مدهش: جاءته رسالة عاجلة بالضبط ممن يهمه الأمر يطلب منه –باعتباره تلميذه القديم- العودة لأن لديه (أي الملك) معادلة يريد حلها لصالح المغرب.كان حامل الرسالة هو ابن عم الملك مولاي علي السفير في فرنسا وناقلها هو عبد القادر أخ المهدي. وتم اللقاء مع الرسول في بيت عبد القادر في فرانكفورت يوم 25 أبريل. »- ارجع ،قال مولاي علي للمهدي،إنه عهد جديد يبدأ،وجلالته يريدك إلى جانبه وهو ينتظرك. - حسنا،أجاب المهدي،ما دمتم أنتم الذين قدمتم،وما دام أن جلالته هو من طلب الأمر فقولوا له بأنه خلال الخمسة عشر يوما القادمة سأرجع « . وطار المهدي إلى أكرا-عاصمة غانا- ليحضر أشغال المؤتمر الرابع لمنظمة التضامن الأفريقي-الأسيوي.وهنا –بالضبط في وينيبا القريبة من أكرا- تقرر توسيع دائرة التضامن لتشمل أمريكا اللاتينية،كما تم بالإجماع انتخاب المهدي بنبركة رئيسا للجنة التحضيرية المكلفة بالإعداد لإنجاز هذا القرار التاريخي. مقال السارد: انقضى شهر ماي...شهر كل الآمال الصغيرة والكبيرة التي بدأت تطفو وتكبر. وحل شهر يونيو...شهر كل الضربات التي بدأت تطلع وتهوى من تحت ومن فوق: اليوم السابع: إعلان حالة الاستثناء في المغرب. اليوم التاسع عشر: انقلاب في الجزائر ضد بنبلة. ثم هناك اللغز المحير الذي يشعل كل وسائل الإعلام العالمية: أين اختفى الكوماندنتي إرنستو تشي غيفار منذ مارس؟ وكيف اختفى؟ ولماذا اختفى؟ الحادث الأول أغرق إدريس في كآبة عميقة وجعله يكتب هذه «الخاطرة» العجيبة: «تنبثق وتنمو أحلام بحجم الروح التي لا يحدها حد لتواجهها على الفور وقائع بحجم تاريخ له حد.فيا مكر التاريخ ويا خيبة من لا يأخذون هذا «المكر» بعين الاعتبار «. أما المهدي –وحسب شهود عيان- فقد تلقى خبر الحادث الثاني بالخصوص ببرودة أربكت هؤلاء الشهود العيان أنفسهم. وفي الليل لما خلا إلى نفسه-وهذه واقعة لم يشهد عليها شاهد بعينه- راح يتأمل سيل الضربات التي تلقاها وهو ما يزال واقفا (آراسي شلا ما داز عليك وباقي) ويغمغم لنفسه:إن الضربات هي مثل السم إما أنها تقتل الجسم أو هي تقويه. وتمثلت في ذهن المهدي صورة الكوماندنتي غيفارا فلم يتساءل مثلما يفعل الجميع عن غيابه...فهذا النوع من الرجال لا يغيب ولكنه يجدد حضوره.مثلما يجدد المسلم وضوءه. وتذكر أنه سمع الرجل نفسه يقول ويردد هذا القول العجيب: كونوا واقعيين: اطلبوا المستحيل. مقال السارد: نجح المهدي في إقناع الصينين والسوفياتيين وانتزاع وعدهما بالحضور في مؤتمر القارات الثلاث في هابانا.وبقيت مسألة تحديد التاريخ التي ينبغي أن يناقشها –المهدي- مع الرئيس فيديل كاسترو. وجاءت إشارة من المغرب بأن الحوار لم ينقطع تماما ولا تزال هناك إمكانية للعودة ووصل ما انقطع. فسافر عبد القادر إلى المغرب ، والتقى بوعبيد بالمهدي في باريس.لكن تبين بالملموس أن جهات معينة تعمل في السر وفي العلن في اتجاه فرض القطيعة التامة.فلقد احتجز عبد القادر وحبس أسبوعا بتهمة ملفقة. ولما أفرج عنه –أخيرا- نصحه مولاي علي –ابن عم الملك والسفير في فرنسا- بمغادرة البلد فورا.ورغم ذلك فلد كان عبد الرحيم متفائلا في لقائه مع المهدي.