عهد الملك الحسن الثاني كان عهد ملكية سلطوية تتزاوج فيها صورة الحاكم مع صورة الإمام، إنه أمير المؤمنين الذي يترسخ في قلب الزمن كسلطة دينية في سياق تنتقد فيه الحركات الإسلامية الناشئة النظام وتدعو إلى قيام »خلافة ثانية«. أما الأحزاب السياسية العلمانية التي كانت في السابق ترفض هذا الجانب من السلطة، وترى فيه علامة على »استبداد قروسطي» بدأت تعترف به بل وتدافع عنه بقوة على أمل ضمان تمدين الحقل السياسي الحزبي. إن هيمنة الملك على الحقل الديني والذي يتوخى عزل القوى السياسية الإسلامية المعارضة يقود بالضرورة إلى تثبيت وتقوية وضع الملك كأمير للمؤمنين. ملك وأمير المؤمنين هما وجهان للملك كما أعاد بناءها الملك الحسن الثاني في مغرب ما بعد الاستعمار، وتتجسد إن رمزيا على مستوى اللباس من خلال ارتداء البزة العسكرية أو اللباس الأوربي من جهة، والجلباب والطربوش (الفاسي) من جهة ثانية، وهنا تكمن خصوصية الملكية المغربية. وهذا الكتاب يحاول تتبع نشأة هذه الملكية كما أعاد الملك الحسن الثاني ابتكارها... في الحقيقة، الدين لم يكن في يوم من الأيام غائبا في الاستراتيجية السياسية للنظام في المغرب، فقد سبق أن أشرنا إلى تداخل الدين والسياسة في نظام السلطنة المغربية ، فالحاكم السلطان في هذا النظام هو في نفس الوقت رئيس الدولة وأمير المؤمنين، وبهذه الصفة فإن مجال الدين جزء من مجالات الخاصة.والعلماء الذين كانوا يمتلكون هذه السلطة في عهد المغرب التقليدي، تم توظيفهم وتطويعهم في نظام تراتبي هرمي يرأسه ويراقبه الملك نفسه كرئيس أعلى للعلماء (الفصل 41 من الدستور). على المستوى السياسي لم يهمل الملك محمد السادس هذا الوجه من الملكية لكونه احتفظ بصفة أمير المؤمنين الساهر على احترام الإسلام. فالسياسة الدينية المتبعة من طرف النظام في بداية سنوات 70 لا تشكل قطيعة بل تغييرا ضمن الاستمرارية، تربط من جهة بين تقليد الملوك العلويين في هذا المجال ،وتعطي للبعد الإيديولوجي للإسلام حيوية سياسية لاشك فيها في سياق وضعية صراع على المواقع الإيديولوجية. ذلك أن السياسة الدينية للنظام في المغرب مرت عبر عدة مراحل، وعرفت كذلك العديد من التصحيحات والملاءمات وفقا للظرفيات. وأهداف المرحلة سياسية لا تخلو من بعض التناقضات، لكن استمرارية المبادئ التي تنهل منها، إضافة إلى الوزن المتزايد أكثر فأكثر للدين في النظام السياسي المغربي تسمح بالكلام عن أصولية دولة في حالة الدولة المغربية، فالحاكم المغربي يتبنى هذا التوصيف كلما تعلق الأمر بالتطرف، والخلاف بين هذا التيار الديني والأصولية التي يؤكده انتماءه إليها. وبهذا الخصوص، أكد الملك الحسن الثاني في حوار مع مجلة «la revue des deux mondes» عدد أبريل 1986 أن "التشدد شيء والأصولية شيء آخر، عندنا عندما نقول فلان أصولي فهذا يعني أنه رجل فقيه عالم في الدين الإسلامي، أما أن يقال فلان متشدد فذلك لا يعني شيئا آخر سوى أنه رجل غير متسامح، متعصب، وهكذا فالمتشدد رجل لا يرى سوى الشكل ويشوه المضمون، والأصولي هو ذلك الذي يبحث عن فلسفة كل قاعدة تم إقرارها، وكما تعلمون هناك القانون وهناك فلسفة القانون هناك التاريخ وهناك فلسفة التاريخ... من السهل في ديننا أن تكون متشددا أو أصوليا، لأنه لا وجود للعلمانية، الدين يغلفنا ويحدد أحوالنا الشخصية وقواعد الالتزامات والعقود، البيع، الرهن، الكراء، المبادلة، بطبيعة الحال أدخلنا عليها أشكالا جديدة ولكن إذا نظرنا إلى قواعد القانون المدني الفرنسي المتعلق بما ذكرت لكم قبل قليل، فهي ليست مختلفة عن قواعدنا، وبالتالي من السهل جدا بالنسبة لمشعوذ أو جاهل أن يكون متشددا لأنه يكفيه فقط أن يكون شكلانيا، وكما تعلمون من السهل على شخص أن يحفز الأميين على تصديقه، وبالتالي، الأغلبية أميون، هناك أشخاص يعرفون القراءة والكتابة ولكنهم يبقون أميين، أنا أصولي لأنني لا أتخلى عن الركائز الأساسية التي تشكل ركائز ديانتنا، بالمقابل أنا لست متعصبا وحتى كلمة متشدد أجدها غير دقيقة، لأن الإسلام لا يمكن تجزيئه، وبالتالي أعتقد أنه يجب استعمال كلمة متعصب أو جاهل. الأصولية تأخذ الإسلام كما هو دون تجزيء أو تقسيم، الإسلام كل لا يتجزأ و لا يمكن ممارسته إلا في كليته، وبالتالي أعتبر جميع المسلمين السنيين مثلنا يعتبرون أنهم مسلمون فإنهم يأخذون الإسلام في مجموعه، ليس لنا خيار، وبالتالي نحن أصوليون." إن النهج الإصلاحي للدولة في المجال الديني جانب أساسي من المسألة الدينية بالمغرب؟ أولا لأن هذا الإصلاح يندرج في سياق استمراريته التاريخية بالمقارنة مع مختلف التعبيرات السياسية للإسلام في هذا البلد، ثم لأن مختلف القوى السياسية في البلاد سواء كانت دينية أو علمانية، تتموقع وفقا لهذا الإصلاح الديني المتمحور حول شخص أمير المؤمنين. وفي السياسة الدينية للسلطة في المغرب، يمكن أن نلاحظ شقين:الأول يتعلق بمسلسل هيكلة الحقل الديني والتالي يتعلق بالاستعمال الإيديولوجي للإسلام. وقد قادت هيكلة الحقل الديني إلى إرساء ميزان قوة جديد بين الفاعلين في الحقل الديني رسخ الملك، كأمير للمؤمنين وإمام، بصفته السلطة الدينية العليا التي يرتبط بها الرجال وأيضا المعنى الشرعي للعقيدة. هذه الهيكلة بدأت غداة الاستقلال من خلال تحويل العلماء إلى موظفين وتطويع الزوايا، وتستمر هذه الهيكلة حتى أيامنا هاته عبر إنشاء بنية دينية هرمية حيث يتحرك ويتفاعل رجال الدين تحت سلطة الحاكم وذلك من خلال مراقبة رجال الإدارة التابعين في نفس الآن لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ووزارة الداخلية، هذا الشق يرتبط بما يسميه الأستاذ محمد الطوزي "احتكار العقل الديني" بمعنى فرض سلطة الملك كإمام وأمير للمؤمنين بمعنى آخر كمصدر وحيد للسلطة والعقيدة الشرعية.