أكّد عبد الحميد جماهري، عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي، أنه لا يمكن إنجاح الانتقال الديمقراطي في المغرب برسائل العشاق، منتقدا تخلي رئيس الحكومة، عبد الإله بن كيران عن كل الصلاحيات التي منحها إياه دستور 2011، بدعوى عدم المواجهة مع جلالة الملك، والحال أن المؤسسة الملكية دعته إلى تفعيل اختصاصاته في العديد من المواقف وبشأن جملة من القضايا، مشددا على أن التأسيس للديمقراطية لم تكن يوما أولوية بالنسبة لرئيس ، وهو ما تؤكده تصريحاته، وممارساته بن كيران وبالتالي فالأولوية بالنسبة له تتمثل في التطبيع مع المؤسسة الملكية ، كما لو أن الأمر يتعلق »باندماج« بين كيانين!. وأوضح جماهري الذي حلّ ضيفا على كل من فرع الفداء وفرع مرس السلطان للحزب بالدارالبيضاء، مساء السبت 18 يونيو، لتأطير عرض حول «عوائق الانتقال الديمقراطي ما بعد دستور 2011»، كيف أن جزءا من «النخبة السياسية في المغرب راهن على أن العدالة والتنمية سيكون أكثر استقلالية أمام القصر مما سيساعد على موجة ثانية من الإصلاحات، لكن العكس هو الذي وقع»، مستنكرا عدم الاستفادة من التراكم الذي تركه التناوب والثقة التي أسسها الاتحاد الاشتراكي والكتلة ،من خلال تصويته بنعم على دستور 96، والدخول للحكومة في 98، والاتفاق مع الملك محمد السادس للذهاب إلى الأمام، مشيرا إلى أن كل ما عاشه المغرب في مساره أغفله بن كيران، وقرر إعادة الانطلاق منذ البداية. ومن جهة أخرى، قال جماهري إن جزءا من «القوى السياسية عجزت عن خلق خطاب جديد قادر على التعبئة داخل المجتمع وإعطاء نفس جديد للاستراتيجية الديمقراطية في البلاد«، مؤكدا أن هناك قوى تعتبر« امتدادا لمخاوف الدولة التي من المفروض أن تكون انتهت قبل 9 مارس لكنها ظلت حاضنة لدولة ما قبل دستور 2011 عوض أن تكون قوة دفع». وأوضح مدير تحرير يومية الاتحاد الاشتراكي، أن السياق العام الذي يتم الحديث ضمنه وفيه، «لا يسمح بنقاش هادئ حول مآلات الانتقال الديمقراطي خاصة والمغرب، اليوم على عتبة استحقاقات نيابية، وأول ما يقتضيه ذلك وجود قواعد لعب واضحة متفق عليها وناضجة بما يكفي، تستطيع أن تعطي لكل فاعل سياسي ما يستحقه، وتحديد وظيفته ودوره»، وعن سوال حول ما إذا كانت هناك« استراتيجية موحدة في الانقتال الديموقراطي يمكن تطبيقها على جميع المجتمعات والأنظمة السياسية من عدمها»، دعا الى «تكييف متطلبات وانتظارات كل مجتمع ارتباطا بموضوع الانتقال الديمقراطي«. وشدّد عضو المكتب السياسي، على مبدأ جوهري يتمثل في «ضرورة احترام المبادئ والتعليمات العامة التي لا يمكن بدونها الحديث عن ديمقراطية، وهي فصل السلط، ووجود حكومة منبثقة عن اقتراع شعبي، قادرة على تطبيق سياسات عمومية، متطرقا إلى مقاربة ثانية ترتبط بوسائل تنفيذ المبدأ الأول، التي اعتبرها مرحلة تصل إليها كل المجتمعات على حدة، ويمكن تكييف وسائل لتنزيل المبادئ العامة للوصول إلى الديمقراطية»، مضيفا أنه في حال «تحقّق وجود حكومة ومؤسسات مستقلة نابعة من إرادة شعبية تعطيها المسؤولية وتقدم الحساب لممن انتخبها بقضاء وإعلام مستقلين، وبرلمان له بالفعل سلطة تشريعية، آنذاك يمكن الحديث عن انتقال ديمقراطي». وأوضح جماهري أنه قد يبدو «من المبالغة بعد الاحتفاء بدستور 2011 أن يتم الحديث عن عوائق، على اعتبار أن التقدير العام، سياسيا، اجتماعيا، حقوقيا، اتجه إلى أن فترة 2011 كانت ناجحة بالنسبة للمغرب لأنه لم يسقط في حلول الاستحالة السياسية، وأوجد حلولا سلمية للخلافات السياسية التي اعترضت دولا أخرى، مؤكدا أن ظروفا سبقت 2011 منذ التصويت على دستور 96 وحكومة 98، حيث اشتغل المغرب بنص دستوري ضمن أفق سياسي محدود وإن كان متطورا نسبيا«، وأضاف «أنه إلى حدود 2010 كان السائد في التحليل السياسي أنه ليس هناك أحسن مما هو موجود في هذه الأوضاع، متحدثا عن 2002 وعن ضرب المنهجية الديمقراطية وعودة القبضة الأمنية، موضحا كيف أن الاتحاد الاشتراكي ظل يدفع ثمن الأزمات داخل النظام السياسي إما بالانشقاق أو الانسحاب أو عبر تكملته للحسابات السياسية لحلفائه». عرض عبد الحميد جماهري، تطرق كذلك للإصلاح الدستوري في 92 ثم 96 الذي وصفه بكونه استنفذ كل صلاحياته في 2002، موضحا أن المد الذي أطلقه تناوب 96 بدأ في التراجع بعد 2001، وظهور أزمة ثقة بين الدولة والأحزاب الوطنية التي تكرّست في 2002 و 2007 ، حيث شرع الاتحاد في التفكير في جيل جديد من الإصلاحات، وأشار المتحدث، كيف أنه في 2011 ولأول مرة في تاريخ المغرب، وعوض انتظار إصلاح هرمي من القمة إلى القاعدة، كانت المطالبة بالإصلاح من القاعدة من خلال حركة 20 فبراير، مبرزا كيف أن هذا المعطى «فرض على الدولة والمؤسسة الملكية التفاوض مع الشارع المغربي، بل التفاوض عبر تدبير الشارع العربي أيضا في تونس ومصر وليبيا». وخلافا لما كان متوقعا من أن تكون «المبادرة من داخل القوى السياسية ليكون لها هامش أوسع لإدخال بند ظل غائبا في المغرب منذ الثمانينات هو الإصلاح السياسي الواسع، تجسد العطب في أن يعيش المغاربة مرة أخرى إصلاحا من القمة». وأوضح جماهري، أن «الإصلاح حين يكون من فوق يكون له ثمن، إذ أن الفئات التي لا تشارك فيه تكون مضطرة لانتظار مركز الدولة ليملي عليها ما تفعل، وبالتالي ضعف منسوب استقلالية القرار عند الهيئات غير المشاركة في الإصلاح»، مشيرا أن «كل عناصر الحداثة مجسدة في المرأة، اللغة، المصالحات، الإثنية ... كانت حاضرة، لكن بدون إصلاح ديمقراطي، إذ غاب فصل السلط، الإعلام القوي، وغيرهما»... ومن الأعطاب القائمة كون« الحقل السياسي المغربي لم يستقر بعد، وذلك من خلال الخروج من قواعد لعب قديمة والدخول في قواعد لعب جديدة، وبالتالي فالمغرب وبعد 50 سنة لم يستطع أن يضع قواعد لعب متفق عليها»، مشيرا كيف «أن قوة مجتمعية تفرض نفسها وهي العدل والإحسان لا يتم التعامل معها، والتفاوض معها»، مما اعتبره أحد عناوين الأعطاب المتعددة، إلى جانب العطب الثقافي، وغيره، مما يؤكد صعوبة الانتقال الديمقراطي. وأكد جماهري أن «المغرب يعيش خطر السير نحو انتقال بدون ديمقراطية إلى الوراء بشكل ماضوي»، مؤكدا بأن المغرب يعيش اليوم ولأول مرة تناوبا بدون بديل، متسائلا عن البديل لمن يحكم اليوم المُطالَب غدا بالتأسيس لدورة سياسية، مشددا على أن الانتقال الديمقراطي ينجح عندما يتم الدخول في السلاسة الديمقراطية. وختم جماهري العرض بالتأكيد على أن الحكومة أشعلت الجبهة الاجتماعية، وبأن جميع التصريحات والالتزامات هي بنود اتفاق لتبرير ولاية ثانية على حساب تفكيك القضايا الاجتماعية، مشددا على أن المغرب سيكون أمام سنوات عجاف صعبة. (تغطية الزميل وحيد مبارك)...