ظاهرة الولائم التي يقيمها بعض رؤساء الجماعات للأعيان والبرلمانيين والسلطات المحلية بمجموعة من المدن المغربية ، بسبب أو من دون سبب ، لا تعد ولاتحصى. ولائم انتخابية بامتياز ، جلسات عمل لمناقشة قضايا لا يحلو التداول بشأنها إلا في حضرة المشوي و البسطيلة والفاكهة مما يتخيرون ولحم طير سمان أو حمائم أو دجاج مما يشتهون. موائد يؤمها المدعوون من كل حدب وصوب ولو كانت على بعد مئات الكيلومترات ، كل شيء ممكن ، فسيارة المصلحة و "بونات" الوقود متوفرة والأصل أن دعوة الأحباب لا ترد في وجوههم والمدعوون إلى مثل هذه الموائد ينتقون بطريقة لاتسمح لمن لايليق بالمقام أن يحضرها حتى لا يعكر صفو الجلسة «الخلوة». هكذا إذن تسير أمور الموطنين بمجموعة من الجماعات ، عن طريق جلسات المشوي والمبخر وما إلى ذلك ، لقد اعتاد رؤساء بعض المجالس على تنظيم موائد « الغفران » لأعضاء مجالسهم عشية دورات المجلس استجداء لأصواتهم قبل وبعد انعقاد هذه الدورات احتفالا باختتامها من دون «وجع الراس» . ظاهرة كانت و لاتزال سائدة في أغلب المجالس ، فالفرق واضح بين الذي يناقش قرارات المجلس ورائحة الدسم تفوح من فمه عندما يهم بالحديث والذي أصيب بالتخمة من كثرة الأكل فيكتفي بالركون إلى الصمت وقت المناقشة والاكتفاء بالمصادقة على أي شيء يقترحه «المايسترو». الفرق واضح بين من يناقش وهو « جوعان » وبين من يناقش وهو «شبعان حتى التخمة » ، ولأن المغاربة يعرفون جيدا أن « الكرش منين كا تشبع كاتقول للراس غني » فلاعجب أن يرتفع صوت الغناء بالمديح والمباركة والتأييد خلال دورات المجالس ، لاعجب أن تمر دورات بعض المجالس في لمح البصر والتباهي بذلك أمام الجميع. ولائم أخرى برزت على السطح خاصة هي ولائم روحية بامتياز - لاعلاقة للروحية هنا بالجانب الديني - فهناك من لايغني رأسه حتى ولو شبع البطن ، هناك من هو بحاجة إلى أوركسترا خاصة ليغني صبيحة الدورة ولأجل ذلك لابد من جلسة بألوانها المتعددة ، لا يهم المكان، لكن المهم أن الراس خاصو يغني) هذا هو واقع التسيير في مجموعة من جماعاتنا، بلدية أو قروية ، هذا هو واقع الحال وحقيقة التدبير المحلي والحكامة المحلية، واقع لم تتطرق إليه المواثيق الجماعية التي عرفها المغرب ، واقع يفسر حالة الفوضى والارتجال والتسيب في مجموعة من المدن المغربية لدرجة أن البعض منها تجاوز الخطوط الحمراء في التأزم ، واقع تسبب فيه "المال الحرام" وتدخلات بعض رجال السلطة من رواسب الماضي، واقع يزكيه انعدام المراقبة والتتبع ، وكيف لهذه المراقبة أن تتم والحال أن من يفترض فيه أن يراقب يحل ضيفا عزيزا مكرما على مجالسهم بأنواعها؟ إنه العبث، قمة العبث، أن تترك الأمور على شكلها الحالي في ظل المسار الذي يعرفه المغرب، العبث كل العبث أن تصبح بعض مدننا وجماعاتنا رهينة المشوي والبسطيلة، العبث كل العبث أن تعقد الدورات والاجتماعات والروائح «الروحية» تنبعث من الأفواه «المكممة» ! العبث كل العبث أن نتركهم يعبثون بمستقبل مدننا...