المغرب وكوريا الجنوبية يسرعان مفاوضات الشراكة الاقتصادية    أسباب الأزمة بين مالي والجزائر: الحقيقة وراء النزاع حول تينزاواتن    نقابات تدعم "إضرابات الزنزانة 10"    بوريطة يجري مباحثات في واشنطن    وزارة التشغيل تخرج عن صمتها وتوضح بشأن عملية الاختراق    سلطات ميناء طنجة تنفي علمها بعبور سفينة أسلحة لإسرائيل    الرباط.. وزير الداخلية يستقبل نظيره الغامبي    الدولي المغربي رومان سايس يستكمل بروتوكول علاجه بالمغرب    الوزير قيوح: المغرب يعزز أمنه الجوي ويقود جهود التعاون الدولي لمواجهة التحديات في مناطق النزاع    بعد هاشتاع كلنا سلمى .. النيابة العامة تأمر بفتح تحقيق عاجل    رسوم ترامب ضد الصين ترتفع إلى 104%    لليوم الثاني.. مظاهرات طلابية بالمغرب دعما لغزة ورفضا للإبادة    توقيع اتفاقية لتعزيز تجهيزات مقرات الأمن بكل طنجة وتطوان والحسيمة    منخفض "أوليفيي" يعيد الأمطار والثلوج إلى مختلف مناطق المملكة    توقيف شخصين يشتبه تورطهما في حيازة وترويج المخدرات والأقراص المهلوسة    المصادقة بجماعة دردارة على نقاط دورة أبريل والسبيطري يؤكد منح الأولوية للمشاريع التنموية    أنشيلوتي : هدفنا التأهل ولا مجال للتراجع أمام أرسنال    أخبار الساحة    خطوة واحدة تفصل نهضة بركان عن نصف نهائي كأس الكاف    الوكالة المغربية لتنمية الاستثمارات والصادرات تتوج في حفل توزيع جوائز AIM Congress 2025    «طيف» لبصيرو «مائدة» العوادي يتألقان في جائزة الشيخ زايد للكتاب    في افتتاح الدورة 25 لفعاليات عيد الكتاب بتطوان: الدورة تحتفي بالأديب مالك بنونة أحد رواد القصيدة الزجلية والشعرية بتطوان    وزارة مغربية تتعرض لهجوم سيبراني من جهة جزائرية.. وتساؤلات حول الأمن الرقمي    شبكةCNBC : مايكروسوفت تفصل المهندسة المغربية ابتهال لرفضها التعاون مع إسرائيل    الشعب المغربي يخلد ذكرى الرحلتان التاريخيتان للمغفور له محمد الخامس لطنجة وتطوان يوم 9 أبريل    شهيد يدعم تقصي "استيراد المواشي"    المغرب يتصدر التحول الرقمي الإفريقي بإنشاء مركز إقليمي للذكاء الاصطناعي    حادث يقتل 4 أشخاص قرب كلميمة    محاولة تهريب الحشيش تقود مغربيًا إلى السجن في سبتة    تفاصيل متابعة صاحب "فيديو الطاسة" في حالة سراح بابتدائية طنجة    الذهب يرتفع وسط الحرب التجارية العالمية وهبوط الدولار    بغلاف مالي قدره مليار درهم.. إطلاق البرنامج الوطني لدعم البحث التنموي والابتكار    لطيفة رأفت تعلن عن إصابتها بفيروس في العين    موازين يبدأ الكشف عن قائمة النجوم    آيت الطالب يقارب "السيادة الصحية"    دراسة: السكري أثناء الحمل يزيد خطر إصابة الأطفال بالتوحد واضطرابات عصبية    الدولار يتراجع وسط تزايد مخاوف الركود    المغرب عضوا بمكتب لجنة الديمقراطية وحقوق الإنسان للاتحاد البرلماني الدولي    عرض ماسة زرقاء نادرة قيمتها 20 مليون دولار في أبوظبي    القناة الأولى تكشف عن موعد انطلاق الموسم الجديد من برنامج "لالة العروسة"    تقليل الألم وزيادة الفعالية.. تقنية البلورات الدوائية تبشر بعصر جديد للعلاجات طويلة الأمد    إشادة واسعة بخالد آيت الطالب خلال الأيام الإفريقية وتكريمه تقديراً لإسهاماته في القطاع الصحي (صور)    الوداد بلا هوية .. و"الوينرز" تدق ناقوس الخطر    الأخضر يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    الجيش الملكي في اختبار صعب أمام بيراميدز    ديربي البيضاء يُشعل الجولة 26 من البطولة الاحترافية    دراسة: أدوية الاكتئاب تزيد مخاطر الوفاة بالنوبات القلبية    بونو: أتمنى عدم مواجهة الوداد في كأس العالم للأندية    برنامج الأغذية العالمي يحذر من أن خفض التمويل الأمريكي يهدد حياة الملايين    بنك المغرب يستهدف الشباب لتعزيز الكفاءات المالية في إطار للأسبوع الدولي للثقافة المالية    "قمرة" يساند تطوير سينما قطر    ارتفاع ملحوظ في عدد الرحلات السياحية الداخلية بالصين خلال عطلة مهرجان تشينغمينغ    بين نور المعرفة وظلال الجهل    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    تعرف على كيفية أداء صلاة العيد ووقتها الشرعي حسب الهدي النبوي    الكسوف الجزئي يحجب أشعة الشمس بنسبة تقل عن 18% في المغرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أمبرتو إيكو، الفيلسوف كاتب الرواية في أوقات فراغه
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 22 - 02 - 2016

فقدت الثقافة العالمية، مساء الجمعة الماضي، أحد أبرز وأعمق الأسماء الأكاديمية والفكرية والأدبية الفاعلة والمؤثرة في خيميائها، أمبرتو إيكو، الباحث الرائد في حقول السيميائيات وفلسفة اللغة وفكر القرون الوسطى وتحليل الظاهرة الإعلامية، الذي لم يكن يتردد في تدبيج الأعمدة للعديد من العناوين الصحفية.
ومن مفارقات المكتبة العربية، ومنها الأكاديمية، أنها احتضنته واحتفت به بصفته روائيا أولا، عقب ترجمة رائعته وباكورة رواياته «اسم الوردة»، بينما هو جاء السرد الروائي جد متأخر بعد أن راكم الكثير من المؤلفات النظرية... ما جعل ترجمة أبحاثه تصل متأخرة للقراء العرب أحاديي اللسان.
ومع ذلك، فالتأخر في اكتشاف إيكو باحثا ومفكرا لا يقتصر على الناطقين بالعربية بمفردهم، بل هو «خطيئة» مشتركة مع أصحاب ألسنة أخرى بما فيها اللغة الإيطالية، إذ لم يكن صاحب «حرب الزيف» ذا صيت خارج مدارات الباحثين المختصين والقراء المحترفين... إلى أن اقترف «اسم الوردة» عام 1980 وهو في الثامنة والأربعين من العمر، لتعرف روايته التاريخية البوليسية هذه، المهشمة لمواضعات السرد الروائي التقليدي بأحداثها التي يحتضنها دير خلال القرون الوسطى، لتعرف انتشارا واسعا ونجاحا باهرا بلغتها الأصلية وبترجماتها العديدة، قبل إن تتحول إلى فيلم سينمائي من بطولة النجم شون كونري الذي اشتهر في الأصل بتقمصه لشخصية جيمس بوند.
من توما الأكويني
إلى انحرافات الصحافة
في مطلع عام 1932 بمدينة أليساندريا الواقعة شمال إيطاليا، وبالضبط في يوم 5 يناير، استقبل منزل المحاسب جوليو الابن البكر أمبرتو، الذي سيعمل الوالد كل ما في وسعه ليصبح محاميا، لكن الولد سيختار سبيلا مغايرا ويدرس الفلسفة في جامعة تورينو قبل أن يعمل أستاذا بجامعة بولونيا.
افتتان إيكو بالقرون الوسطى، تاريخها وفكرها ونمط العيش إبانها، قاده إلى تهيئ أطروحته حول توما الأكويني، الراهب والفيلسوف الذي يعتبره الكثير من المسيحيين «فيلسوف الكنيسة الأعظم». ودكتوراه الفلسفة قد أدرجت ضمن نهج السيرة في 1954، سينقح أمبرتو إيكو أطروحته ويوسعها كي ينشرها فتجسد أول لقاء له مع عالم النشر (مسألة الجمال عند توما الأكويني).
بعدها، ستتوالى كتب صاحب «الأثر المفتوح» البحثية ومساهماته الإعلامية المتميزة، قبل أن ينتقل من السيميائات والرمز وعوالم الدال والمدلول، وتحليل الظواهر الاجتماعية والتواصلية والفنية، إلى قارة الرواية ويحط الرحال بها.
لكن كيف تم الانتقال رغم أن الرجل كان في منتصف العمر حينها؟ يجيب إيكو نفسه: «عندما كنت أدْرُس علم الجمال القروسطي، كنت على علاقة بكتّاب وفنّانين طلائعيّين من أمثال بوليز، وشتوكهاوزن، ولوشيانو بيريّو وفي دراستي لعلم الجمال القروسطي، تبيّن لي أن جيمس جويس انطلق من القديس توما الأكويني ليبتكر فنّاً طلائعيّاً. ومن القديس توما إلى جيمس جويس تبدو الخطوة جدّ طبيعيّة».
«خطوة جد طبيعية» إذن، والعهدة عليه، أنجزها إيكو بتوقيع «اسم الوردة»، مبدعا بعدها نصوصا روائية أخرى لم تمنعه من الاستمرار في نشر الأبحاث ذات المنحى التأملي (رسائل إلى كاتب شاب مثلا)، وكيف له غير ذلك وهو يعترف بنفسه: «أنا فيلسوف أكتب الرواية فقط أثناء عطلتي»؟
من بين الأعمال الروائية لمن قال عنه رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو رينتسي بأنه «كان نموذجا استثنائيا للمثقفين الأوروبيين، فجمع بين فهمه الفريد للماضي وقدرة لا تنضب على التنبؤ بالمستقبل»، أمبرتو إيكو الذي كفت يداه عن تفضيل الورق على أزرار لوحات مفاتيح الحواسيب: «بندول فوكو» (1988)، و»جزيرة اليوم السابق» (1994)، و»باودولينو» (2000) و»مقبرة براغ» (2010).
نهاية العام الماضي، صدرت آخر روايات أمبرتو إيكو المنشورة قيد حياته «العدد الصفر». عن حبكتها كتب شكري مبخوت الحائز على جائزة البوكر للرواية العربية: «حين يلتقي رأس المال بالسياسة والصحافة يصبح قول الحقيقة مستحيلا. وللاستدلال على هذه الأطروحة يجمع أمبرتو إيكو في روايته الأخيرة «العدد الصفر» مجموعة من الصحافيّين الفاشلين للإيهام بإصدار صحيفة لن ترى النور أبدا عنوانها «دوماني» (الغد). يقع ذلك في مدينة ميلانو بين شهري أبريل ويونيو من سنة 1992. وليس اختيار هذه الفترة من باب الصدفة. فقد شهدت إيطاليا آنذاك فضيحة رشاوى ذهبت بالطبقة السياسيّة كلّها.
«تبنى حبكة الرواية على قصّة أساسيّة تتوالد داخلها قصص فرعيّة تبلورها وتبرز الموضوع الرئيسيّ فيها، وهو استحالة الصحافة التي تقول الحقيقة في عالم الفساد المعمّم. فما يكشف عنه إيكو، في سخرية لاذعة وبإطلاع مبهر على خبايا عالم الصحافة والفاعلين فيه ورهاناتهم، إنّما هو شبكة من التلاعب بالعقول والابتزاز والتآمر والتواطؤ وتضارب المصالح واستثارة العواطف على نحو يفقد العمل الصحفيّ استقلاله ومصداقيّته. وهو يقدّم خلال ذلك الانحرافات الكبرى للصحافة من إدعاء بالموضوعيّة وتوجيه للقارئ وخلق جدل حول موضوعات تافهة ساذجة وتصريف ذكيّ للأكاذيب.»
ويختم مؤلف «الطالياني» تقديمه لعمل إيكو الروائي الأخير كاشفا: «لقد قدّم إيكو درسا في ما لا ينبغي أن تكون عليه الصحافة. ولا ريب أنّ أيّ صحفيّ، مهما يكن بلده، يقرأ «العدد الصفر» سيرى ملامح من صورته في مراياها المضخّمة، المقعّرة أحيانا والمحدّبة أحيانا أخرى.»
هل أعاد إيكو صياغة
«اسم الوردة»؟
والعالم ينتظر بشغف صدور طبعة جديدة «مراجعة ومنقحة» من «اسم الوردة» باللغة الإيطالية في بحر سنة 2012، قبل أن تليها ترجماتها إلى اللغات الأخرى في العام ذاته، أصبح السؤال متداولا مثل نسخ الرواية: «هل يعيد أمبرتو إيكو صياغة «اسم الوردة» ليجعلها في متناول جيل الإنترنيت؟
بالفعل، ففي رحم حرارة شهر غشت 2011، ومثل النار في الهشيم، انتشر الخبر ذو الطبيعة الأدبية في كبريات الصحف العالمية التي لا تحجب صفحاتها الثقافية خلال الصيف مثلما هي العادة في المغرب: بمناسبة الطبعة الجديدة لروايته «اسم الوردة»، التي ستصدر في بداية أكتوبر، راجع أمبرتو إيكو صياغة أسلوب عمله الروائي الكبير ليجعله في متناول الأجيال الجديدة من القراء، أجيال الإنترنيت!
في إيطاليا بالذات، بلد الباحث السيميائي المتعدد الاهتمامات، اندلعت نيران الخبر الذي سينتقل بعدها إلى جل لغات العالم، وكانت الصفحات الثقافية لجريدة «إيل تييمبو» موقد جمره: «بعد ثلاثين سنة وثلاثين مليون نسخة، سيجعل أمبرتو إيكو أسلوب روايته الشهيرة أكثر عصرية، (...) لتصبح في متناول القراء الشباب ولتصير قراءتها ممكنة على شاشات الحواسيب»!
وكما تتوفر للناطقين باللغات الأخرى غير الإيطالية إمكانية قراءة أعمال إيكو عبر الترجمة، سنحت لهم الفرصة للإطلاع على «جديده» المفترض هذا حينذاك باللغة التي يتقنون قراءتها. هكذا، وعلى سبيل المثال، سيكتشف الفرانكفونيون، ضمن «لوموند»، مقالا بقلم الناقد الأدبي بيير أسولين أكد لهم أن «إيكو يعيد إبداع (اسم الوردة) لكي تلائم قدرات عديمي الكفاءة». ومن جهتهم، سيعلم المتحدثون بالإسبانية على صفحات «إيل باييس» أن الصيغة الجديدة للرواية موجهة إلى «جيل الإنترنيت».
-»لا! لست بصدد إعادة صياغة (اسم الوردة) بمناسبة طبعتها الجديدة المزمع نشرها قريبا!»، بهذه الكلمات الغاضبة وضع أمبرتو إيكو حدا للأخبار تلك التي تداولتها الصحف العالمية بشكل واسع في عز الصيف ذاك.
وردت توضيحات صاحب الرواية القروسطوية المترجمة إلى سبع وأربعين لغة في حوار أجرته معه يومية «لا ريبوبليكا»، معلنا في ذات الحوار الذي ترجمته «ليبراسيون» الفرنسية (عدد 17-18 شتنبر 2011): «يجب أن يروق الكتاب القراء الشباب كما صدر في البداية وكما سيظل، وإلا فما عليهم إلا أن يذهبوا لحك جلدهم كما كان يقول بنيديتو كروتشي (كاتب وفيلسوف إيطالي عاش بين 1866 و1952 وأسس الحزب الليبرالي الإيطالي). أول واجب للقراء الشباب هو أن يصبحوا شيوخا».
في حواره هذا، وضع إيكو، بحدسه الثاقب، زوبعة صيف 2011 في سياقها الزمني: «كان الفصل صيفا، وكان على الجرائد أن تنشر شيئا ما حتى لا يفكر القراء في الأزمة الاقتصادية وحدها!».
أما الطبعة المعنية من الرواية، التي صدرت باللغة الإيطالية في بحر سنة 2012، قبل أن تليها ترجماتها إلى اللغات الأخرى، فقال إيكو إنها ستحمل عبارة «طبعة مراجعة ومنقحة»، مثلما هي العادة بالنسبة للطبعات الثانية من العديد من الكتب التي تصدر سنوات عديدة بعد طبعاتها الأولى: «لقد تدخلت أساسا لتصحيح بعض المعطيات غير الدقيقة، وحذفت بعض الكلمات المكررة في صفحات متقاربة، كما انصب اهتمامي على إيقاع الرواية إذ كان يكفي حذف نعث أو جملة اعتراضية ليصبح النص أكثر سلاسة. (...) إن التعديل الوحيد الجوهري إلى حد ما، يطال وصف وجه الكتبي، حيث قمت بحذف إحالة مزعجة على القوطية الجديدة».
في الحوار ذاته، كشف صاحب «اسم الوردة» إقدامه، في الطبعة الجديدة، على تصحيح بعض الأخطاء التي تضمنتها الرواية في نسختها الأولى. ومن بين الأخطاء التي اعترف الكاتب بأنها قضت مضجعه طوال ثلاثين سنة، أي منذ صدور الطبعة الأولى التي أعيد نشرها ونشر ترجماتها مرارا دون تنقيح، هناك اعتباره لصنف من أصناف الهندباء قرعا، علما أن القرع لم يفد إلى أوربا من القارة الأمريكية إلا في وقت لاحق لزمن النص، وكذلك إشارته إلى الفليفلة والكمان. كما أقر إيكو أنه ارتكب خطأ تاريخيا حين جعل أحد الشخصيات يقول إنه أنجز عملا في ظرف بضع ثوان رغم أن الثانية لم تكن تندرج ضمن قياس الزمن خلال القرون الوسطى. ووفق الكاتب دائما، فالفضل في إثارة انتباهه لهذه الأخطاء يعود إلى مترجمي عمله «لأنه ليس هنالك قارئ أكثر صرامة وعنادا من المترجم الذي عليه تركيز اهتمامه على الكلمة تلو الأخرى. ومن ثمة، فمختلف المترجمين ينتبهون إلى أنك وقعت في تناقض في هذا المقطع، أنك كتبت الشمال بدل الجنوب في مقطع آخر، وأن هذه الجملة أو تلك قابلة لتأويل مزدوج بسبب إغفالك لفاصلة مثلا».
«هناك أيضا مشكلة التكرار، أضاف إيكو، التكرار الذي يزعج الكاتب حين يعيد قراءة عمله. يكفي المرء اليوم النقر على زر من أزرار الحاسوب لمعرفة عدد المرات التي استعمل خلالها نفس النعت في نص يتجاوز عدد صفحاته الخمس مائة، أما في مرحلة كتابة (اسم الوردة)، فقد كانت الآلة الكاتبة هي المستعملة. ولذا، لم أتوفر على النص رقميا إلا بعد مرور الوقت، وهو ما دفعني إلى حذف التكرار كما أشرت إلى ذلك».
واعترف المؤلف أيضا أن تعديلاته للنص الأصلي طالت أيضا بعض الاستشهادات الواردة باللغة اللاتينية، لكنه صرخ في وجه محاوره: «لا تقل إنني أعدت كتابة الرواية بأسلوب الرسائل الهاتفية القصيرة، فأنا أشعر بالألم حين أضحك. (...) لم يكن في نيتي تيسير قراءتها على القراء المكتئبين. الكتاب يظل كما كان، يظل قابلا لإثارة الاكتئاب لدى قرائه المفترضين. أعترف أن التجربة راقتني، تجربة إعادة قراءة ما كتبته قبل سنوات طويلة، وإدخال بعض التعديلات الطفيفة هنا وهناك على غرار ما يفعله الحلاق بعد أن يكون قد وضع مرآته خلف شعر الزبون. سأعمل لاحقا، أثناء أوقات فراغي، على إنجاز طبعات مراجعة ومنقحة لبقية رواياتي».
وأكد إيكو أن الصحفيين الذين كتبوا أنه بصدد إعادة صياغة أسلوب عمله الروائي الكبير ليصبح في متناول الأجيال الجديدة من القراء، أجيال الإنترنيت، تسرعوا كثيرا في حكمهم، وأنهم بتروا جملة يتيمة من سياقها، جملة وردت في بلاغ للناشر حول الطبعة الجديدة للرواية وأسسوا عليها مقالاتهم: «إذا ما استحضرنا أخلاقيات الصحافة بمفردها، فمن الصعب احتمال الاعتماد على نصف جملة مستلة من بلاغ صحفي لتدبيج مقالات مهيَّجة أو منددة، مقالات وقعها أشخاص لم يطلعوا على الطبعة الجديدة للرواية، علما أن هذه الطبعة غير متوفرة إلى حدود إجراء هذا الحوار. لقد تولد كل مقال من رحم مقال سابق، وكل هذه المقالات عانت من خفة كتابة أصحابها عن كتاب لم يقرؤوه ولا حتى رأوه. وهو ما يمثل أكثر من جريمة، بل يجسد خطيئة».
ووفق تصريحات إيكو، فالصحفي الوحيد الذي لم يقترف إثم زملائه الذين وقعوا مقالات حول «القنبلة الأدبية» المفتعلة حينها، هو باولو دي ستيفانو، العامل بجريدة «كورييري ديلا سيرا»، الذي تكبد عناء الاتصال بدار النشر في ذلك الصيف للتحقق من طبيعة الطبعة الجديدة ل»اسم الوردة»، ما جعله لا يسقط في خطأ ترديد الإشاعة وتحويلها إلى خبر مؤكد.
وبسخريته اللاذعة جد المعبرة، كان الذي وقع القلم من بين أنامله ليلة الجمعة الماضية، قد علق على هذا المعطى قائلا: «كل صحفي يقدم اليوم على العودة إلى مصادر الخبر يستحق الحصول على جائزة بوليتزر!».
ربما ثمة علاقة سببية ما بين قصة الطبعة «المراجعة والمنقحة» من «اسم الوردة» كما سردناها، وعمل إيكو الروائي الأخير الفاضح لصحافة شعارها «ليست الأخبار هي التي تصنع الصحف بل الصحف هي التي تصنع الأخبار» وفق ما يرد في «العدد الصفر»!
أعمال إدموند عمران المليح مفعمة بأحاسيس قيم المغرب «الذي نحبه جميعا»
أكد أندري أزولاي مستشار جلالة الملك ورئيس مؤسسة إدموند عمران المليح، يوم الجمعة الماضي بالدار البيضاء، أن أعمال الكاتب الراحل إدموند عمران المليح ثمينة ومتفردة ومفعمة بأحاسيس قيم المغرب «الذي نحبه جميعا»، مشددا على أهمية إبداعات هذا الكاتب الكبير سواء بالنسبة للمغرب أو بالنسبة للأجيال الصاعدة.
وقال أزولاي، خلال ندوة حول «إعادة نشر أعمال إدموند عمران المليح» نظمتها المكتبة الوطنية للمملكة المغربية، على هامش الدورة 22 للمعرض الدولي للنشر والكتاب، إنه «كان لإدموند عمران المليح نهم للمغرب بالمعنى الأكثر وجودية والأكثر حسية. فأعماله مفعمة بأحاسيس قيم المغرب الذي نحبه جميعا»، مضيفا أنه «ليس من حقنا حرمان الأجيال القادمة من هذه الأعمال الثمينة والمتفردة».
وأبرز أن أعمال الكاتب الراحل ما زالت جوهرية وحيوية، ولا يمكن التغاضي عنها في المشهد الثقافي والأدبي المغربي، «ومن هنا أهمية حماية هذه الأعمال وصيانتها وإعادة طبعها». وسلط أزولاي الضوء على مسار الكاتب المغربي الراحل، ونضاله، والتزامه، ووصفه ب»الشاهد الرائع»، وبالمثقف والكاتب الاستثنائي المعروف ب «الحداثة في الكتابة، والإنصات للآخر وخاصة بهذا النهم الذي كان يسكنه إزاء كل المدن المغربية وكل ما يشكل المغرب».
ومن جهته، أشار مدير المكتبة الوطنية للمملكة المغربية إدريس خروز ، إلى أن الأعمال الأساسية للكاتب «مهمة ولكن غير معروفة» بالمغرب، مبرزا بدوره ضرورة إعادة طبع كتابات هذه المعلمة الكبيرة في الأدب المغربي. وأضاف أن إعادة طبع أعمال هذا الكاتب الذي يتأرجح بين العالمي والمحلي، تبررها جودة كتاباته التي تمثل «ثراء يتحدث عن كل شيء».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.