هكذا هو راينر فيرنر فاسبندر المؤلف والمخرج والممثل السينمائي والمسرحي الألماني، تماما مثل شلال ألماني هادر تتلاطم ابداعاته وتتزاحم على شاطئ الفن كأنها أمواج بحر عات لا يعرف الجزر. استطاع في 17 سنة أن ينجز 36 فليما مابين سينمائي وتلفزيوني كتب بنفسه معظم سيناريوهاتها. وأخرج أكثر من 10 مسرحيات ولعب دور البطولة كممثل في أكثر من 15 شريطا لمخرجين آخرين. ولد راينر فيرنر فاسبندر بمدينته باد خوريشوفن بإقليم لابافيير في 31 ماي 1946 وتوفي بميونيخ في 8 يونيو 1982، من أب طبيب وأم ترجمانة عاش منذ 1951 مع أمه المطلقة. غادر المدرسة وعمره 16 سنة واشتغل بمهن كثيرة قبل أن يستقر بالصحافة تعرف على الممثلة آنا شيغولا سنة 1967 بدورة مسرحية والتحق بحلقة «العمل المسرحي» بميونيخ في نفس السنة. كانت سنة 1974 هي السنة التي سيدخل فيها راينر فيرنر فاسبندر العالمية من بابها الواسع وذلك بعد حصوله على جائزة النقد بمهرجان «كان» السينمائي عن فيلمه «كل الآخرين يسمون علي» الذي يحكي قصة شاب مغربي مهاجر «علي» وامرأة «خادمة» مسنة عمرها 60 سنة اضطرت من أجل إيوائه أن تتزوجه لتجاوز المشاكل والغريب في هذا الشريط الذي رغم أن موضوعة غير جديد ويعتبر اعتياديا استطاع أن يحقق مستوى عاليا من الادهاش نظرا للاسلوب السهل الممتنع للمخرج وقدرته وقوته الخارقة في إبراز تناقضات السن والميول والثقافة التي استيقظت بين الزوجين. سنة 1975 يحضر بشكل أكثر قوة من السابق بفليم «قانون الاقوى» الذي يجسد موضوعة الصراع الطبقي العزيزة على المخرج من خلال حكاية علاقة ملتبسة بين رب عمل بورجوازي وعامل كادح تجسد بشاعة الاستغلال والقمع الطبقي في أحط مظاهره. انطلاقا من هذين الشريطين بدأ الاهتمام بجدية هذا المبدع المتدفق الذي يتنفس الفن وينفثه أعمالا خالدة وهكذا سيعاد اكتشاف ثلاثة من افلامه السابقة «بائع الفصول» 1971، «الدموع الحارة لبيترافون كانت» 1972، «إفي بريست» 1974، هذه الاشرطة الثلاثة التي تتظافر لتدلل على ما يعتقده فاسبندر من محورية الثقافة التي من خلالها يتحدد مفهوم الطبقة وتكون الوجه الحقيقي للسلطة، الثقافة في نظر فاسبندر من أداة القهر الطبقي. توج راينر فيرنر فاسبندر مساره السينمائي بثلاثيته التي تتمحور حول ثلاث شخصيات نسائية هي على التوالي «زواج ماريا براون» 1979. «ليلي مارلين» 1980، لولا امرأة ألمانية» 1981. سينما راينر فيرنر فاسبندر هي سينما مكونة من شحنات يتزاحم فيها الزمن وينكسر فيها السرد سينما مكتفة قد تضحي بالاسلوبية لصالح القوة الدرامية والابهار المشوب بالوخز والاستفزاز. وتبقى السينما بالنسبة لفاسبندر سلاحا لإبراز قبح وتناقضات المجتمع البورجوازي وإعلاء صورة البروليتاريا. فهو يختار المرأة كمجاز لتجسيد مخزونها النضالي. المرأة التي وجد في صديقته وممثلته المفضلة آنا شيغولا العلامة الانثوية البادحة والقادرة على تجلية أبعادها. ولد راينرفيرنر في فصل الربيع وغادر الحياة في فصل الربيع مات وفي نفسه بقية من ألمانيا التي كان يعتزم خلخلة ثوابتها ودعائمها الاصلاحية بأعماله المتمردة ولكنه ولأنه الشلال الألماني الهادر جرف موته قبل الأوان.