التربية العلاجية هي بمثابة استراتيجية مركزية لكل الأنظمة الصحية من أجل ترشيد التحكم في مكافحة الأمراض المزمنة، إذ تهدف إلى تزويد المريض بمهارات وأدوات تمكّنه من السيطرة على المرض، بالمراقبة والوقاية والعلاج، لتخفيض مضاعفات الطبية والاقتصادية والاجتماعية. ولتحقيق مسعى تحسين صحة المرضى، وتخفيض التكاليف العلاجية، يجب على مهني الصحة الإنصات للمرضى، والعمل على المواكبة النفسية والاجتماعية والإدراكية للشخص المصاب، فالمرض المزمن يتطلب علاجات معقدة، ولمدة طويلة، مع تغيير في العادات والسلوك، تفرض التوفر على قدرات للتأقلم مع الوضع لاتستطيع الوصفة الطبية لوحدها تحقيقها. وتشكّل الأمراض المزمنة ثلاثة أرباع العبء العام للمراضة، كما هو الحال بالنسبة لأمراض القلب و الشرايين، السكري، والأمراض التنفسية ...، وقد وصلت نسبة هذا النوع من الأمراض ببلادنا في سنة 2014 إلى 18.2 في المئة، وهي تمثّل أحد أهم أسباب الوفيات في المغرب، ففي سنة 2008 تسببت أمراض القلب والشرايين، و داء السكري، في 214 حالة وفاة لكل 100 ألف نسمة، يليها السرطان ب 127 حالة، ثم الأمراض التنفسية ب 23 حالة وفاة. وتتجاوز انعكاسات الأمراض المزمنة المجال الحيوي إلى فضاءات الحياة، كالتحصيل العلمي، والعمل، والواجبات العائلية ، والترفيه، كما تتجلى مخاطر هذه الأمراض في مضاعفاتها الصحية العديدة والخطيرة، وفي البرنامج العلاجي المعقد، الدوائي منه وغير الدوائي، وفي إلزامية العلاج مدى الحياة. في هذا الإطار، تُطرح العلاقة التقليدية بين الطبيب والمريض، التي يجب أن تتطور إلى علاقة شراكة، وتقاسم للمعرفة والتجارب، لتمكين الشخص المريض من الحصول على توازن جديد مع مرضه، وهنا تتجلى أهمية التربية العلاجية، والدعم النفسي الاجتماعي، لتحفيز المريض على تملك المعرفة والمهارات ، لاتخاذ إجراءات وسلوكات مناسبة للتغلب على المرض. وتعتبر المنظمة العالمية للصحة التربية العلاجية، كوسيلة لدعم المرضى وتمكينهم من الحصول على المهارات اللازمة، لتدبير حياتهم مع مرض مزمن، فهي جزء مندمج ومستمر للعلاجات. كما تعتبر مشاركة المريض وعائلته في برنامج الرعاية الصحية أساسية، وذلك لاعتماد العلاج على تغيير سلوكيات حياتية، فقد أصبح التوجه نحو إرساء علاقة أفقية بين المعالِج و المعالًج اليوم إلزاميا لتمكين المريض من قدرات علاجية و تفويض جزء كبير من البرنامج العلاجي له و لعائلته. وتشمل التربية العلاجية للمريض، التي تعدّ حقا له ولأسرته، وواجبا مهنيا صحّيا يمكن مساءلة العاملين الصحيين والمستشفيات الاستشفائية في حال عدم توفيرها، جميع الأنشطة المنظمة من تحسيس، وإعلام و تعليم، ومرافقة نفسية واجتماعية متعلقة بالمرض والعلاج، والتعامل مع الفريق الصحي، كما تتوخى التربية العلاجية بلوغ المرضى درجة عالية من المعرفة بمرضهم وبالعلاجات الموصفة.