لعلّ الراحلة فاطمة المرنيسي لم تكن تتوقّع أن تنظّم أربعينيتُها في أقصى الوطن العربي وبالضبط في البحرين، البلد الذي سبق لها أن زارته مرتين. لكن الوفاء لا بلد له ولا جنسية له. هكذا خلّد مركز الشيخ إبراهيم للثقافة والبحوث في مدينة المحرق البحرينية أربعينية عالمة الاجتماع المغربية الراحلة من خلال (أمسية محبّة) التأمَتْ تحت شعار (الحالمون لا يمكن ترويضهم أبداً)، وحضرها العديد من رجال ونساء الفكر من البحرين والسعودية والإمارات العربية. وركّزت وزيرة الثقافة البحرينية مي الخليفة خلال تقديمها للندوة على الصداقة التي جمعت فاطمة المرنيسي بالبحرين، فيما تعاقب على المنصة كل من الأديب ياسين عدنان، والفاعلة الجمعوية المغربية جميلة حسون، الصحافي الألماني توماس هارتمان ومترجمة المرنيسي إلى الإيطالية البروفيسور إيليزابيتا بارتولي ليضيئوا جوانب من مسار الراحلة الحياتي والفكري. الأمسية كانت مناسبة أيضًا لتقديم كتاب من 326 صفحة تمّ إنجازه في أقل من شهر على وفاة الراحلة فاطمة المرنيسي من إعداد وتحرير ياسين عدنان، وصدر تحت عنوان (شهرزاد المغربية: شهادات ودراسات عن فاطمة المرنيسي) عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ببيروت، بدعمٍ من مركز الشيخ إبراهيم بن محمد الخليفة للثقافة والبحوث. وعرف الكتاب مشاركة نخبة من الكتاب والأدباء من بينهم: المفكر المغربي الدكتور محمد نور الدين أفاية، الشاعر السوري محيي الدين اللاذقاني، عالم الاجتماع التونسي الطاهر لبيب، الروائية العراقية عالية ممدوح، الأكاديمي الفلسطيني خالد الحروب، الناقد العراقي عبد الله إبراهيم، الناقدة العراقية فاطمة المحسن، الشاعران البحرينيان قاسم حداد وحسن كمال، الاقتصادي المغربي إدريس الكَراوي، الكاتب اللبناني بيار أبي صعب، الشاعرة العراقية بلقيس حميد حسن، وزيرة الثقافة البحرينية مي الخليفة، الأكاديمية السعودية الدكتورة عائشة المانع، الشاعرة الجزائرية ربيعة جلطي، والكاتبة اليمنية إسمهان عقلان العلس، إضافة إلى نخبة من الكتاب والفاعلين المغاربة من مختلف التخصّصات الأدبية والفكرية: لطيفة البوحسيني، فاطمة الزهراء طموح، جميلة حسّون، فاطمة كدو، فريد الزاهي، صلاح بوسريف، محمد اشويكة، حميد لشهب، عزيز الحدادي، وسعيد بوخليط. هذا وتمّ تقسيم الكتاب إلى ثلاثة محاور كبرى، محور خاص بالشهادات، والثاني بالدراسات، فيما جاء القسم الأخير تحت عنوان «تلويح وداع» وضمَّ مجموعة من التحايا الحميمة لروح الفقيدة الكبيرة. ونقرأ من مقدمة ياسين عدنان للكتاب: «فاطمة المرنيسي امرأة عصيّة عن التصنيف. يتداخل الفكر في كتاباتها بالأدب، والبحث الأكاديمي بالتخييل. هي متعدّدة بطبيعتها، لذلك كانت دوما ترفض الاختزال. النسائيات العربيات اللواتي أثارهن بشكل خاص اشتغالها الجريء على قضايا المرأة منذ مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، سرعان ما تنكّرت لهن، أو على الأقل فاجأتهن وهي تغيِّر الوجهة باتجاه المجمع المدني. «لستُ مناضلة نسوية لأنشغل بالمرأة فقط»، تقول فاطمة، «لقد انخرطتُ في دينامية المجتمع المدني لأنه فضاء لا تقف فيه المرأة بمواجهة الرجل، بل يعملان سويا ويتعاونان.» ولتجسيد هذا الحلم، أطلقت قافلة مدنية أرغمت من خلالها عددا من المثقفين والفنانين والفاعلين المدنيين على النزول من أبراجهم العاجية للتفاعل مع ساكنة القرى والبوادي في المغرب العميق، المنسي، والمهمّش. فأعطت بذلك لعدد من مثقفي اليسار الذين كانوا يصنّفونها كبورجوازية درسًا في الطريقة التي يمكن بها للمثقف العضوي - فعلًا لا شعارًا- أن يمارس نضاله الثقافي ويضطلع بدوره داخل مجتمعه. ومثلما أدهشت شهرزاد شهريار - يضيف ياسين عدنان- مارست شهرزاد المغربية غوايتها علينا جميعا. إذ ظلت تفاجئ قراءها باستمرار وتدهشهم وتأتيهم دومًا من حيث لا يحتسبون. بعد عودتها من أمريكا، توقع منها الأكاديميون المزيد من الأبحاث «الرصينة» ففاجأتهم بمحكيات الطفولة، وبانحيازها للأدب. توقعت منها مناضلات الحركة النسائية فضح العقلية الذكورية وعمقها المرجعي في الثقافة العربية الاسلامية، فإذا بها تكتب لتشرح لهن كيف كانت المرأة عزيزةً رفيعةَ القدر في تاريخ الإسلام منذ «نساء النبي» حتى السلطانات المنسيات. يساريو تلك الأيام توقعوا منها المزيد من نقد التراث الديني، فإذا بها تدافع عنه بطريقتها، هي خريجة جامعة القرويين. توقع منها الغرب أن تزوده بالمزيد من حكايات الحريم الشرقي وأن تواصل تشريح البنى الذكورية في العالم العربي الإسلامي بشراسة، فإذا بها تنقلب عليه لتفضح الحريم الغربي الأكثر قسوة على المرأة ونيلا من إنسانيتها. إنها شهرزاد معاصرة، تعرف كيف تستعمل عقلها- لا جسدها- لمواجهة الاختزال، عنف الخطاب، والقتل الرمزي.» (شهرزاد المغربية) صدر بغلاف جميل من تصميم كايير أردال، فيما تعود لوحة الغلاف للخطّاط المراكشي عبد الغني ويدة.