أصبح العالم اليوم أكثر من أي وقت مضى في مواجهة متجددة مع نوع جديد من المقاتلين المتطرفين المتشبعين بفكر ديني متشدد يفضل قوة السلاح والقتل على قوة الحجة والبيان في فك الخلاف وإثبات الذات، فقد «تم الانتقال من الإرهاب الكبير (للدول) في 11 شتنبر إلى الإرهاب الفردي» اليوم. لقد أبتلي العالم اليوم في كل أرجاء قاراته الخمس، سواء في بلدانه المتفتحة أو المحافظة بنوع جديد من «الجهاديين» الموالين سواء لتنظيم القاعدة أو تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش» إنهم بكل بساطة «الحيوانات» الأدمية المبايعة لأمراء الدم فيها والمجندين لتنفيذ اعتداءات في كل العالم بسادية ودم بارد. هؤلاء هم الذئاب المنفردة التي أصبحت لوحدها اليوم متفرقة وبعيدة عن «جماعتها» ترعب بمفردها مفاصل العالم، وتدخل بلدانا بأكملها في عتمة، بعد أن تشل أطرفاها كلما تمكنت من وقف حركتها، بعد مس استقرار اقتصادها وأمن مجتمعها . وعبر العالم، وإن كانت المنطلقات مختلفة ومتعددة نجد أن أسباب إقدام الذئاب المنفردة على الاعتداء على الإنسان سواء بسبب دينه أو عرقه أو جنسه، واحدة،هي سفك الدم بطابع يأخذ شكلا متشددا ومتطرفا بشكل فاضح وواضح يروم خلق الرعب. ففي تونس تحول سيف الدين الرازغي البالغ من العمر 24 سنة من طالب جامعي «مجدّ» إلى سفاك دماء بدم بارد، والى ذئب منفرد باعث على الرعب في أوساط ليس فقط التونسيين بل أيضا الأجانب من محبي تونس كوجهة سياحية ،وذلك عندما فتح النار على مصطافين أمام وداخل فندق «ريو امبريال مرحبا» في منطقة القنطاوي السياحية بولاية سوسة (وسط شرق) وقتل 38 سائحا أغلبهم أجانب وأصاب 39. وقبلها بثلاثة أشهر كان متحف باردو الشهير وسط العاصمة تونس ،عرضة لاعتداء دام، عندما قتل مسلحان 24 شخصا من بينهم 21 سائحا أجنبيا بالرصاص بعد وصولهم على متن حافلة، حيث نفذ الهجوم التونسيان ياسين العبيدي (27 عاما) وجابر الخشناوي (21 عاما) اللذان أطلقا النار من رشاشي كلاشنيكوف على سياح عند نزولهم من حافلتين أمام متحف باردو، ثم طارداهم داخل المتحف، قبل ان تتدخل الشرطة وتقتلهما. وشهد شارع محمد الخامس بتونس العاصمة قبل أشهر، حادثا إرهابيا استهدف حافلة للأمن الرئاسي، الذي يعد رمزا من رموز سيادة الدولة، فتسبب تفجير ذئب منفرد لنفسه في قتل 13 شخصا جميعهم أفراد من الحرس الرئاسي التونسي، وقبلها بأيام استيقظ التونسيون على فظاعة قطع رأس راع صغير بأحد الجبال قرب سيدي بوزيد، ليعيش سكانها حالة من الرعب والذعر. كما عاشت تونس في رمضان الماضي هجومين إرهابيين في نفس اليوم بمنطقتين مختلفتين من البلاد، حيث كلف الهجوم الأول في سيدي بوزيد (وسط) حياة ثلاثة حراس أمن سقطوا في تبادل لإطلاق النار مع مسلحين اثنين، تلاه هجوم آخر أودى بحياة حارس أمن آخر وخلف جرح أربعة من زملائه، واستهدف مراكز أمنية في بلدة الملة بولاية جندوبة (شمال غرب) على الحدود مع الجزائر. وتفيد كرونولوجيا العمليات الإرهابية في تونس، أنه في 29 يوليوز 2013، قُتل ثمانية جنود بوحشية في كمين بمرتفعات الشعامبي على يد مجموعة ذات صلة بتنظيم (القاعدة)، والتي ستضاعف بعد ذلك من عملياتها في هذه المنطقة الواقعة على الحدود الجزائرية. وبعد نحو سنة من ذلك، تلقى الجيش التونسي ضربة موجعة في المنطقة ذاتها بعد فقده لما لا يقل عن 14 عسكريا قتلوا بالأسلحة الثقيلة في هجومين ضد مواقع عسكرية، حيث اعتبرت حصيلة الضحايا هاته من الجنود الأثقل في تاريخ تونس منذ استقلالها سنة 1956. ويشكل «النجاح» الذي يحققه تنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا المجاورة، إلهاما للمجموعات المتطرفة التي لا تخفي، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، نواياها في الرفع من وتيرة أنشطتها في تونس، خاصة من خلال التركيز على المواقع السياحية. وعاشت الكويت هي الأخرى وضعا اسثتنائيا سببه ذئب منفرد سعودي الجنسية يدعى فهد سليمان عبد المحسن القباع، هذا الانتحاري الذي فجر نفسه في مسجد مخلفا العديد من القتلى والجرحى. وهناك في إسرائيل لا تفرق الذئاب المنفردة بين شيخ وإمراة وطفل ووليد حتى، فالتطرف الديني في دولة استعمارية مثلها يشكل سببا لتصاعد الاستفزازات الاسرائيلية والاعتداءات اليومية المتكررة على المواطن الفلسطيني، والجميع يشهد كيف أن متطرفين يهود أضرموا النار في بيت أسرة فلسطينية بقرية دوما جنوب نابلس وتسببوا في مقتل الرضيع الشهيد علي سعد دوابشة (18 شهرا). وفي الولاياتالمتحدة قتل دئبان منفردان، رجل يدعى سيد فاروق وزوجته تشفين مالك 14 شخصا في كاليفورنيا في اطلاق نار استهدف حفل نهاية السنة لموظفين في سان برناردينو بكاليفورنيا، في أسوأ مذبحة في الولاياتالمتحدة منذ ثلاث سنوات. وبالموازاة، بلغت أعمال تخريب المساجد والتهديدات ضد المسلمين مستويات غير مسبوقة في الولاياتالمتحدة بعد هجمات باريس، يغذيها تشدد اليمين الاميركي وسط حملة الانتخابات الرئاسية الجارية، على ما يؤكد ناشطون. وإلى جانب هذا كله، عاشت فرنسا سنة 2015 على إيقاع اعتداءات إرهابية نفذتها ذئاب منفردة، فبعد أشهر على هجمات باريس مطلع يناير الماضي على مقر صحيفة «شارلي إبدو» الفرنسية الساخرة ومتجر للأطعمة اليهودية نفذها الإخوة كواشي وأميدي كوليبالي، عثرت الشرطة الفرنسية على رأس لشخص مفصولة عن جسده معلقة بسياج إحدى شركات إنتاج المواد الكيماوية والغاز بمدينة سان كانتان فالافيي في منطقة «إيزير» بجنوب شرق فرنسا، يشتبه أن يكون نفذها في حق مشغله، (ياسين صالحي) الذي يبلغ من العمر 35 سنة متزوج وأب لثلاث أطفال والذي انتحر مؤخرا. كما اعتقلت الشرطة الفرنسية بباريس الأحد طالبا فرنسيا جزائريا كان بصدد التحضير لاعتداء «وشيك» على «كنيسة أو كنيستين» بفرنسا، كما يشتبه بضلوعه في قتل امرأة عمرها 32 عاما قرب باريس. شهورا بعد ذلك، عاشت فرنسا على إيقاع حادث الهجوم على القطار «تاليس» فائق السرعة الرابط بين امسترداموباريس وُجه فيه الاتهام إلى أيوب الخزاني المغربي الذي يُعتقد أنه كان مدججا بالسلاح ولو لا التغلب عليه لكان الحادث سيخلف ضحايا، حسب تحقيقات أمنية فرنسية. وفي شتنبر الماضي، أصابت أسوأ اعتداءات تقع في حياة فرنسا، باريس، باضطرابات عميقة وتركت أثرها في أنحاء البلاد حيث أسفرت عن مقتل 129 شخصا وإصابة 352،وقد تصرف منفذو اعتداءات باريس بنفس الأسلوب وبرودة الدم الذي أظهره الذئب المنفرد الفرنسي من أصل جزائري محمد مراح خلال اعتداءات تولوز ومونتوبان قبل ثلاث سنوات. يبدو أن مرتكبي كل هذه الاعتداءات الإرهابية، التي شملت هجمات في بلدان افريقية وأسيوية أيضا، يتبنون توجيهات «القاعدة» و»تنظيم الدولة الإسلامية» بحذافيرها، أي الضرب حيثما أمكن وبأي وسيلة ممكنة فالمهم هو إحداث صخب إعلامي،فهم أقل تنظيما وحرفية وبإمكانهم ان يقوموا بهجمات صغيرة. لكن المفعول هو نفسه سواء كانت هناك ضحية واحدة أو ثلاثة آلاف.