سميرة البوزيدي شاعرة ليبية ، تجلس القصيدة على كتفيها ، تريد أن تكون غيرها ، ترى الحرب لعنة والربيع خدعة ، تحلم أن تلتقي بالقصيدة بالمقهى كي تقمش وجهها ، قصائدها تكتفي بأنانية الاكتفاء ، وجنونها متفرد ووحيد . تورطت في كتابة القصيدة بديوانها «جدوى المواربة» ، وتوالى مطرها الشعري ، لتصدر لا حقا "أخلاط الوحشة " ، " السير في توقع"، "يضيء نفسه"، "معابر زلقة « ، « خشب يدخن في عراء « . حول تجربتها الشعرية كان لنا معها هذا اللقاء : هل من كلمة أولى ..؟ الكلمة الأولى هي الشعر ، عاليا يجلس على اكتافنا ،وفي قلوبنا ، الشعر رئة تنفس أحلامي وحياتي ، الكلام هنا ينتفض لأنني لن أفيه حقه ، حروف الشعر تشعر بالسعادة عندما نكتبها، لهذا لا نتوقف نحن الشعراء المغمسون في نبيذ الكلام نثمل ونتجلى يصيبنا الدوار لتشطح القصيدة وتعلو. هل سألت نفسك مرة : من تكونين ؟ من أكون؟ هههههههههه .. يا للهم ، لدي نص يقول : «أريد أن كون غيري» وفي نص آخر أقول "أنا شاعرة ولست نبية» من يأخذ بيدك إلى محراب القصيدة ..أشياطين الكتابة أم ملائكتها ؟ بل من يأخذ بروحي للكتابة ، إنها كل شيء ، ابتداء من قهوة الصباح والضجيج الذي تطل عليه شرفتي ،وكتبي وصغاري وبلادي الممزقة ،ووقتنا الذي يضيع في الخوف ، هذه كلها حدائق روحي التي أمتص منها الرحيق ليشربه قارئ مجهول أفرح ان يعبر عنه نصي أيضا . لماذ تكتبين القصيدة؟ هذا سؤال صعب ..هي المتمكنة منا في الحقيقة ، هي التي تكتبنا ونحن الحمقى نظن العكس ،هي تمارس علينا فوضاها حتى ان الفصل بيننا صعب المحصلة :حالة سيامية معقدة وبسيطة. ما العلاقة التي تجمعك بالقصيدة من جدوى المواربة وحتى ديوانك الأخير ؟ ومن ديواني الأول جدوى المواربة 2003 وحتى الأخير 2013 وما بينهما من دواوين أخرى ، ثمة نسق يتصاعد تجربة تنحت نفسها ذاتا تتشكل، الكتابة لدي تختلف من ديوان لآخر، و ما احرص عليه وبشدة ،هو التطور في التجربة والتنوع والكثير من الجنون ، لأن النص العاقل هو نص جامد بل ميت لا يزهر ولا ينمو حتى. تحت القصف.. هل هي الحرب ، ونحن العرب العرب فرن باذخ يقول أدونيس ؟ تحت القصف.. هو الحرب اللعنة التي تطاردنا حتى الان شبح الحرب الملتصق ببلاد العرب كلها ،عارنا الإنساني الكبير، وبالنسبة للرؤوس لدينا تدحرج كبير هنا قطاف دائم لربيع الخديعة العربي حلم الحرية المستحيل الديمقراطية البعيدة عن أمنياتنا ، ماذا بقى ؟ نمشي في الشوارع خائفين، ظلال مرتعشة أصوات بكماء لمرحلة عمياء برمتها ماذا بقي هربنا من الطغاة إلى الطغاة ويا قلبي مت بحسرتك وحزنك. هذه هي الحقيقة.. لو التقيت القصيدة على الرصيف.. فما الذي يحدث ؟ التقيها على الرصيف يوميا ، رصيف الروح ، نجلس في المقهى ، ندخن ونشرب قهوة فائحة ، نتحادث ونتجادل ، ألعنها دائما وأنقم عليها وأقول لها سأمزق وجهك بعدما كان الشعر ديوان العرب ، أصبح الفايس بوك هو ديوانهم وفاكهتهم المحببة اليوم .. ماتعليقك ؟ نعم الفايسبوك بوصفه حافزا على الابداع على الانتشار ،انا جديدة على عالمه لم أكمل العام بعد ، وقد حفزني كثيرا بوجود جمهور يكبر كل يوم من محبي الشعر، ولكنه نهم كبير يلتهم الوقت ، يسرقني أحيانا خصوصا إذا كانت هناك نصوص جديدة أود نشرها.. يظل عالم الفيس نافذة كبيرة وخطوة في التواصل الانساني المختلف. كيف اخترت «يضيء نفسه عنوانا « ..ألا تعتبرين ذلك أنانية وتعاليا ؟ يضيء نفسه عنوان لنص، ثم صار عنوانا لمجموعة كاملة، وبه أنانية الإكتفاء وليس التعالي أي يكفي للقصيدة ان تكون قصيدة لتضيء دائما خشب يدخن في العراء» ..ماهذا الجنون ؟ هو الجنون المتوحد الوحيد المختلف الذي يحاول ان يجد لغته في هذا الصخب الشعري المترب إلى أين تمضين بالقصيدة ؟ أمضي الى القصيدة التي تقول شيئا جديدا ، التي تخمش الوجه البليد للعالم ، احاول ان أكون في مستوى الجنون الشعري لكي يجعلني أصعد في عربته وأطير معه أحب الشعر هو وجودي ،اتنفس القصائد كل يوم وأخاف في الحقيقة من ذبول القريحة وهذا ما لم تسألني عنه اخاف الصمت الشعري لا اريد ان اتعمد الكتابة أخاف غيابها كثيرررا ربما ساموت عندها ، هذا خبل في الواقع ولكننا لسنا واقعيين كفاية ، هذا مصيرنا ان نكون معلقين على حبل رفيع بين الحياة والخيال هذا ماأوصلتنا اليه الكتابة.!! من قصائد سميرة البوزيدي: حب هذه الفوضى هذا التقاطع والطلوع والنزول هذا التكسير الممتع للتوقع وتلك الطرق الملتوية ومسارب النمل في الغابة وجلد الأفعى المتروك لخيال الارتداء والحقائب المحشوة بالسفر والبطاطين لفكرة النوم في العراء والأعشاب لحساء كرات اللحم أحب هذا التقطيع الجارف لاعتياد البحر على الموج أحب تمزيق الفهم ورمي المقتنيات التي تجعل الذاكرة تنز بالوجع أحب المشي في الليل مثل شبح في حديقة أو حتى مثل قطة تأكل لسان الآخرين أحب قصيدة تشبه كل هذه الفوضى ثم تسوي شعرها وتجلس عالية فقط لكي تسمح لنا بقراءتها