أصدر المجلس العلمي الأعلى، مساء اليوم السبت، فتوى في موضوع الجهاد على إثر العمليات الإرهابية التي استهدفت العاصمة الفرنسية باريس، وأودت في حصيلة أولية بحياة 128 شخصا وعشرات الجرحى. وأفاد المجلس العلمي الأعلى في بيان له أنه على إثر الأحداث التي وقعت في فرنسا والتي أودت بحياة عدد من الأبرياء بدعوى الجهاد في سبيل الله، ورفعا لكل التباس في موضوع ما هو جهاد وما ليس بجهاد، أصدر المجلس العلمي الأعلى فتوى تبين ما هو الحق في ذلك، ما هو من قبيل الجهاد في الإسلام حقا وما ليس كذلك، وإنما هو إرهاب وعدوان وترويع للآمنين وإزهاق لأرواحهم البريئة وهو محرم تحريما قطعيا في الإسلام. واستشهدت الفتوى على هذا التحريم بقول الله تعالى : «ولا تعتدوا، إن الله لا يحب المعتدين»، وقوله سبحانه : «من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا». وأوضحت أن الجهاد الشرعي أنواع، أهمها جهاد النفس بتكوينها وتهذيبها وتزكيتها وتأهيلها لتحمل المسؤولية، ويليه الجهاد بالفكر، ويكون بترويض العقل وصقله واستخدامه في ما يفيد البشرية. والجهاد بالقلم، يضيف المجلس العلمي الأعلى، ويكون بتأليف الكتب النافعة وتحرير المقالات المنورة للفكر، ورد الشبه والتهم الملصقة زورا بالإسلام والمسلمين، ثم الجهاد بالمال ويكون بالإنفاق بسخاء في أبواب الخير والإسهام في التنمية الاجتماعية والاقتصادية. وأما الجهاد بالسلاح، يبين المجلس، فإنه لا يلتجئ إليه المسلمون إلا في حالة الضرورة القصوى عندما يعتدي عليهم أعداؤهم، وتفشل كل الوسائل السلمية. فالجهاد في هذه الحالة شبيه بالكي الذي هو آخر الدواء. ومع ذلك، فإن إعلان الجهاد في هذه الحالة لا يكون إلا بأمر الإمام الأعظم، إذ هو من اختصاصه وحده. إذ أعطاه الإسلام وحده الحق في إعلانه والدعوة إليه وتنظيمه، ولم يبح لأي فرد ولا جماعة أن تقتحمه من تلقاء نفسها. وذكر المجلس أن علماء الإسلام ألحوا قديما وحديثا على إبراز هذا الاختصاص، صيانة لتماسك الأمة، وحماية لها من أن ينفرط عقدها، فتتنازع وتفشل وتذهب ريحها. من جهتها، أكدت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في بلاغ لها ان جلالة الملك محمد السادس، اوصى عبر الوزارة التي يشرف عليها أحمد التوفيق الأئمة والخطباء والوعاظ والقيمين الدينيين، بشرح حقيقة الجهاد للمغاربة. وكشف البلاغ انه بتوجيهات من الملك محمد السادس، بصفته أميرا للمؤمنين، تهيب بالقيمين الدينيين من خطباء ووعاظ وأئمة، بمواصلة التعبئة والإرشاد، وذلك على إثر الأفعال الإجرامية التي ارتكبتها أياد أثيمة في باريس وتسببت في عدد من القتلى والجرحى». وخاطب البلاغ القيمين الدينيين داعيا إياهم إلى استعمال الحجج الشرعية والعقلية لتذكير الناس وتبصيرهم بمجموعة من التوجيهات موضحا إلى أن مرتكبي هذه الاعتداءات الشنيعة يدعون الانتساب إلى دين الإسلام ويبررون جرائمهم بالاستناد إليه، ويبالغون في الباطل إلى حد الزعم بأنهم يرتكبونها لنصرة الدين. ودعا بلاغ الوزارة إلى تذكير الناس بالرجوع في تعريف حقيقة الجهاد إلى قول علماء الأمة وتبيين أن كل أنواع العنف والإكراه ليست من منهج الدين والدعوة في شيء. وبين التوفيق ان صورة الإسلام لا يجوز أن يترك تشويهها للذين يسيئون إليها، لأنها تهم جميع المسلمين أمام الله وأمام الأمم الأخرى مضيفا أنه يجب على الأفراد والجماعات أن يحولوا دون كل ما من شأنه احتكار الفهم الخاطئ للدين من طرف عصابة من الضالين المضلين. ويضيف البلاغ أن الواضح من قراءة ما يجري في العالم حاليا أن المستفيد من أعمال هؤلاء الإرهابيين ليس هو الإسلام وليسوا هم المسلمين وليست هي الإنسانية التي يرتبط خيرها بالسلم والتفاوض والتراحم وأن جرائم المتطرفين تشوش على تبليغ هذه الرسالة إلى العالم.كما أن النموذج الديني القائم بالمملكة المغربية، فكرا وممارسة، وفي توافق مع العمل من أجل نهضة شاملة يوضح البلاغ هو النموذج الذي يمكن أن يصحح صورة الدين ويقنع الآخرين، الأمر الذي يقتضي صيانة هذا النموذج من كل الشوائب. فزيادة على التوعية بالدين لابد من الوعي بأن خطة الإرهاب مبنية على الرعب والتشكيك، وأن إفشالها أمر سيتحقق مع الأيام بثبات الأمة ويقين المؤمنين وإرشاد العلماء التقاة يقول نفس البلاغ.