لايختلف إثنان في كون المجهودات التي بذلها المغرب في مجال تلقيح المواليد، الرضع والأطفال، من خلال البرنامج الوطني للتمنيع، هي جدّ مهمة وليست بالهينة، وذلك في مواجهة عدد من الأمراض المسؤولة عن مراضة ووفيات عدد كبير من الرضع والأطفال دون سن الخامسة. ولعلّ من بين أهم إنجازات هذا البرنامج ارتفاع معدل التغطية التلقيحية الذي أصبح يتجاوز، وفقا لوزارة الصحة، نسبة 95 في المئة، الشيء الذي مكّن من القضاء على بعض الأمراض، إذ لم تسجل أية حالة من شلل الأطفال والدفتيريا على التوالي منذ سنة 1987 وسنة 1991، كما تمت المصادقة على القضاء على الكزاز الوليدي سنة 2002، فضلا عن كون التلقيح ضد الهيموفيلوس انفلونزا نوع «ب» قد مكّن من خفض عدد حالات التهاب السحايا الناتجة عن هذه الجرثومة بنسبة 85 في المئة، وغيرها من التفاصيل الأخرى المرتبطة بهذا البرنامج. وإذا كانت وزارة الصحة قد خصّصت حوالي 430 مليون درهم لهذا البرنامج الذي يتطور من أجل اقتناء اللقاحات التي يبلغ عددها 11 لقاحا، فإنه من غير المستساغ أن يجد مواطنون أنفسهم، في بعض المراكز الصحية بكبريات المدن، مضطرين إلى مغادرتها بعد ساعات من انتظار دورهم في طوابير تتشكل في الشارع العام قبل قدوم مهنيي الصحة العاملين بها، بحثا عن حقنة/»شوكة» التي يتم ملئها بمحلول اللقاح حتى يحقن بها الرضيع، وذلك عند محلات للبقالة، ويتكبّدون العناء في بحثهم عنها من أجل اقتناءها، أو يطالبون باقتناء الدفتر الصحي الذي هو متوفر بدوره بالمراكز الصحية والذي يحمل شعار وزارة الصحة، ومع ذلك لايمنح للجميع؟ وضعية هي مبعث على التساؤل، الاستغراب والاستنكار، إذ كيف يمكن للعقل تقبّل/استيعاب أن تصرف وزارة الصحة ملايين الدراهم لإغناء البرنامج الوطني للتمنيع، و»لاتوفر» الحقن لتحقيق عملية التلقيح، أو أن تبعث بها للمراكز الصحية ولايتم استثمارها بشكل «مواطناتي»، أو لايجد مواطن معوز حقنة الأنسولين ويضطر إلى اقتناءها من الصيدلية أو الصبر على هبوط نسبة السكري في دمه أو العكس، أو حين يتيه مريض بين أروقة مستشفى ومركز صحّي من أجل الخضوع للفحص ب «الراديو» على مستوى الصدر، وفي آخر المطاف يضطر لإجرائها بالقطاع الخاص، شأنها في ذلك شأن تحليلة البصاق، للتأكد من خلوه من الإصابة بجرثومة كوخ من عدمه، أو يوصف لأم نوع معيّن من الحليب الاصطناعي عوضا عن تشجيعها على الرضاعة الطبيعية من طرف «قابلات» وطبيبات، خلافا للتوجه العام لوزارة الصحة ولتوصيات منظمة الصحة العالمية، أخذا بعين الاعتبار أن مسلسل الغرائب هذا، وحين حديثنا عن جرثومة كوخ المسببة للسّل، سنجده يطال كذلك القناع و «الباربوتور»، اللذين يتم استعمالهما في حالات حرجة من قبل الصغار والكبار بهدف التزود بالأوكسجين الممزوج بالدواء في حالات ضيق التنفس، إذ لا يسلّم عدد من مهنيي الصحة بأقسام المستعجلات المريض القناع الذي استعمله بمعية الأنبوب الصغير الذي يوضع فيه الدواء الذي يسمح بتسريح القصبة/الفروع الهوائية، بعد الانتهاء من التدخل الاستعجالي، ويتم إعادة استعمالها مرات ومرات مع مايعني ذلك من إمكانية لنقل فيروسات من مريض إلى شخص سليم وأمراض عديدة وعلى رأسها السلّ، الذي يشكل معضلة ببلادنا بتسجيله لمستويات عالية من الإصابات، فيغادر المريض الذي جاء طلبا لتدخل استعجالي يسمح بإعادة انتظام تنفسه مصلحة المستعجلات في وضع صحي أفدح! الحديث عن السل دائما يدفعنا للوقوف على قلّة أعداد أداة «الباربوتور» التي هي عبارة عن قنينة من البلاستيك التي تضمّ أنبوبا به ماء، والتي تقوم بترطيب الأوكسجين الذي يستنشقه المريض، وتبلغ كلفتها حوالي 700 درهم، وهي التي من المفروض توفرها بأعداد مناسبة حتى يتسنى استعمالها بشكل تداولي يمنح فرصة زمنية لتعقيمها، إما بالبخار أو بماء جافيل أو أي مادة معقّمة، في أضعف الإيمان، كما هو الشأن بالنسبة للأنبوب الخاص بالمعدة أو الأمعاء ... الخ، نظرا لخطورة المضاعفات التي قد يؤدي إليها استعمالها بشكل متكرر دونما تعقيم، كانتقال السل من خلال التنفس عبر عملية الشهيق والزفير، وإن اعتبر البعض أن هذه الأداة تقوم بدفع الأوكسجين بضغط بنسبة ما، على اعتبار أن لحظة الزفير تفتح الباب للإصابة بالجرثومة في حال تواجدها؟ البعد الوقائي في التعاطي مع المعدات البيوطبية حماية للمواطنين من انتقال العدوى إليهم، يدفعنا كذلك إلى استحضار تأكيد وزارة الصحة على ضرورة توفر المصحات الخاصة على نظام لتغيير الهواء بقاعات العمليات، الذي يسمح بإخراج الهواء الملوث ويعوّضه بالهواء المعقّم، وهو أمر بالغ الأهمية لكن سيبدو الأمر عبثيا حين يتبين أن هذا النظام هو غير متوفر في قاعات للجراحة بالمستشفيات العمومية التي يجب أن تكون نموذجا يحتذى بها، وإذا ماكانت الغاية هي الوقاية من انتقال فيروسات وأمراض خطيرة إلى مواطنين، فما الذي يمنع من أن تتم برمجة اعتمادات مالية ضمن ميزانية وزارة الصحة لتعميم الخطوة على هذه القاعات التي تفتقد ذلك، وكذا على أقسام المستعجلات، باعتبارها فضاءات تعرف إقبال مواطنين مصابين بمختلف أنواع الفيروسات والجراثيم التي يمكن انتقالها بسهولة عن طريق العطاس، عبر الهواء غير المعقم الذي يتم استنشاقه والذي بكل تأكيد سيساهم في انتشار العدوى؟ الأكيد أن ميزانية وزارة الصحة هي تعاني الهزال، وتتنوع أوجه صرفها، ولن تسمح بتلبية كل الطلبات والاستجابة لكل الحاجيات، وهو أمر قابل للفهم، ويحث على الإلحاح في طلب الرفع من قيمتها وهو مطلب يجب أن يكون شعبيا وليس مقتصرا على وزارة الصحة فحسب، لكن الوضع الذي لن يكون قابلا للفهم هو أن توفر الوزارة أدوية ويتم إتلافها بعد انتهاء مدد صلاحيتها عوض منحها للمرضى، وأن يطالب المواطنون باقتناء وسائل للتمريض والعلاج، والحال أنها متوفرة، ولا يتم منحها/تسليمها إلا في إطار خاص جدا، أو يتم اعتمادها كتفضيل أو آلية للمحاباة وغيرها!