افتتاحية الولاية التشريعية الخامسة والأخيرة في عهد هذه الحكومة التي تصادف 9 اكتوبر 2015، تميزت بالخطاب الملكي الهام الذي رسم خريطة طريق عمل الغرفتين التشريعيتين، بعد انقضاء الإنتخابات الجماعية و الجهوية و انتخابات مجلس المستشارين، لقد أكد الخطاب على بناء المؤسسات و اعتبارها المدخل الرئيسي للبناء الديمقراطي وخدمة مصلحة الوطن و المواطنين دون التركيز على الأشخاص بإعتبارهم فاعلين منتهية صلاحيتهم، كما أكد على استثمار اللحظة التاريخية التي يعيشها المغرب حيث تتميز بالتوجه إلى بناء مؤسساتي جهوي ينبني على الناجعة و الفعالية، مذكرا كذلك بالنسبة العالية للمشاركة من طرف المواطنين بالأقاليم الجنوبية مما يؤكد على تشبثهم بمغربيتهم و بالمسار الديمقراطي الذي يعرفه المغرب. ونحن اليوم إذ نستشعر التحول عند الناخبين في اختيار منتخبيهم رغم بعض الإختلالات و التجاوزات هنا و هناك، فيمكن أن نقول بأن الفعل الديمقراطي في المغرب سائر في الطريق الصحيح، بفعل إدراك الناخبين و المنتخبين للمسؤولية الملقاة على عاتقهم من أجل الاختيار الصحيح الذي قوامه النزاهة و الكفاءة كشرطين أساسين و التشبث بحسن التدبير الفعلي للجماعات و الجهات باعتبارهما مؤسستين تكمل كل واحدة الأخرى. و في نفس السياق أكد الخطاب الملكي على توجيه رسائل واضحة إلى نواب الأمة و في نفس الآن للحكومة، مبرزا عدم إخراج مجموعة من القوانين التنظيمية و عدم تحيين مجموعة أخرى رغم مضي أربع سنوات على دستور2011، متسائلا حول عدم إقامة مؤسسات جديدة التي ضمنها هذا الدستور من قبيل: المؤسسات الحقوقية و الرقابية، مجلس الاستشاري للأسرة و الطفولة و المجلس الاستشاري للشباب و العمل الجمعوي. و من أبرز ما أكد عليه الملك محمد السادس هو القانون التنظيمي المتعلق باللغة الأمازيغية المدسترة في الصف الثاني بعد اللغة العربية، و ذلك بتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية بإعتبارها هي واللغة العربية يشكلان عنصر وحدة ولم يكونا سببا للصراع و الانقسام. و يأتي إخراج القوانين المتعلقة بالمجلس الوطني للغات و الثقافة المغربية في المرتبة الثانية لما له من أهمية كبرى تربط بين كافة المؤسسات المعنية بهذه المجالات. كما أن الشأن النقابي حضي هو كذلك بالإهتمام عن طريق التأكيد على إخراج القانون التنظيمي لممارسة الإضراب علما أن الفصل 14 من الدستور يكفل هذا الحق، حيث أكد الخطاب على أن تكون هناك مشاورات موسعة مع كل الفراقاء الاجتماعيين مما يستدعي من الحكومة دعوتهم عاجلا للاستماع لمقترحاتهم في هذا الشأن بما يضمن الحقوق الشغلية للطبقة العاملة ومصالح أرباب العمل و مصلحة الوطن. و ارتباطا بما سبق فإن مشروع قانون هيئة المناصفة و مكافحة كل إشكال التمييز يبقى كذلك من القضايا الكبرى التي يجب الإنكباب عليها ناهيك التسريع بالمصادقة على المشاريع المعروضة على البرلمان كسلطة القضاء و المناصفة وكل أشكال التمييز. و بجانب المصادقة أكد الخطاب الملكي على تفعيل التشريعات و إرساء المؤسسات و الإسراع بانتخاب أعضاء المحكمة الدستورية من أجل تعيين أعضائها بمجلس البرلمان. و لم يفت الخطاب الملكي الدعوة إلى تجنب الصراعات بين الأغلبية و المعارضة و الرفع من مستوى الخطاب السياسي الذي لا يرقى إلى ما يتطلع إليه المواطنون واعتبر بأن البرلمان هو فضاء للنقاش المسؤول الجاد، حيث يشكل مرآة حقيقية لتمثيل المواطنين مبرزا أهمية مجلس المستشارين و التكامل ما بينه و بين مجلس النواب. إن ابراز الفصل 86 من الدستور: « تعرض مشاريع القوانين التنظيمية المنصوص عليها في هذا الدستور وجوبا قصد المصادقة عليها من طرف البرلمان، في أجل لا يتعدى مدة الولاية التشريعية الأولى التي تلي صدور الأمر بتنفيذ هذا الدستور» هي رسالة واضحة لنواب الأمة و للحكومة حيث أن ما ينتظرهم هو عمل مضني يجب استكماله في آخر هذه الولاية طبقا لما جاء في الفصل، و ذلك بتغليب روح التوافق ما بين الأغلبية و المعارضة و الابتعاد عن المزايدات السياسية خدمة للقضايا الكبرى للوطن و المواطنين.