ركز الخطاب السامي الذي ألقاه صاحب الجلالة الملك محمد السادس، اليوم الجمعة، بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الخامسة من الولاية التشريعية التاسعة، على القضايا المؤسساتية، معتبرا أنها تشكل سنة حاسمة لاستكمال إقامة المؤسسات، مما يوضح الرؤية الملكية الشمولية في تعاطيه مع قضايا الأمة. ويستمد هذا التوجه وجاهته وراهنيته، ليس لأن السنة التشريعية الحالية هي آخر سنة في هذه الولاية، وإنما لأن الدستور يحددها كآخر أجل لاستكمال إقامة المؤسسات الدستورية.
فقد دعا صاحب الجلالة الملك محمد السادس في خطابه السامي مجلسي البرلمان لاستثمار التكامل بينهما للرفع من مستوى أداء العمل البرلماني، ومن جودة التشريعات التي يصادق عليها، مسجلا أن "العمل الذي ينتظر البرلمانيين خلال هذه السنة، لاستكمال إقامة المؤسسات، لا يستحمل إضاعة الوقت في الصراعات الهامشية".
وذكر جلالة الملك بمكانة مجلس المستشارين في المشهد السياسي والمؤسسي الوطني، وما يتوفر عليه من تركيبة متنوعة ومتعددة التخصصات والخبرات والكفاءات، مستعرضا في الوقت نفسه ضعف الخطاب السياسي، حيث أكد جلالته أنه "رغم كل المجهودات المبذولة، فإن الصورة التي تبقى في ذهن عدد من المواطنين، هي الصراعات والمزايدات، بين الأغلبية والمعارضة، داخل البرلمان أحيانا، وفي بعض التجمعات الحزبية، وحتى في وسائل الإعلام".
وفي هذا الصدد، أبرز جلالته الآثار السلبية للصراعات الهامشية على العمل السياسي، فضلا عن كونها تكون دائما على حساب القضايا الملحة والانشغالات الحقيقية للمواطنين.
وذكر جلالته الحكومة والبرلمان بمقتضيات الفصل 86 من الدستور، الذي حدد نهاية الولاية التشريعية الحالية، كآخر أجل لعرض القوانين التنظيمية على مصادقة البرلمان.
وأشار صاحب الجلالة إلى أهمية "القضايا الوطنية الكبرى، التي تتطلب من الجميع، أغلبية ومعارضة، حكومة وبرلمانا، تغليب روح التوافق الإيجابي، والابتعاد عن المزايدات السياسية".
وفي هذا الإطار، صنف جلالة الملك المشاريع التي ستعرض على البرلمان إلى أصناف تشمل مشاريع القوانين التنظيمية التي لم تعرض بعد على البرلمان، ومنها مشروع القانون التنظيمي المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية، مبرزا أن "العربية والامازيغية كانتا دائما عنصر وحدة، ولن تكونا أبدا سببا للصراع أو الانقسام"، ومشروع القانون التنظيمي للمجلس الوطني للغات والثقافات المغربية.
وأوضح جلالة الملك في هذا السياق بأن "الأمر يتعلق بإقامة مجلس يضم كل المؤسسات المعنية بهذه المجالات، وليس وضع هيكل عام لمؤسسات مستقلة"، فضلا عن مشروع القانون التنظيمي للإضراب، الذي يتطلب استشارات واسعة، حيث دعا جلالته إلى "التحلي بروح التوافق البناء، بما يضمن حقوق الفئة العاملة، ومصالح أرباب العمل، ومصلحة الوطن".
كما تهم المشاريع المعروضة على البرلمان، مشاريع القوانين التنظيمية المعروضة على مصادقة البرلمان، حيث دعا جلالته إلى الإسراع بالمصادقة عليها، وخص جلالته بالذكر مشاريع النصوص المتعلقة بالسلطة القضائية، والمشروع المتعلق بهيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز.
وتشمل المشاريع أيضا المؤسسات التي تم تحيين نصوصها القانونية، ولم يتم تنصيبها بعد، إذ أكد جلالة الملك أن الهدف ليس هو المصادقة على القوانين فقط، وإنما تنصيب المؤسسات لتقوم بمهامها، مجددا الدعوة للبرلمان لانتخاب أعضاء المحكمة الدستورية، الذين يخول الدستور لمجلسي البرلمان اختيارهم، حتى يتسنى تنصيبها في أقرب الآجال، داعيا لتفعيل النصوص القانونية المتعلقة بمجلس المنافسة وبالهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها.
أما بخصوص المؤسسات التي لم يتم تحيين نصوصها القانونية، فقد تساءل جلالته عن السبب وراء عدم تحيين هذه النصوص رغم مرور أربع سنوات على المصادقة على الدستور، ويتعلق الأمر هنا بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان، ومجلس الجالية المغربية بالخارج، ومؤسسة وسيط المملكة، إضافة إلى المجلس الأعلى للحسابات.
أما في ما يتعلق بالمؤسسات المحدثة بموجب الدستور، ولم يتم عرض مشاريع النصوص القانونية المتعلقة بها على مسطرة المصادقة، ويتعلق الأمر على الخصوص، بالمجلس الاستشاري للأسرة والطفولة، والمجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي.
واختتم جلالته خطابه السامي بدعوة الجميع إلى اعتماد التوافق الإيجابي في كل القضايا الكبرى للأمة، مشددا على رفض التوافقات السلبية التي تحاول إرضاء الرغبات الشخصية والأغراض الفئوية، على حساب مصالحا لوطن والمواطنين، مؤكدا أن "الوطن يجب أن يظل فوق الجميع"