نظم إدريس لشكر الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ندوة صحافية يوم الثلاثاء الماضي بالمقر المركزي للحزب. وقد أعلن عن رفض الحزب لكل النتائج المترتبة عن هذا المسلسل المغشوش، وعدم الاعتراف به، مضيفا أن الحزب لن يدخر وسعا في فضح هذه المهزلة التي حصلت في البلاد في الوقت الذي كان فيه الشعب المغربي والرأي العام الدولي ينتظر أن يقدم المغرب نموذجا في الانتقال الديمقراطي في منطقته العربية والمغاربية. وذكر لشكر أمام الصحافة الوطنية والدولية أن مثل هذه الممارسات ليست جديدة في المغرب، بل سبق أن عاشها الحزب، في سنوات الرصاص وما تلاها، غير أن صموده في مواجهة الغش الانتخابي، كان نموذجا في الاختيار الديمقراطي. في ما يلي الوقائع الكاملة للندوة: السيدات والسادة، الصحافيات والصحافيين المحترمين، أود في البداية أن أرحب بكم، في هذه الندوة الصحفية، التي دعونا إليها للاعتبارات التالية: أولا/ إطلاعكم على مواقف الحزب بهدف اطلاعكم على مستجدات الحياة الحزبية، وكذا تقييمنا للوضعية الراهنة، بعد أن انتهى المسلسل الانتخابي، الذي انطلق مع انتخابات المأجورين، مرورا بانتخابات الغرف المهنية، مرورا بالانتخابات الجماعية والجهوية، وصولا إلى انتخابات مجلس المستشارين. واسمحوا لي أن ارجع بعقارب الساعة الى الوراء قليلا، إلى المشهد السياسي بعد تظاهرات 20 فبراير، وخطاب 9 مارس، 2011، والذي أدى إلى الإصلاح الدستوري، والانتخابات التشريعية السابقة لأوانها. لقد انخرطنا كحزب، في هذا المسلسل، من منطلقين اثنين: الأول، الخوف من أن تدخل بلادنا في مسلسل التدمير والفوضى، لذلك اعتبرنا أن مقترح تشكيل اللجنة الإستشارية لمراجعة الدستور، مخرج مشرف، يمكن من معالجة إشكالية الإصلاح الدستوري، التي كنا طرحناها في مؤتمرنا الثامن. ثانيا، وهو الثقة في المؤسسة الملكية، التي سبق أن توجهنا لها كحزب لوحدنا بمذكرة تطالب بالإصلاح السياسي والدستوري. كان لدينا أمل في أن يتقدم المغرب، نحو البناء الديمقراطي الحقيقي وكنا حريصين على الدفع بتفعيل الإصلاحات ، غير أن التطورات التي شهدها الوضع السياسي، أثبتت أن الأمور تسير في الاتجاه المعاكس. كيف ذلك؟ كما هو معلوم، فإن تنظيم الانتخابات تعتبر أحد المعايير الكبرى، لمصداقية أية دولة، وأيضا لشرعية مؤسساتها، ولذلك كنا حريصين، منذ الوهلة الأولى، على تقديم إقتراحات، من أجل تجنيب بلادنا خطر السقوط في الأساليب التي تنهجها بعض بلدان العالم الثالث، والتي خبرها حزبنا في الستينات والسبعينات والثمانينات والتسعينات، من القرن الماضي. لكن تبين أن هناك إرادة مبيتة للعودة، إلى هذه الحقبة المأساوية من تاريخ المغرب. فقد تابع الجميع كيف تم التحضير للقوانين الإنتخابية، جعل الحكومة تعرف ارتباكا، في من يشرف عليها، وتنصلت في البداية كافة الأطراف من مسؤولياتها، ولابد أن نتذكر في هذا الإطار تصريحات مختلف المسؤولين الحكوميين التي انتهت إلى قرار تشكيل اللجنة المركزية المشرفة على الانتخابات والتي اعترضنا عليها لعدم دستوريتها وقانونيتها. فتراجعت الحكومة معلنة تحمل مسؤوليتها في إشراف رئيسها إلى جانب كل من وزيري العدل والداخلية على الانتخابات، وتحمل مسؤوليتهم كاملة فيما يتعلق بنتائجها وكل العمليات الانتخابية يومها. وانتظرنا أن تأتي الحكومة بمشاريع القوانين المنظمة، وأكدنا دوما أن الحكومة غير جاهزة، لكنها كانت تصر على عكس ذلك، واليوم، وقد لاحظ الجميع الاختلالات الكبرى التي عرفتها مشاريع القوانين التي كنا نضطر لمناقشتها باستعجال حتى لا نُتهم بالتماطل وبالرغبة في تأخير الاستحقاقات. لقد كان الاطار القانوني مهزوزا ولن يهيء كما يجب بحيث كانت انتخابات بعض الغرف المهنية بدون منافسة. لقد كان ضغطا زمنيا رهيبا على القوى السياسية بدعوى احترام تواريخ الأجندة الانتخابية، وكان انخراطنا بمحاولة إدخال إصلاحات على القوانين الانتخابية، هذه الإصلاحات التي جاءت قرارات مجلس الدستوري لتضربها في الصميم، وتفتح الباب على مصراعيه لعملية الترحال السياسي التي عانى الرأي العام من آثارها المدمرة على المؤسسات وعلى مصداقية العمل السياسي . كاد الأمر أن يتحول إلى عهارة سياسية لا فرق فيها بين المتجارة التي تتم فيها، وبين المتجارة في المرشحين. المسلسل برمته كان فاسدا، فإنتخابات المأجورين، جرت بدون ضوابط قانونية صارمة، سواء من حيث مراقبة الإقتراع أو من حيث فرز الأصوات، الذي تتحكم فيه الإدارة، بدون مراقبين، الأمر الذي فتح الباب على مصراعيه لعمليات التزوير الفاضحة التي إستنكرتها المنظمات النقابية الجادة. أما إنتخابات الغرف المهنية، فلم تختلف عن سابقتها، حيث كانت مجالا متميزا لعمليات البيع والشراء والرشوة في أبشع مظاهرها. والجميع يُقر أن الحكومة لم تبذل أي مجهود لإصلاحها بل حتى الوزارات الوصية عليها اعترفت لنا أن ضغط الأجندة الانتخابية يستدعي تأجيل هذا الإصلاح، وحرصا منا أن لا نكون سببا في أية عرقلة للعمليات الانتخابية تجاوبنا. وبالأمس فقط تحدثت الوزارة الوصية عن إصلاح موكول لما أجمع الجميع أنهم جاؤوا نتيجة عمليات فاسدة. لكن بعد إجراء الانتخابات والنتائج المدمرة التي عرفتها الغرف والتي لا يمكن أن يحسب لهذه الحكومة أنها عملت من اجلها أي شيء ما تلا هذه العمليات، لم يخرج عن قاعدة الرشوة والغش المفضوح، حيث تحول المرشحون إلى موضوع سمسرة، لم يعرف المغرب لها مثيلا. وقد عكست الصحافة جزءا من هذا الواقع، إذ كانت في كل مرة تكشف عمليات انتقال مرشحين من حزب لحزب، وكأن الأمر يتعلق بميركاتو في كرة القدم. لقد جلنا المغرب برمته وقمنا بمؤتمرات إقليمية للحزب، لكن نتفاجأ أن أحزابا ليس لديها مقرات حزبية ولا أجهزة إقليمية ولا وجود لأي نشاط حزبي لها في مناطق معينة، لكنها بقدرة قادر استطاعت أن تتبوأ المراتب الأولى في الترشيحات وفي نتائج الانتخابات، لكن بالتقاطها من الحياة اليومية للأحزاب الجادة إما بالترهيب أحيانا أو بالضغط عبر ملفات، ولدينا حالات تدل فيها "القايد" لتغيير انتماءات مرشحين في وقت تقديم ترشيحاتهم، وإعطائهم تزكيات جاهزة، فقد تحول أعوان السلطة إلى خدام لدى بعض الأحزاب. فاعلون للسلطة تدخلوا في الوجهة السياسية التي سيتوجه إليها المرشح. أتحدى وزارة الداخلية ووزارة العدل والحريات في ما وقع لوكيل لائحة حزبنا بمدينة جرادة، الذي تم اعتقاله في أواسط الحملة الانتخابية، والذي له امتدادات حقيقية كبيرة، حيث تم تحريك مسطرة له من مدينة شفشاون بناء على انه تاجر كبير وبالأطنان وبالشاحنات في المخدرات، وحين اتصالي هاتفيا بوزير الداخلية، لا جواب في الأمر، ولدى اتصالي هاتفيا أيضا بوزير العدل والحريات طمأنني انه سيبحث في الأمر، وفي الواحدة صباحا أخبرني على أن الأمر يتعلق بعصابة وجريمة كبرى وأنه سيطلع على المحضر في الصباح، وبعد اطلاعه على المحضر، قلت له أنت قانوني ويعرف أن المرشحين لا يعتقلون إلا في حالة التلبس وليس بناءا على الوشاية الكاذبة، لكن وكيل لائحتنا تم اعتقاله من بيته وليس هناك حالة تلبس، فقال لي سأرى في الأمر، وذكرته في نفس اللحظة أن وكلاء لوائح صدرت في حقهم أحكام نهائية وهناك من صدر الأمر باعتقاله لكي ينفذ الحكم فيه، واحتفظت النيابة إلى حين مرور عمليات الانتخابية. ووكيل لائحة حزبنا الذي اتهم بالاتجار في المخدرات، حين مرت الانتخابات بيومين، أصدرت المحكمة قرارا يقضي ببراءته وأن الأمر يتعلق بوشاية كاذبة، فنتحدى وزير الداخلية ووزير العدل على تكذيبنا، ونؤكد أن اعتقاله كان بهدف تفويت لفرصة على حزبنا. مراجعة اللوائح الانتخابية، كانت مذبحة حقيقة للديمقراطية، حيث عرفت تشطيبا لآلاف الناخبين، كما أن العملية الإستدراكية للتسجيل سمحت بإنزال مخدوم، وتبين فيما بعد كيف أن التزوير بدأ من هذه العملية، التي كان يشرف عليها ممثلون عن السلطات المحلية، الذين تكلفوا بمواصلة عمليات الغش. قبل وبعد إنطلاق الحملة الانتخابية، لإستحقاقات الجماعات المحلية والجهوية، عادت عجلة التاريخ بالمغرب، سنوات إلى الوراء، فقد عاش المغاربة أجواء كانوا يعتقدون أنهم طووا صفحتها إلى الأبد، منذ حكومة التناوب، لكن للأسف لم يكن الاعتقاد صحيحا، فقد خرج الوحش من قمقمه مرة أخرى، ليرسم خارطة الغش والفساد، المتعدد الأوجه، ويذبح الديمقراطية من الوريد إلى الوريد. لقد فكرت، حين بدأت تصل إلى مقرنا الحزبي أخبار التجاوزات من هنا وهناك وبشكل متواتر، في إرجاع ذلك إلى عجز السلطات (لوجيستيكيا وبشريا) عن ضمان السير العادي للانتخابات، خاصة في بعض مراكز التصويت الواقعة في بعض الأحياء الهامشية أو في تلك التي تعتبر مناطق نفوذ بالنسبة لبعض المرشحين. لكن، حين يصبح الأمر عاما، تصبح فرضية العجز باطلة: فأن يكون للدركي وللشرطي ولعون السلطة نفس الموقف من التجاوزات التي يتم تبليغهم بها من قبل الناخبين أو المرشحين... والذين يتلقون من هؤلاء نفس الجواب (عليكم باللجوء إلى القضاء؛ وهذه معضلة أخرى، فهذا لا يمكن إلا أن يكون ناتجا عن تلميح أو توجيه أو تعليمات صريحة أو غير ذلك من الوسائل التي جعلت حياد السلطة (أقصد الحياد السلبي) يكون عاما وفعليا. ويزداد الأمر وضوحا وخطورة وتتبدد كل الشكوك، حين نقرأ بعض التقارير الصحفية أو تصلنا بعض الأصداء من هذا الإقليم أو ذاك، والتي لا تختلف في شكلها ومضمونها. وهذا ما يعيد إلى الأذهان ممارسات الماضي ويعيد عقارب الزمان الديمقراطي إلى الوراء؛ وهو ما يقلل من فرص المشاركة السياسية ويرفع من هشاشة بناء مؤسساتنا المنتخبة، وذلك بتعزيز عوامل العزوف وفقدان الثقة في العمل السياسي. وهناك، حسب ما يبدو، في الدولة والأحزاب، من يعمل لأجل هذا الهدف،ضدا على المصلحة العليا للبلاد. الإجماع على أن الانتخابات برمتها فاسدة اولا: يمكن هنا الرجوع لكل تصريحات رئيس الحكومة، التي تلمح إلى عمليات الغش، واستعمال أموال المخدرات، في الإنتخابات، بالإضافة إلى التصريح الإخير، لأحد الوزراء في الحكومة، وهو أمين عام لحزب التقدم والإشتراكية، الذي إعتبر أن 70 في المائة ممن فازوا في كل الإستحقاقات منذ ماي إلى إنتخابات مجلس المستشارين، حصلوا على ذلك بالرشوة الإنتخابية. ونحن لدينا كل المعطيات التي تؤكد هذه الخلاصة، وكذا تصريح رئيس المجلس الوطني للحزب الحاكم بأنه يعرف مرشحا نفق مليارا. ثانيا: كان بلاغ أحزاب المعارضة يوم 5 شتمبر2015، واضحا في هذا الشأن، حيث أعلن رفضه التام للممارسات الخطيرة، التي عرفتها هذه الإستحقاقات، طيلة يوم الإقتراع، من «تجاوزات وخروقات خطيرة، أكدت أن الحكومة لم تكن مؤهلة، بالمرة، لتحمل مسؤولية الإشراف على انتخابات نزيهة». ووصف هذه الإنتخابات بكونها «ذبحا للديمقراطية، وتكريسا لنهج الغش الإنتخابي». لذلك نحن في الاتحاد الاشتراكي نعتبر هذه الإنتخابات باطلة، لأنها مغشوشة، من مبدإها إلى منتهاها، ويؤسفنا أن نقول ذلك، في الوقت الذي كنا ننتظر فيه تنفيذ الإلتزامات التي وردت في مسلسل الإصلاح الدستوري. إنطلاقا من هذه المعطيات، فأن حزبنا يعلن ما يلي: رفضه لكل النتائج المترتبة عن هذا المسلسل المغشوش، معلنين عدم الاعتراف بها، ولن نذخر وسعا في فضح هذه المهزلة التي تحصل في بلادنا، في الوقت الذي كان الشعب المغربي والرأي العام الدولي ينتظر أن يقدم المغرب نموذجا في الإنتقال الديمقراطي في منطقته العربية والمغاربية. التذكير بأن مثل هذه الممارسات ليست جديدة في المغرب، بل سبق أن عاشها الحزب، في سنوات الرصاص وماتلاها، غير أن صمود الاتحاد وقيادته في مواجهة الغش الإنتخابي، كان نموذجا في الإختيار الديمقراطي ، الذي لم يتراجع أو يستسلم أو ترك دفة السفينة، متهربا من مسؤوليته، بل واصل النضال، رغم كل ما حصل من فبركة لأغلبيات مخدومة، وما عاناه الحزب من أشكال فظيعة لتزوير الإرادة الشعبية، حتى ونحن مساهمين في تدبير الشأن العام. التحضير لإجتماعات الهياكل الجهوية والإقليمية والقطاعية للحزب، في أفق عقد إجتماع هيأته التقريرية، من أجل التداول في كل البدائل الممكن لمواجهة هذا الواقع، حيث سيقدم المكتب السياسي برنامجا سياسيا وخطة تنظيمية، كمقترح لمواصلة النضال من أجل البناء الديمقراطي، وفتح الباب أمام كل المشاريع الجدية لرص صفوف الحزب، وتجاوز الصراعات الجانبية، التي لا تخدم سوى خصوم الديمقراطية، والحسم نهائيا مع السيبة. التأكيد على وعينا التام بالعمل الدنيء الذي تقوم به بعض وسائل الإعلام، من ريع السياسة وبعض المتعيشين التي لا شغل لها إلا الإساءة لصورة الحزب وقيادته، في عمل ممنهج، مرافق لمحاولات الهيمنة على المشهد السياسي، بوسائل حقيرة. وسينتقل حزبنا من مجرد إدانة هذه الوسائل المأجورة إلى تسمية الأسماء بمسمياتها، لفضح من يقف خلفها.