إذا كانت من أهداف الإدارة الرقمية أو التكنولوجية هي تأمين المنظومات والمعطيات كما تنص على ذلك المواثيق والبرامج الحكومية بدول العالم، فإن برنامج مسار هو نوع من هذه البرامج التي تحفظ أم المعطيات والمعلومات بالمنظومة التربوية المغربية، وإقرار مبدأ الشفافية والوضوح في تدبير قطاع التربية والتعليم، وكذا توفير قاعدة معطيات لقطاعات حكومية أخرى، تشتغل وتتقاسم هذه القاعدة كصندوق الضمان الاجتماعي وغيرها. لا أنكر على المسؤولين الدور الكبير المنوط بهذا البرنامج لكونه يوفر القاعدة الهامة المذكورة فيما يرتبط بتدبير الخريطة المدرسية، والموارد البشرية والمستلزمات المادية والنتائج المدرسية والشواهد. لكن البرنامج من وجهة نظرنا أفقد الحقل التربوي إنسانيته، بتلخيصه كل العناصر في أرقام، بحيث ساوى بين الإنسان والشيء. ولا أنكر على الفاعلين في الحقل التربوي والقائمين عليه كون لغة العصر هي الأرقام وأن ما لا يمكن أن يصبح رقما سيؤول للزوال، لكن ما أنكره عليهم اعتقادهم النجاح بإفقاد الحقل التعليمي لطابعه التربوي الإنساني. وإذا كان بإمكان برنامج مثل « مسار « أن يحقق نجاحات باهرة وهائلة في قطاع اقتصادي ليس إلا لأنه يسهل عمليتي التدبير والتسيير في قياس مردودية العمال وكمية المنتوج، وإحصاء الغياب والاقتطاع والساعات الإضافية ونسبة الأرباح والخسائر، فإن تعامل البرنامج مع التلميذ كرقم، لم يستحضر أي اعتبارات لإنسانيته، وليس إثارتنا للموضوع في هذه اللحظة بالذات تأجيجا للشرارة المنطفئة ولا دعوةً من باب أو أبواب متفرقة إلى نبذ « ما أجمعت أمتي على ضلال»، ولا محاولة منا التشويش على ما تراضى عليه المتدخلون في الحقل التربوي، ولكن كونه في هذه اللحظة بالذات أحسسنا جميعا بأن البرنامج لم يُعِرْ أي اعتبار لإنسانية المتعلمين من باب إرهاقهم بتوحيد أسبوع إنجاز الفروض الكتابية المحروسة الأخيرة، ووصلها بالامتحانات الإشهادية بالنسبة إلى السنوات النهائية في كل سلك على حدة. فإذا اعتبرنا عدد المواد التي يمكن أن تدرس في ثانوية إعدادية هو12 مادة(رياضيات، فرنسية، عربية، تربية إسلامية، اجتماعيات، تربية بدنية، فيزياء، علوم الحياة، إنجليزية، تربية تشكيلية، تكنولوجيا، تربية أسرية، ..) وقسمناها على عدد أيام الأسبوع لوجدنا أن تلميذ الإعدادي سينجز في الأسبوع الممتد من 14 يناير إلى 20 منه، ما معدله فرضان كل يوم. وهو ما يشكل له إرهاقا بدنيا ونفسيا، وهو ما فرت منه البيداغوجيات الحديثة ونبهت إليه مدارس علم النفس المعاصرة، في الانتقال من الكم إلى الكيف، واستحضار الجوانب السيكولوجية للمتعلم في العملية التعليمية التعلمية. في حين جرت العادة في زمن الإدارة التربويةالمستحضرة للبعد الإنساني والاجتماعي في المنظومة، أن كل مدرس لمادة دراسية، أو مجلس تعليمي يقترح تواريخ إنجاز الفروض على إدارة المؤسسة التي ترعى للمتعلمين إنسانيتهم، وفي نفس الوقت تحافظ على شمولية الفروض للدروس ومراعاة استكمالها. وقد يدَّعي مدَّعٍ أنه يستحيل الجمع بين الأمرين: أمر شمولية الفروض للدروس مع تجنب تكديسها في أسبوع واحد قبل الامتحانات الإشهادية، فردنا هو أن المواد المدرسة تختلف في عدد الدروس وطبيعة المحتويات، إذ يمكن لمادة دراسية ما أن تُستنفد دروسها قبل أخرى، فلم لا تنجز فروض مثل هاته؟ ختاما، نقول إن أي برنامج معلومي يشيئن العنصر البشري يحقق أهدافه في تدبير المعطيات والأرقام، لكنه لا يحقق المرامي الاجتماعية والإنسانية التي لا بد من مراعاتها لتحقيق التوازن والاستقرار، وهو ما يطرح أيضا في ما يسمى بالحالات الاجتماعية في الحركة الانتقالية، رغم أن هذه الأخيرة محكومة بالبعد الاجتماعي من ألفها إلى يائها. * أستاذ بنيابة تنغير