ماذا أصاب التسامح السويدي المعهود؟ سؤال طرحه العديد من الناشطين الحقوقيين في مجال المساواة ومقاومة العنصرية في السويد بعد الموجة الأخيرة من الاعتداءات التي طالت المهاجرين وطالبي اللجوء في أكثر من مناسبة في البلاد، الأمر الذي دعا إلى تسليط الضوء على ما يحدث خاصة في ظل تطور بعض الظواهر التي لم يتعودها المواطن السويدي في شوارع مدنه، لعل أبرزها ظاهرة التشرد والنوم في العراء. طائفة الروما القادمة من وسط أوروبا الشرقية، وهم أساسا من الرومانيين، تكشف بتعرضها في المدة الأخيرة في السويد لاعتداءات عنصرية عن تفشي هذه الظاهرة بشكل متصاعد في صفوف المنتمين إلى التيارات والجمعيات والأحزاب اليمينية، وذلك باستهدافهم الأجانب وطالبي اللجوء وحتى المهاجرين بشكل قانوني. ويستغل العديد من مواطني دول أوروبا الشرقية وأساسا من رومانيا وبلغاريا قدرتهم على السفر بحرية باعتبارهم من دول الاتحاد الأوروبي، للقدوم إلى بلدان كالسويد لتتكثف هجراتهم إليها وتصبح أعدادهم في تزايد دون العثور على عمل، الأمر الذي سبب تشكل ظواهر لم يعهدها السويديون مثل التسول والنوم في العراء، وقد أكدت العديد من الشهادات أنه رغم تلك الظروف القاسية، فإن اعتداءات وتهديدات المتطرفين دائما ما تلاحقهم. وقال مواطن من رومانيا يدعى فاسيلي عمره 38 عاما ويعيش على أداء أعمال بصفة غير قانونية في مجالات مثل البناء في مختلف أنحاء ستوكهولم ?الاعتداء الأول علي كان في نوفمبر من العام الماضي وكان بطلقات الخرطوش وقد استمرت تلك الاعتداءات على غيري من المهاجرين في العديد من أماكن عملهم?. وتستقبل السويد أكبر عدد من طالبي اللجوء مقارنة بعدد السكان من أي دولة أخرى في أوروبا، فقد بلغ عدد من تقدموا بطلبات للجوء في البلاد العام الماضي 81 ألفا وجاءت بذلك في المركز الثاني بعد ألمانيا. لكن في حين أن معظم طالبي اللجوء يأتون في الأساس من دول مثل سوريا وأفغانستان وإريتريا ويحصلون على مساعدات حكومية فإن الكثير من المهاجرين الروما يحاولون كسب لقمة العيش وادخار بعض المال للعودة به إلى بلادهم من خلال التسول أو جمع الزجاجات. وتقدر الحكومة أن هناك نحو 5000 مهاجر بعضهم أيضا من المجر موجودون في السويد بغرض التسول، ويعيش كثيرون منهم في الشوارع أو في مخيمات تنتشر فيها الأقذار، وفي الشهور الأخيرة ألقى مهاجمون مواد كاوية على المتسولين وأحرقوا خيامهم وعرباتهم التي يستخدمونها بيوتا للإقامة فيها، الأمر الذي أثار حفيظة الجمعيات الحقوقية والمدافعين عن حقوق الإنسان والمواطنة الكونية. وبدأ الديمقراطيون في السويد حملة إعلانات في محطات مترو الأنفاق في قلب ستوكهولم يعتذرون فيها للسياح عن ?الفوضى? التي أحدثها المتسولون. وكتب على لافتة أحد الإعلانات ?حكومتنا لا تريد أن تفعل ما هو ضروري. لكننا سنفعل ذلك ونحن نتزايد بسرعة قياسية?. واقتحم محتجون محطة القطارات في ما بعد ومزقوا اللافتات ووصفوها بأنها إفراط في الخوف من الغرباء. وقال سفين هوفمولر نائب رئيس منظمة هيم التطوعية لدعم المهاجرين ?هم يريدون الفوضى، يريدون تقسيم الناس في السويد وضرب مبدأ المواطنة والتسامح الذي نعتز به، لكن المتطرفين لن يمروا ونحن نناضل?. يقول المجلس الوطني السويدي لمنع الجريمة إن نحو 300 اعتداء تم الإبلاغ عنها وقع على طائفة الروما في عام 2014 بزيادة نسبتها 23 بالمئة عن العام السابق، وتقول الشرطة إن الأرقام لا تكشف عن الحجم الحقيقي للمشكلة. ومما زاد من التوتر في السويد بسبب الهجرة أن الشرطة صعدت إجراءاتها الأمنية حول دور إقامة طالبي اللجوء في أغسطس الجاري بعد أن وقع اعتداء بسكين في متجر سقط فيه قتيلان. وكان المتهم من اليمينيين المتطرفين في السويد. ويرفض حزب الديمقراطيين في السويد اتهامات بأن أنصاره يصبون الزيت على النار، ويقول المتحدث باسمهم هنريك فينغ إن الحملة الإعلانية لم تتحدث سوى عن عصابات إجرامية تستغل الشحاذين. ويريد الحزب خفض عدد طالبي اللجوء بنسبة 90 بالمئة، في تواز مع ارتفاع عدد الأصوات التي حصل عليها الحزب في انتخابات العام الماضي إلى الضعف، ليصل إلى نحو 13 بالمئة. وأظهر استطلاع للرأي أن الحزب أصبح الآن أكثر الأحزاب شعبية في السويد إذ يؤيده 25 بالمئة من الناخبين باستغلاله لخطاب معاد للمهاجرين ويتبنى منهجا متطرفا في التعاطي معهم. وقال مارتن فالفريدسون المنسق الوطني للمهاجرين في السويد إن بلاده التي أنفقت نحو 1.4 بالمئة من ميزانيتها على سياسات اللجوء في العام الماضي مازالت تحتفظ بقيمة التسامح لكن عددا كبيرا من السويديين مستاءون من رؤية المتسولين. وتبحث الحكومة اتخاذ تدابير لتسهيل طرد الناس من المستوطنات غير القانونية وتشديد القواعد الخاصة بتهريب البشر. كما صعدت الحكومة اتصالاتها مع رومانيا وبلغاريا والاتحاد الأوروبي للتصدي لهذه المشكلة. وقد قوبلت هذه الإجراءات الحكومية بقبول من الجمعيات والمدافعين عن التسامح والتعايش نظرا ?لاتباعها القوانين وابتعادها عن العنف? الذي قال مراقبون أنه انتشر في صفوف الأحزاب اليمينية والجماعات المتطرفة. التي تخيفها فزاعة الآخر والإرهاب.