منذ نعومة أظافرها،تحب أن تكون مميزة،أمَا كانت تعصِب جيدها وجبهتها بإكليل من القرقاص وشقائق النعمان مثل الهنود الحمر،وتختال وتتبختر مثل الأميرات؟ ولمّا دانت لها الدنيا،حتى أصبح الناس يخطبون ودها،أمعنت في الكبرياء والخُيلاء،بقفاطنها وتكشيطاتها المرقطة والمزركشة وشرابيلها وعِصابها وحزامها(مضمتها) الذهبية ودمالجها الفضية وأقراطها و قلادة ذهبية وعقيق بجيدها وخواتمها الذهبية الخمسة الثمينة ، وتسريحة شعرها المتشح بالاسود الناصع ووشمة(سيالة) بذقنها، وجسمها الثخين ومقلتيها السوداوين وابتسامتها العريضة ولكنتها البدوية،فخرا بمغربيتها، واعتزازا بكونها المرأة التي ناضلت من أجل المرأة،لدحض الدونية عنها،ولتأكيد حريتها واستقلاليتها وقدرتها على البذل والعطاء. ما أحوجنا،مرة مرة، أن نعرض لأناس من عيار الشعيبية، نتحدث عن تفتق قرائحهم وملكاتهم ونبوغهم ، فالشعيبية، فلتة من فلتات الزمان التي يعز تكرارها،وذكرى وصنيع سكّ الاعتبار للمرأة وشهدَ على نضال شرس رسخت خلاله وجودها في عالم الفن،وبزت رجالاته من مثقفي الستينيات بوجه خاص،وأفحمت كثيرا من فناني الغرب ورفعت راية المغرب عاليا أمام الناس وأمام التاريخ. بنت العروبية تقول الشعر كلنا يذكر النابغة الذبياني،هذا الرجل الذي نبغ في الشعر فجأة وبعد تقدم في العمر.كان شعره رسما ناطقا. كلما أستحضره، أذكرالشعيبية طلال التي نبغت لكن في الفن بعد كبرهي الأخرى، وكان فنها شعرا صامتا. ثمة فنانون تشكيليون خاضوا في الشعر فبرعوا وأجادوا على سبيل الذكر لا الحصر الفنان التشكيلي والشاعر عزيز ازغاي والفنان التشكيلي والشاعر فؤاد شردودي..خاضت الشعيبية- بدورها- تجربة الشعر،لكنها لم تنأى عن الفن الذي أعطت فيه من دمها،روحها وحياتها الكثير. تحدثت الشعيبية عن مواهبها يوما فقالت بأنه لا ينبغي اختزالها في الرسم والتشكيل فحسب، إذ لها مواهب أخرى مثل الشعر والطهي وهوايات مثل رياضة المشي(كانت تمتطي سيارة الجاكوار حتى شاطئ عين الذياب صباحا باكرا) وتترجل، تمشي..تهرول.كما كان يروقها أن تستلقي وتسترخي..تدندن على إيقاع ألحان وموسيقى مغربية ومشرقية.والفن كالطهي في سرطبخته والشعر مثل موسيقى المشي المتناغمة،كلها إذن مواهب وهوايات وإن تعددت، فإنها تصب في يم الشعيبية، يم زاخر متلاطم من الأحاسيس الفطرية المرهفة الشفافة والعواطف النبيلة الفياضة. دخلت الشعيبية الشعر، من غيرتكوين مسبق أو تتلمذ على يد أحد. لم يسبق لها أن حفظت عن ظهر قلب قصيدة أو قطعة شعرية أوبيتا واحدا من القصيدة العمودية أوحتى نتفا من النظم الحديث أو ما يطلق عليه شعر التفعيلة. كان ديدن الشعيبية ودأبها أن تكسر القيود والأغلال، وقد أفلحت منذ نضالها ضد مؤسسة الزواج العتيقة، حيث تزويج القاصرات عنوة، أو تشغيل الخادمات القاصرات نذالة،أو ضد عدم تعليم النساء، أو ضد قيود المرأة..واستمرت في نضالها لكسر الأغلال..فضحت كل ذلك بفنها وصراحتها المتنطعة،عبر الاستجوابات والأشرطة الوثائقية والمجلات والجرائد والتلفزة والإذاعة..حتى انتهت بالشعر، لكن اختارت الشعر الحر حتى تتحرر من عدد من التفعيلات في السطر الواحد، أوالروي أوالقافية أوبحر بعينه. آثرت الشعيبية شعر التفعيلة لأنه أقرب إلى النثر منه إلى القريض، وليس معنى هذا أن شعرها مجرد خاطرة أو ينتمي إلى القصيدة النثرية، فهي تأبه للوزن وموسيقى داخلية في اللفظ والمعنى، وأخرى خارجية في التفعيلات. ولو قُدر للشعيبية أن ترسم ما قالته شعرا، لكُنا أمام لوحة رائعة جدا، مثل لوحة (عاشورا) التي اشترتها الدولة الفرنسية من (رواق عين الثور) بعد أن انتدبت زمرة من خيرة النقاد الفنيين ومؤرخي الفن للعملية. إن شعرالشعيبية فن ناطق. إنه شعروشعور لايتقيد بقواعد..من القلب المعنّى إلى الأذن الشاعرة فالصدر الرحب. إنه قدرة على الخلق وتمرد على السياق والمساق المعهودين وعلى النمطية والجاهز والمسكوك.. تَشعُر الشعيبية، لرد الاعتبار للأجنحة المتكسر في الماضي.. لمرحلة طفولية ببيئة اجتماعية قروية، لم يتبق منها سوى الحنين والشوق والخيال الخصب والعاطفة الجياشة. قبل أن تشرع الشعيبية أحيانا في الرسم والتشكيل، تُرخي العنان لدقات وضربات وانقباضات قلبها كي تستوي على لسانها شعرا مرتجلا، شعرا كله عفوية وبساطة و شفافية. نقتطف مما جادت به قريحتُها قصيدة أسْمتها "الشجرة".وقد قام بترجمتها الى الفرنسية -بحسب الشاعر اللبناني حيدر طلال- الشاعر والكاتب الفرنسي مارك كوفنان. أما الفنان المقتدر الحسين طلال، فيحكي أن المؤلفة والمصورة الفوتوغرافية الشهيرة ميشيل موران غارسيا طلبت من الشعيبية أن تشرِّف كتابها الأول: "الحناء: نبتة الجنة" بتقدمة مدبَّجة مضمَّخة بعبارتها الساذجة والتلقائية.وصدر المؤَلَّف،وحمل في طياته أوبين دفتيه قصيد الشعيبية،الشجرة،قامت الباحثة ليلى بنعلال مسعودي بترجمتها إلى الفرنسية. كم تمنيت أن أكون أول من تلقّف ما اعتمل بداخل الشعيبية، فنفثته هواء من رئتيها عبر أحبل صوتية بذبذبات تهْزز عند السماع، محققة نشوة ولذة عجيبة.. حتى أتفاعل مع اللحظة الشعرية والتقط إحساسها الغامر. لكن -للحق- فحتى الذي فرنس شعرها الدارجي، ذا اللكنة الشتوكية، كانت ترجمته دسمة، معبرة وموحية.ومن جهتي، أقوم بتعريب شعرها، كي تكون الفائدة على نطاق واسع. الشجرة عندما نهب الأرض، حبة عندما تغدو الحبة شجرة الشجرة تنمو و عندما تصبح الشجرة كبيرة تدفع جذورها في الأرض، تبدأ تشعر بالخروج لتحيى، يوما بعد يوم، في فرح الشمس غرسا،غرسا،غرسا أوراقا،أوراقا،أوراقا، الناس ينظرون إلى الشجرة التي تمنح فرحها بهجة جذورها صحة جذورها الشجرة تضحك،أيها الولد الطيب الشجرة تغني، الطيور تشقشق ويأتي كثير من العصافير لبناء أعشاشها الناس الذين يرون إلى الأسفل لم يعودوا يرون السماء زرقاء، الأعشاش تحجبها هذا رائع، ألأمر شبيه بالعشب إلقاء الحب الأزهار تخرج بكل الألوان صفراء وحمراء وتجعل البيت ورديا بيت الحياة وتدخل في الباقة ملأى بالزهور تنزع الأحزان والهواجس تنعش العالم أتحدث من أجل الأزهار الصفراء،الزرقاء،البنفسجية إنها ألواني، إنها حلمي أحلم حلم حبات الأزهار .الشعيبية طلال نظمَت الشعيبية في شعر الطبيعة، متخذة من الطبيعة الحية والصامتة والمصنوعة مادتها.فهي تستلهم من طبيعة مسقط رأسها قرية اشتوكة، حيث الطابع السهلي والطابع الساحلي.فهناك البنيان البسيط والسهول والعشب والحب والأزهار والورود على اختلاف ألوانها من صفراء وبنفسجية وحمراء وزرقاء زرقة السماء والشمس وماء البحر والساقية والبئر والشجر وجذوع الشجر والأوراق والطيور تغرد والأعشاش والأطفال يمرحون ويلهون. إن طبيعة مسقط الشاعرة -لا محالة- لها نظير في مكان آخر، لكن ليس بمثل نضارة وجمال اشتوكة بعيون الشعيبية، فهي الأس وينبوع مرجعها،وهي الدفقة الحرارية التي تجعلها مفعمة بالحياة والحب. والشعر والحب،لا يصدران سوى عن منبت واحد. يطغى على أسلوب الشعيبية التشخيص، تشخيص مظاهر بيئتها التي التصقت بها واستخلصت منها إلهامها الشعري. اتسم شعر الشعيبية بصدق فني، فصُورُها القصارالمسترسلة والمتدفقة والمتتالية والمركزة، تشير إلى وضع عاشته الشاعرة في صراعها مع الوقت والزمن والمحيط، وعبرت عنه من غير حشو أو تزيد، وبإبداع واع وأحلام طفولة، ماتحة من مخزون ثقافي ولغوي وهبته لها اشتوكة وأثْرتْه موهبتها الربانية وخيالها الخصب وعاطفتها الفياضة. وغير بعيد عما تجود به قريحة الشعيبية من نظم، نلمح إلى أن رواق الفن لوفت،باع بمبلغ مهم "الشعيبيسك"،العمل الذي أظهره للوجود الفنان فيريي ميشال باربو،والذي قدم طائفة من أشعار الشعيبية. وأصبح رواق الشعيبية بالجديدة شاهدا على هذه الفنانة الشعيبية، فبه يعرض الفنانون الشعراء بين الفينة والاخرى، نذكر منهم ميشال اودلان. كما تنظم به لقاءات حول الشعر مثل ما فعلت مؤسسة منال من أجل حقوق أطفال الجديدة، بمناسبة اليوم العالمي للمرأة. ناضلت الشعيبية بالريشة كما ناضلت بالكلمة. فتلك النبتة التي خرجت في رحلة، واستمرت في مغامرة، حتى استوت شجرة ،جذورها في الأرض ورأسها في السماء، تؤتي أكلها ثمرات صالحات،إن هي في واقع الأمر سوى الشعيبية التي منذ نعومة أظافرها وهي تتعرض للاختبار بفعل هزات اجتماعية لم تزدها إلا قوة ونضجا.وقد نذرت الشعيبية نفسها أن تناضل -دوما- من أجل الكلمة الحق، من أجل الطفولة المسلوبة..من أجل حريتها واستقلالها النفسي والفكري والإبداعي المستلب،ومن خلالها كل امرأة أُغمِط حقها. أخذ قصيد الشعيبية منحى تأمليا.وسارت على إيقاع مهدهد مسكن ومهدئ.كلماتها في وضوح وشفافية وانسيابية..تذكرني بما جادت به قريحة الشاعر يانكا كوبالا: لا أعرف شيئا من الأفباء ولكن من الصعب تعطيل حنجرتي وطوال حياتي أفلح،وأبذر لقد قدمت إلى أبناء شعبي كل ما أستطيع من قوة ودعوتهم دوما إلى الحرية ومن الظلمة إلى النور وفي سبيل وطني الفقير الذي ينبغي أن يحافظ على قوته كتبت ترنيمة النصر