الجميع يتكلم عن المشاركة السياسية للشباب، وكل يفسرها على هواه، فالبعض يرى أنها تقتصر على تسجيل الشباب في اللوائح الانتخابية ورمي ورقة الانتخابات في الصندوق الزجاجي، وطبعا لا يمكنك أثناء تعبيرك عن الرأي «السياسي» إلا أن تثمن اختيارات الدولة الكبرى وتكرر فقرات من الخطاب الملكي حتى تصبح سياسيا لامعا لكن على الطريقة الرسمية المخزنية. السياسة أيضا ارتبطت لدى العامة بمجموعة من التمثلات لا ترى فيها إلا وسيلة للرقى الاجتماعي وتقرنها بتصرفات لا أخلاقية كالرشوة والسرقة والانتخابات، وهناك تمثل أخر قديم شيئا ما يرى في السياسة شيء محظورا لأنه ارتبط تاريخا بالمعارضة وان السياسي بطبيعته هو ضد الملك وضد المخزن. وكل هذه الأمور تنفر الشباب من السياسة. وسأحاول اليوم في هذه الورقة أن أتقاسم معكم جزء من الحياة الداخلية لتنظيم سياسي شبابي بمدينة مراكش المغربية، كمحاولة من اجل تقريب السياسة من الشباب لكن من منظور أخر، من الداخل هذه المرة. ولأنها تجربة إنسانية حقيقية فهي مليئة بالنجاحات والإخفاقات. سأحاول في هذه الورقة أن أقوم بتقييم لعضوية مكتب فرع الشبيبة الاتحادية الحي المحمدي جيليز بمراكش لمدة تقارب السنتين. وهو تقييم خاص بكاتب السطور ولا يلزمه إلا هو، وأتمنى أن يعكس دينامية ما أو نقاش من نوع ما داخل مجلس الفرع وأعضاء الشبيبة بمراكش ما دمنا لا نقوم بتقييم دوري لعملنا وأنشطتنا ( الحفل الفني الذي نظم بالمسرح الملكي تحت شعار «أ الشباب نوضو تسجلو ف اللوائح الانتخابية» والملتقى الوطني الربيعي الأول للشبيبة الاتحادية بمراكش، دورة المرحوم عبد الله صبري كأمثلة). وقبل التفصيل، علينا أن نعترف بصعوبة العمل السياسي مع الشباب المغربي، أولا لطبيعة هذه الفئة العمرية من الناحية النفسية والاجتماعية، وثانيا لسيادة ثقافة العزوف عن الاهتمام بالشأن العام والعمل الحزبي بشكل خاص، وكذلك نظرا لتدهور صورة الحزب داخل المخيال الجمعي للمغاربة بل والسياسة بصفة عامة. أيضا مراكش لها خصوصية سياسية، تتمثل في كونها إحدى أكبر المدن المغربية التي لها ارث تاريخي ونضالي كبير. وهي أيضا مدينة جامعية تستقطب الشباب من مختلف مناطق المغرب من مختلف الحساسيات الاثنية والسياسية، فتجد فيها الصحراوي الانفصالي والوحدوي، والنزعات الخصوصية كالحركة الأمازيغية، والعروبية، والاسلامويين بمختلف تلاوينهم، واليسار بمختلف قبائله. على المستوى المحلي، اعترضتنا صعوبات لا تقل عن ما سبق جسامة وخطورة، أولها مشاكل الفروع الحزبية والانشقاقات والغضبات التي أدت بالبعض إلى ترحيل مكان ترشيحه، وأقواها كان في الفرع الذي ننتمي إليه (الحي المحمدي ? جيليز). وكذلك وجود فروع شبيبية صورية فقط وأخرى تحتاج للتكوين والاحتكاك. بالنسبة للفرع الذي ننتمي إليه والذي كنت أتشرف بعضوية مكتبه الشبيبي كنائب لأمين المال، فقد استهللنا عملنا بمفاجأة من العيار الثقيل، وهي أن الانطلاقة ستكون من الصفر، وأن لا تراكم نبني عليه، وكأن الاهتمام في العهد السابق كان منحصرا في بناء شبكة من العلاقات على المستوى الوطني، وخلق فرع أشبه ما يكون ب»بالون سياسي» يراه البعيدون جميلا وكبيرا، ويراه القريبون على حقيقته مليئا بالهواء. ولسنا نتكلم من فراغ، بل يسند قولنا وقائع الجمع العام فلا تقرير أدبيا قدم ولا تقريرا ماليا عرض، وأعضاء المكتب السابق قد تغمدهم النسيان بواسع رحمته. أما الجمع العام، فقد مر بسلام وهدوء، وفي أجواء إيجابية على العموم. وأخيرا أصبح للحي المحمدي جيليز مكتب فرع محلي للشبيبة الاتحادية، وان لم يعكس تمثيلية الجمعويين والمشتغلين في دار الشباب. وابتدأ العمل بعقد اجتماعات عديدة، و»وضع لنا» بعض الإخوة برنامجا للعمل نفذنا اغلب خطوطه العريضة، فكان أن قمنا بحفل فني، وساهمنا في استضافة الأخ الأشعري ضمن البرنامج الوطني ضيف الشبيبة، كما عقدنا لقاءات للتعريف بالحزب والمنظمة لفائدة الملتحقين الجدد، وعملنا على لملمة وهيكلة القطاع الطلابي، وشاركنا في العديد من اللقاءات الوطنية التي جمعت الشباب الاتحادي واليساري في كل من المحمدية والقنيطرة، وكانت لنا مساهمة فاعلة في الحملة الانتخابية «جماعيات 2009» وكنا مزودا لمراكش كلها بالأطر التي نشطت الحملة الانتخابية خصوصا في المدينة القديمة، وإن كنا قد شعرنا ببعض الغبن، حيث لم تعكس اللوائح الانتخابية ما كنا نطمح إليه من تمثيلية لأعضاء الشبيبة الحقيقيين والمناضلين اليوميين داخل الفرع، وكذلك ترتيبهم في اللائحة. في الحقيقة، يجب أن أعترف أن الشبيبة الاتحادية مدرسة حقيقية للتكوين، وان العمل السياسي داخل المنظمات الموازية لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية هو عمل حقيقي. وهذا لا يمنع من توجيه بعض سهام النقد ولو علانية وفي الفضاء العام، وذلك مصداقا لقول الشهيد المهدي بنبركة : «السياسة الحقيقية هي سياسة الحقيقة». لذلك ومن هذا المنبر، أنبه إلى خطورة بعض السلوكات غير الأخلاقية التي أصبحت تتسرب إلى التنظيم، واعتماد أساليب مخابراتية من أجل التضييق على بعض الإخوة الذين يبدون وجهات نظر «خارج القطيع» أو أنهم حاملو مشاريع تغيير حقيقية داخل الفرع الشبيبي. أيضا يجب التنبيه إلى خطورة «الغرق» في التنظيم وإدمان السياسة الداخلية على حساب إهمال النشاطات الإشعاعية والقيام بالمهام الأساسية للشبيبة الاتحادية، ولا أدل على ذلك من ضعف التجاوب مع طلب المؤازرة الذي رفع إلى الشبيبة الاتحادية من طرف إحدى الحركات الاحتجاجية لطلبة احد المعاهد العمومية في مراكش. كما أن الشباب الاتحادي في مراكش كما الوطن ككل شباب يغرف من ثراث الشبيبة وينتشي بمعاركها القديمة لكنه غير قادر على التكيف مع الموقع الحالي للشبيبة والحزب، ويتمثل السياسة كمعارضة بشكلها التقليدي، لذلك فهو يقف جامدا غير قادر على التكيف مع تواجد الحزب في الحكومة، فهذا الموقع رغم كل ما يمكن أن يقال عنه، فرصة لتحقيق العديد من المكتسبات عن طريق المرافعة والوساطة لتمرير بعض برامج وتصورات الشبيبة لفائدة الشباب المغربي. الشبيبة الاتحادية لم تغادر بعد ثقافة الاحتجاج إلى ثقافة الاقتراح، ولا أدل على ذلك حضور الشبيبة في وقفات الاحتجاج على فساد المجالس الجماعية وتقاعسها عن القيام بواجبها في المساهمة في وضع تصور الحزب لسياسات محلية متجهة للشباب متضمنة في برنامج الحزب على صعيد مدينة مراكش خلال الانتخابات الجماعية 2009. ومن الأشياء التي لاحظت أيضا، هي «ثقافة المقاهي»، وهجر المقرات الحزبية، بل لقد أصبح المقهى هو المقر الحقيقي، ومرتادو المقاهي هم الجهاز التقريري الحقيقي داخل مكتب الفرع. وهذا طبعا غير مقبول في مؤسسة سياسية عريقة تتبنى الحداثة، وتناضل من أجل المأسسة ودمقرطة الدولة والمجتمع. والآن، نعتقد أنه أنسب وقت للعمل القاعدي مع الشباب المراكشي بعيدا عن الهاجس الانتخابي، من أجل تعزيز حضورنا في المجتمع المدني، وفي اتجاه التقارب مع شباب اليسار الديمقراطي بالمدينة أولا، وقوى الإصلاح والتغيير الديمقراطي ومحاربة الفساد ثانيا، ولم لا التفكير في لقاء بين الشبيبات السياسية من أجل دعم ثقافة المشاركة السياسية لدى الشباب وخدمة القضايا الكبرى للوطن والدفاع ما يمكن تسميته «إيديولوجية الشباب» وعن مطلب إقرار سياسات محلية للشباب على صعيد مدينة مراكش. وعلى مستوى العمل اليومي، يجب أن يراعي عملنا إشراك الجميع في تحديد الحاجيات واقتراح الأنشطة والتخطيط لأجرأتها ثم في الأخير تقويمها لأنه عندما نشرك الجميع تكون درجة التعبئة على أعلى مستوى، وبالتالي فرص النجاح أوفر عكس «المقترحات الفوقية»... وفي الأخير، أقول آن هذه الورقة ليست من أجل تصفية حسابات أو من أجل جلد الذات، ولكن من أجل تقريب العمل السياسي من الشباب لأنه حق لنا كشباب وواجب من أجل الدفاع عن مصالحنا وتصوراتنا وبرامجنا ومصالح الوطن ووسيلة للمغادرة بؤس ثقافة «ترباع اليدين» ونزعة «اذهب أنت وربك فقاتلا» إلى ثقافة الاقتراح والمساهمة في صنع القرار، ومن اجل تأصيل ثقافة سياسية جديدة تعتبر التنظيم شأنا عاما بما يقيه من شرور الكولسة والانغلاقية والحلقية، ويرسخ السلوك الديمقراطي والفعل المؤسساتي والتدبير الحداثي داخل مؤسساتنا الحزبية والشبيبية. ملاحظة: نسخة الورقة الموجهة إلى أعضاء التنظيم مصحوبة بمقترحات وتوصيات من اجل جودة ونجاعة عمل فرع الشبيبة الاتحادية بمراكش.