سجل القطاع السياحي خلال الفترة الممتدة من يناير إلى نونبر من سنة 2010 ارتفاع عدد المبيتات وقيمة المداخيل بمعدل 11% مقارنة مع نفس الفترة من سنة 2009، وهذا الارتفاع كان مصحوباً بحصر نسبة امتلاء الفنادق المصنفة في 45% رغم أن هذه النسبة فاقت 42% المسجلة سنة 2009 ورغم أن السياحة الداخلية، الشاملة للمِؤتمرات وتنقلات الفرق الرياضية وتنقلات الموظفين وممثلي الشركات، تساهم بشكل متزايد في رفع هذه النسب مادام أن المغاربة يدفعون غالياً، في نفس المؤسسات السياحية، مقارنة مع ما يدفعه الأجانب . الأرقام الصادرة عن وزارة السياحة تشكل خير دليل على أن الفاعلين في القطاع لم يتمكنوا من بلوغ الهدف المرسوم المتمثل في جلب 10 ملايين سائح عند متم سنة 2010 كما تبين ضعف النتائج المحققة من مختلف الحملات التي استفادت من الإفراط في الإنفاق وتبنت العديد من الدراسات الغارقة في التفاؤل وفي المقارنات غير المجدية إذ انحصر عدد السياح في أقل من 8 ملايين و 600 ألف سائح بينما لم يصل معدل إقامة كل منهم في الفنادق المصنفة إلى ليلتين. إذا كان من الممكن تبرير ضعف النتائج المحققة بتأثير الأزمة الاقتصادية العالمية على القدرة الشرائية في الدول التي نستقبل منها اكبر عدد من السياح، ثم بالكوارث الطبيعية التي شلت لمدد طويلة حركة الطيران في عدة دول، فإن كل هذه المعيقات الموضوعية لا ترقى إلى المستوى الذي يبرئ ذمة المشرفين على القطاع ويجعلهم في مصاف من وفوا بوعودهم وكأن القدر وحده هو المسؤول عن هزال النتائج المحققة. عند مقارنة ارتفاع نسبة مداخيل القطاع السياحي البالغة 11% مع مختلف التنازلات التي شملت الشروع في تطبيق نظام السماء المفتوحة، الذي يحد من احتكار الشركة الوطنية الخطوط الملكية المغربية، كما شملت الاستمرار في إعفاء مواطني عدة دول، وخاصة منها الاتحاد الأوربي، من الخضوع لنظام تأشيرة الدخول طبقا لمبدأ المعاملة بالمثل، وعند مقارنتها بالاستثمارات التي شملت البنيات التحتية والوضعية الأمنية ونوعية الخدمات السياحية، فإن المنطق يقتضي الإقرار بأن سياسة فتح الأبواب وتخفيض الأسعار لا تكفي للرفع من قدرات المغرب على جذب السياح الأجانب، أما المغاربة المقيمين بالخارج فقد آن الأوان للكف عن وضعهم في خانة السياح لأن وطنيتهم الصادقة جعلتهم يتشبثون بمسقط رؤوسهم ويترددون سنويا على المغرب بأعداد متزايدة كما أن تحويلاتهم إلى المغرب، ارتفعت، في عز الأزمة الاقتصادية الأوربية، بمعدل 7.8% لتصل عند متم نونبر 2010 إلى حوالي 49.66 مليون درهم، فكما أن الحملات التحسيسية التي كلفت الخزينة العامة ملايين الدراهم استهدفت الدول التي ينفق مواطنوها بكثرة على السياحة، فقد كان من المفروض التركيز في احتساب عدد السياح على الوافدين من هذه الدول ثم على مستوى إنفاق كل منهم. قبل حوالي أسبوع، عززت مراكش مكانتها كوجهة تستهوي كبار القادة السياسيين، باستقبال فرقين فرنسيين بمناسبة تدشين الملعب الجديد لكرة القدم، وبغض النظر عن الجانب الاحتفالي الذي ميز هذه التظاهرة، فإن مجرد توفر المغرب على ملاعب رياضية، في مختلف التخصصات، ذات مواصفات عالمية، يمكن أن يحوًٌَُّل عدة مدن مغربية إلى مراكز لتداريب الفرق الأوربية، ولم لا إلى احتضان تظاهرات جهوية وقارية وعالمية، لكل منها جمهورها الطموح إلى الجمع بين الفرجة الرياضية وبين المتعة السياحية. إن المغرب الذي يوجد على بعد بضعة كيلومترات من الدول التي تستقبل سنوياً عشرات الملايين من السياح، يستحق أن يجني ثمار الاستثمارات التي يخصصها سنويا لتطوير بنياته التحتية ولتوفير المناخ الذي يضمن امن وسلامة السياح،وهذا الاستحقاق تعززه الخبرات التي اكتسبتها وكالات الأسفار التي صارت تعتمد على إمكانياتها وعلى المعاملات الإلكترونية لترويج المنتوج السياحي المغربي ولجلب السياح من مجموعة من الدول لغض النظر عن الفوارق البينة بين مقتضيات البرامج الإستراتيجية وبين المساطر والآليات المعتمدة في تنفيذ هذه المقتضيات. عودتنا الإحصائيات الدورية على أن نجد الفرنسيين في مقدمة لائحة تصنيف عدد السياح حسب جنسياتهم، وعلى أن نجد اسبانيا في الصف الثاني، وقد كان بالإمكان الخروج عن هذا المعتاد لو تم إعادة فتح الحدود بين المغرب والجزائر، فحرمان المغرب من السياحة الحدودية هو الذي يحول دون احتلال الجزائريين والليبيين والمصريين لمراتب متقدمة في لائحة تصنيف السياح حسب الجنسيات، وقد كان بالإمكان كذلك حدوث تغيرات ذات دلالة فيما لو كانت الأموال التي ترصد لإنعاش السياحة تصرف فعلا في المجالات التي رصدت لها. فعدم بلوغ هدف جلب 10 ملايين سائح، شاملة لمغاربة الخارج، سنة 2010 لا يمكن حصر أسبابه في الأزمة الاقتصادية العالمية وفي الكوارث الطبيعية وإنما يجب التركيز بشكل أعمق على الجانب التدبير لهذا الملف الذي يرتقب منه أن يكون قاطرة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.