تسرد هذه السلسلة أحوال المغاربة قبل مائة عام، كما دونتها الصحافة الفرنسية الصادرة حينذاك في مغرب الحماية مثلما في الدولة المستعمرة. ومن بين أسباب نزول السلسلة هذه يبرز سببان اثنان على الأقل: - استعادة ملامح صورة أسلافنا كما كان يرسمها الآخر الباسط لحمايته على الإيالة الشريفة منذ مدة وجيزة، وهي الصورة التي ترصد "تخلفهم" لتجعل منه مبررا لإعمال رسالة فرنسا الحضارية في البلاد؛ - قياس المسافة التي قطعها المغاربة- أو لم يقطعوها- في مجال السلوكيات والذهنيات والطبائع والمعاملات. حلت الدكتورة أوجيني دولانوي في المغرب سنة 1913 ملبية نداء الجنرال ديغول، لتكون أول امرأة تمارس الطب العصري في البلاد، وخاصة في مدينة مزاغان. وقد سردت حفيدتها نيلسيا دولانوي حكايتها في كتاب موسوم ب "امرآة مزاغان". في مقال لها نشرته شهرية "فرنسا المغرب" في عددها 12 المؤرخ في 15 دجنبر 1918، تقدم الدكتورة دولانوي شهادتها حول بعغض المعتقدات التي كانت سائدة في أوساط المغاربة، رجالا ونساء، حول الحمل، كاتبة: "قد يشعر قراء هذه المجلة ربما بالاستغراب حيال الذهنية التي يقارب بها الأهالي المغاربة تطور تشكل الحمل لدى النساء. وهو معتقد يلفه كثير من التشويش كما سينجلي ذلك. "تحمل كل امرأة، بمجرد زواجها وبالضرورة، جنينا مودعا في بطنها. ٍبإمكانها بالطبع أن تلده، وهو أمر جيد، لكنها قد لا تضعه إطلاقا في الكثير من الأحيان لأن عدد النساء المصابات بالعقم مرتفع في المغرب. وفي مثل هذه الحالة، يمكث الجنين المزعوم في وضع غير مكتمل في بطن أمه إلى ما لا نهاية. "يحمل الجنين الذي توقف نموه بهذا الشكل اسم "الخاسر"، وهو "راگد" في هذه الحالة، وثمة أجنة "خاسرين" من كل الأعمار. هكذا، أكدت لي امرأة أن جنينها عرف نموا طبيعيا إلى حدود شهره الثاني، ليرقد بعد في سبات عميق. بينما تقول أخرى إن جنينها تكيس بعد ثلاثة شهور من النمو الطبيعي. أما ثالثة، فتزعم أنها كانت سعيدة بالإحساس بحركات طفلها قبل أن يخلد للرقاد. وكيفما كان توقيت حدوث هذا السبات، فالأجنة تستطيع الاستمرار على قيد الحياة طوال سنوات وسنوات، بل إنه من الممكن أن تتوفى الأمهات دون ولادتهم. "تقدم المغربيات أثناء زياراتهن اليومية لي مطالبهن، تقلن إن لديهن "خاسر في الكرش" منذ سنتين، ثلاثة أو خمسة أعوام، وتلتمسن مني إيقاظه من نومه الطويل وجعله يواصل نموه الطبيعي، أو تخليصهن منه إذا تعذرت استفاقته. "الاستشارات الطبية من هذا القبيل جد متعددة، بل إن خمس النساء الوافدات إلى المستشفى للفحص يعانين من هذه الحالة المرضية الغريبة. وحين نفحصهن، نكتشف أنهن مصابات في الواقع بأمراض نسائية كثيرة يصنفنها جميعها في خانة "الراگد". "ليست النساء فقط من يلتمسن مني، أنا "الطبيبة"، التدخل لوضع حد لخمول الأجنة، بل الأزواج كذلك. وأكرر أن اعتقاد المغاربة بإمكانية توقف الحمل بهذا الشكل راسخ إلى درجة تجعلهم يعتمدونه في حل مشاكلهم الأسرية. "قضى أحد الشواش العاملين لدى المصالح البلدية ست سنوات إلا ثلاثة أشهر مع زوجته التي احتفظت بجنين راقد في بطنها منذ شهره الثالث. وحصل أن فسخ الطرفان عقد النكاح بينهما ذات يوم، لتذهب الطليقة إلى حال سبيلها حاملة في بطنها ابن الشاوش. الرجل الحائر زارني ليسألني عن مآل الطفل المصرعلى السبات، مجبرا إياه على الاستمرار في الإنفاق على زوجة قام بتطليقها. "سأسرد الآن مثالا من وسط اجتماعي آخر. أجل، كانت امرأة متزوجة من أحد الأعيان المغاربة يشغل منصب قائد بنواحي مزاغان. هجرت المرأة زوجها وعادت إلى بيت أسرتها، وهناك، بعد مرور ثلاث سنوات على الفراق، وضعت طفلا من صلبه! وبما أن القائد رفض الاعتراف بأبوته للوليد، فقد أجبره حكم صادر عن قاضي المنطقة على الإقرار بانتساب الطفل له، ما جعل الأب الطيب ملزما بأداء نفقة تربية ابنه. "وتطفو هذه المعتقدات على سطح النزاعات الطبية الشرعية أحيانا، مع ما يكتنف اعتمادها من انعدام للمنطق السليم. وبالفعل، فقد حصلت خصومة بين مغربيتين متزوجتين، ما أدى بهما إلى تبادل الضربات. عقبها، أعلنت المرأة التي نالت أكبر قسط من الضرب بأنها أجهضت، ذلك أن الجنين الراقد في بطنها استيقظ فجأة خلال الشجار ليحدث له إسقاط. وبفعل الواقعة، فإن أجواء المأساة عمت عائلتها، وهو ما قامت الأسرة بالتعبير عنه علانية، إذ عمت صرخات الأسى منزلها، كما أنها أمطرت المسؤولة المفترضة على الإجهاض بوابل من السب واللعنات. "لحسن الحظ أننا نعرف، كأطباء، الذهنية المغربية وأننا نأخذ كل ما يلزم من الحيطة والحذر قبل تسليم شواهد طبية يطلبونها قصد تقديمها لرجال الشرطة. "نستنتج مما سلف، وبجلاء، أن كل من يتحدث في أوساط الأهالي عن امرأة متزوجة فإنما يقصد امرأة بلغ حملها مرحلة ما. "وتتولد عن هذه الفكرة التي تجعل كل امرأة متزوجة حبلى بالضرورة نتائج إيجابية وسلبية في ذات الآن. "السلبي في الأمر أنه ليس صحيحا إطلاقا! "أما الجانب الإيجابي، فيكمن في كون هذا المعتقد يؤدي بالشعب المغربي الطيب إلى عدم الاعتراف بوجود الخيانة الزوجية وما يترتب عنها في أوساطه."