أضحك الآن تلك الضحكة الرقيقة حين أتذكر الرسالة التي حررتها للسيد الوزير.. سيدي الوزير المحترم، بعنوان عريض وجمل مشتتة تشبه تراقص الضفادع البرية ، أنا مشتت الأفكار بالجنوب ، لا أجد راحة ولا راحة هنا.. سيدي..، سئمت الحياة أريد أن أنتقل.. وانتقالي يكون بسبب وضعيتي الاجتماعية، بكوني معيل عائلة تتكون من تسعة أفراد وو..، همس لي صديقي لم تعد تفيد هذه الجمل،،عليك أن تبحث عن سبب وجيه .. مثلا قل إنك مريض ..ويحتاج الأمر إلى شهادة طبية .. أو .. ربما تفيد شهادة من طبيب نفساني ... أعرف أستاذا عزز طلبه بشهادة طبية وبكونه يعاني مرضا نفسيا ، قلت وهل تريد ان أكون مثله ، قال، الشعراء لا يحبون الكذب ، سمي الأشياء بأسمائها لنقل أنك شاعر وأن أحب الأمكنة إليك هو البحر الذي تركته هذا الصيف ولم يتحمل كل حماقاتي ، وأنتم أرسلتموني الى الجبل ماذا أفعل في الجبل يا سيدي.؟. وضعت الرسالة في الظرف ورماها صديقي في صندوق البريد يوم السوق وانتظرت شهرا، شهرين لعل وعسى قلب السيد الوزير يحن ويرق ويقرأ رسالة هذا المواطن الضعيف ، المنعزل في الجبل وحيدا كأعمى . فاجأني الرد سريعا هذه المرة وإبان الدخول المدرسي ومعه إنذار من الجبل عليك أن تحترم السلم الإداري وأن ... لم يبق لي إلا الضحك ، ضحكت كثيرا، الضحك الذي قال فيه أحدهم إنه نوع من مقاومة الألم ولذلك اخترع الإنسان الضحك . فاضحك يا صاح في الجبل أو ليضحك عليك الجبل في مملكة الجبل ،، هكذا قلت وتماسكت متهالكا من هوة لا أعرف مقدار عمقها ، شتان بين الذي يعيش التجربة والذي يسمع عنها ، ليست مسألة واحدة ، وحيدة والأمور ليست بيدي علي ان أتمسك بالصبر ، كالعادة الصبر هو العادة الوحيدة التي تقترب مني أكثر وتوطد علاقتها بي كالانتظار ، لكن مع التلاميذ لا استطيع ذلك ومسؤوليات أخرى حتى أني ركلت إناء الطبخ الذي كان فوق النار بدون شعور، الصبر لا يمكن أن يجاور الغضب، أمس صباحا، يدي امتدت الى كأس الشاي البائت والذي سخنته وقريبا من شفتي ، تراجعت ورميته على الحائط ، الكأس والشاي ..هكذا دون أن أدري ما الذي أصابني .. أهو حمق أم ازدراء وضعية أضحت صعبة علي .. الأغنية التي يزداد إيلامها في صدري وحلقي ناشف إلا من بقايا كلمات . أسمع الحكايا في الرأس وأفضل أن أحلقه بدل أن استجمع حوله النكث الرخيصة والوضيعة ، مرة وجدت رأسي حليقا كالعادة في الصيف وبمنزل عمي بمدينة الدارالبيضاء، قالت ابنة العم للطفلة الصغيرة مخوفة إياها بي، هذا هو المعلم الذي .. التفتت الي المسكينة وقالت مطلقة صرخة ..مؤلمة - هل الموعاليم يكون أصلع ..؟ أضحك ويحيط بي دخان كثيف يشبه دخان أوراق التحاضير التي أحرق القديم منها كل صباح للتدفئة بعد صباح بارد كسول كالتلاميذ في الجبل .. حرق الأوراق هو تزامن لحرق أزمنة من جسدي، أحس بجسدي قد هرم وشاخ وأني أصبحت عجوزا، أشبه بعجوز همنيجواي والسمكة هي هذا الجبل .، لكي أتخلص منه يجب ان أكتب وأكتب حتى أملأ أوراق صخره بمداد . كان يعجبني أن أجلس مرات عديدة وفي أوقات فوق صخرة تشبه كرسي الملك بنواحي تافراوت.. أشير بيدي هنا وهناك أقتلع أشجار اللوز وأركل تلك أحطم جذعها وانثر الحجرات هنا وهناك و أشياء أخرى لم أعد أتذكرها ،،أرمي يدي كما رميت سابقا هنا رمية نرد او حظ لا أدري ولم أحتاط او أكفر بما قدر لي ، خير لي أن أصمت نكاية في العداء الذي أنصبه لظلي ولتكن الرسالة اذن هي الخيط الذي أتمسك به طالما لا ادري ما فعلت وما اقترفت لكي أرمى هنا..حجرة تعكر.. كانت آخر جملة أتذكرها، محبة خالصة ، والسلام .