في السيرورة التعلمية ، و التي من خلالها يستطيع كل فرد متعلم أن يحصل على مادة تعلمه ، و من جهة ثانية يحقق المدرس نجاحا في بلوغ ما خطط له . لقد أصبحت بيداغوجيا الوضعية - المشكلة ، و في الوقت الراهن شائعة على نطاق واسع بين مختلف المدرسين على اختلاف الأسلاك التعليمية ، على الرغم من اقترانها بطريقة خاصة ببعض البيداغوجيات و أذكر بالتحديد بيداغوجيا الكفايات أو بيداغوجيا الإدماج . فلماذا الوضعية - المشكلة إذن ؟ و كيف يتم توظيفها داخل السيرورة التعلمية ؟ و ما هي أهم خصائصها ؟ و ما هي معايير إعدادها ؟ قبل الخوض في غمار هذه التساؤلات ، ينبغي التمييز أولا بين الوضعية- المشكلة و المسألة: بحيث نجد هذا الخلط الأكثر شيوعا داخل الأوساط التعليمية . فالمدرسون الذين يختارون هذه الطريقة يبحثون دائما على إعداد مجموعة من الأسئلة و المسائل التي قد تثير انتباه المتعلمين و تحفزهم على اكتشافها ، إلا أن هذه المسائل لا تحمل أي جديد بالنسبة لهم . فالمسائل تعطي إمكانية وحيدة هي استرجاع معارف و مضامين تم اكتسابها في السابق و بنفس النمطية التي تم بها إنجازها داخل الفصل . إن الوضعية - المشكلة تختلف عن المسألة ، إنها بالأساس مَهمة ملموسة مكيفة حسب المتعلمين من أجل أن يتعلموا شيئا ما . فالوضعية - المشكلة تجعل المتعلم في حالة بحث دائم . فمنذ أن وجد الإنسان و هو يتعلم مجموعة من المعارف من خلال المثيرات الخارجية التي يتلقاها سواء من الغير أو من المحيط . فرغبتنا في التعلم من صلب وجودنا ، إنه مرتبط بالأساس بنزوة الحياة . فالتعلم لا تحده فترة زمنية محددة بمعنى أن ما دام الفرد المتعلم ينعم بالحياة فهو في تعلم مستمر . و من جهة ثانية فحياة الفرد مليئة بإكراهات و مواقف و مشاكل تستدعي تخطيها . و على هذا الاعتبار أصبحت الوضعية – المشكلة ضرورة ملحة من أجل توظيفها في الممارسة التعليمية حتى يتم الاكتساب بالشكل المرغوب فيه . إن الوضعية - المشكلة عموما تشكل مرحلة ضمن سيرورة بناء المعارف . و بالتالي يمكن أن تكون : - في بداية السيرورة التعلمية كمرحلة تحفيزية ، فهي تثير دافعية المتعلمين على الإنتباه و الإنخراط في الدرس ، و تستفز معارفهم السابقة . - أثناء السيرورة كمرحلة لانطلاق عملية البحث و الإستكشاف . إنها مرحلة اكتساب المعارف : فهي تساعد على بنينة المعارف و تقوم على بناء المفاهيم و النظريات . - في نهاية السيرورة كمرحلة لتقييم إجمالي . الوضعية – المشكلة في هذه المرحلة تعطي للمدرس و المتعلم معا إمكانية الوقوف على مكامن القوة و الضعف ، مع رصد أهم ما اعترى عملية الاكتساب و التعلم ومنه البحث عن الأساليب و الوسائل اللازمة لتجاوزها . و من خصائص الوضعية المشكلة أذكر بالتحديد : - إن كل وضعية – مشكلة ينبغي أن تقدم للمتعلم مَهمة وجب تنفيذها ، هذه المَهمة تكون صريحة الصياغة و واضحة التعليمات المقترحة . ليكون بذلك الفرد / المتعلم موجها من طرف المَهمة ، في حين نرى أن المدرس موجه من طرف العائق . « لأن الهدف الرئيس للتعلم بالنسبة للمدرس داخل وضعية - مشكلة ، يوجد داخل العائق المطلوب تجاوزه و ليس في المَهمة المراد إنجازها . ففي أغلب الأحيان ، كل الصعوبات تعترض المتعلم تكون على اعتبار أن المَهمة تبقى دائما الحقيقة الوحيدة التي تكون في متناوله ، بحيث إنها تحفزه و توجه كل أنشطته و تقدم له تمثلا عن الهدف المراد بلوغه . إن هذا التمثل أساسي للمتعلم إذ بدونه لا يمكن أن يسير في الاتجاه الصحيح ، و بدون معيار محدد لمعرفة مدى نجاح مشروعه فإنه بذلك يفتقد لكل أداة لتعديل عمله . من أجل ذلك ، ينبغي على المدرس قبل الشروع في عملية التعلم أن يقوم بإعداد ، و بمعية المتعلمين، بطاقة تقنية للمَهمة ، يبرز فيها معايير معينة تساعد على ضبط جودة النتيجة النهائية .» (1) - هذه الوضعية تشكل مشكلا بالنسبة للمتعلم الذي لا يملك شيئا جاهزا من أجل العمل على حله، بل تتطلب تعبئة موارد و معارف متعددة . - إذا سلمنا بأن كل رغبة مرتبطة بعامل النقص و الخصاص ، فإن الرغبة في التعلم مقرونة بما يعوز الفرد / المتعلم و ما يحتاجه ، و منه فلعل ما يفتقده المتعلم ينبغي أن يكون هو أساس موضوع الوضعية- المشكلة و كمادة للتعلم . كيف يتم إعداد وضعية – مشكلة ؟ كل وضعية – مشكلة ملائمة تنم عن وجود ثلاثة عناصر أساسية مندمجة : 1- الوضعية – المشكلة تكون جد ملائمة عندما تكون دالة ذات معنى بالنسبة للمتعلم ، أي هناك رغبة أكيدة من أجل أن يتعلم المتعلمون شيئا ما ، و بالتحديد عندما تكون بطريقة أبسط مقترنة بوضعيات من واقع المتعلم و سبق له أن تعرض لها أو من المحتمل أن يتعرض لها . إنها وضعية نابعة من حاجاتهم و اهتماماتهم ، من رغبتهم بأن يكونوا فعالين داخل المجتمع . فدواعي الانطلاق من الحياة اليومية يجد مبرره في كون كل وضعية معيشة قادرة على إعطائنا أفكارا عن الوضعيات – المشكلة لأنها تعبئ معارف و مهارات . 2- فضول زائد للمَهمة و شروط الإنجاز .فالمَهمات المقترحة تكون متحركة داخل مجال الدرس ، و بالتحديد من درس لآخر ، إنها تتعلق بعمل متعدد المجالات . نتساءل حول الوضعية التي يستطيع من خلالها المتعلم تجاوز العائق و كسب التحدي و حل الغموض . 3- الاعتقاد القوي بأن كل المتعلمين قادرون على التعلم الذاتي ، بحيث نجد أن بعض المتعلمين يكون تحويل تعلمهم من وضعية - مشكلة إلى وضعيات – مشكلة أخرى مشابهة أو مختلفة عنها يكون بطريقة أيسر ، في حين توجد مجموعة أخرى لا تصل إلى هذا المستوى ، و بالتالي فهذا لا يدل عن عدم قدرتهم على التعلم الذاتي بل بالتحديد إنه يرجع إلى عدم تعبئة مواردهم اللازمة لحل الوضعية – المشكلة . إن بيداغوجيا الوضعية – المشكلة باتت أساسية في عمليتي الاكتساب و التعلم ، فالانطلاق من أهداف - عوائق يجعل المدرس يتساءل حول ما يرغب فيه المتعلم أن يتعلمه ، و من شيء لا يجهله فعلا . و ما هي العمليات العقلية المطلوبة لانجاز تلك الوضعية . و بالتالي فالتفكير في حدود العوائق ، يؤدي إلى خلق وضعية تنتج الرغبة في التعلم . و لا يفوتني المقام هنا للتركيز على نقطة لا تخلو أهمية من سابقاتها ، تتمركز في ضرورة تحديد الإكراهات و الموارد اللازمة لإنجاز وضعية - مشكلة . هامش : (1) – Philippe Meirieu – Apprendre...oui, mais comment ?- Ed : ESF- Paris 1987 – pp170-171