كانت هناك نكتة تتداول بكثرة في تونس منذ سنوات، قبل إسقاط الرئيس زين العابدين بنعلي، تقول إن الرئيس كان يسوق سيارته وحيدا، بدون حرس، فأوقفه رجل شرطة بعد أن تجاوز الضوء الأحمر. حاول زين العابدين أن يشرح للشرطي أنه الرئيس بنعلي، فأجابه الشرطي: «ومن يكون هذا البنعلي؟!»، فأخذه إلى مخفر الشرطة، فتسلمه رئيس القسم وبعد أن بحث أوراقه، كتب في التقرير: «يعفى عنه، لأنه من أقارب عائلة الطرابلسي»!!.. هذه النكتة تضمنها تقرير سري للسفارة الأمريكية بالعاصمة التونسية، كانت قد بعثته إلى الخارجية الأمريكية وسربته وثائق ويكيليكس مؤخرا. والأجمل هو التعليق المصاحب لموظف السفارة الذي حرر التقرير، حيث كتب يقول: «إن النكتة هذه تلخص الكثير مما يستشعره الجميع هذه الأيام [2009]، المتمثل في قوة نفوذ آل الطرابلسي ووضعهم اليد على تونس، وأن بنعلي غير مبال». إن هذا الحكم عميق الدلالة، وتكفي قراءة تقارير الديبلوماسيين الأمريكيين، في تونس، التي هي بلا عدد، لإدراك حجم النهب الذي مارسه أقارب زوجة الرئيس، ليلى الطرابلسي، وأن باقي محيط بنعلي قد استفاد بدوره بدرجة أقل. لقد توزعت العائلتان (عائلة الطرابلسي وعائلة بنعلي) كل التراب التونسي، كما تشير إلى ذلك برقية [ديبلوماسية]: منطقة العاصمة تونس الكبرى لعائلة الطرابلسي، وهي الأغنى في كل البلاد. بينما عائلة الرئيس تستحوذ على منطقة ميلاده، أي المناطق الساحلية الوسطى. وعليك أن تكون تابعا لأحد الفريقين، أي «مسنودا ومحميا من آل الطرابلسي» أو «مسنودا من آل بنعلي». بل إنه مستحيل الإستقلال عن العائلتين. في برقية مطولة، أحصى ديبلوماسي بتدقيق ممتلكات العائلتين. في صف بنعلي، نجد أن أخته حياة المقيمة بألمانيا، تملك عدة فنادق وإقامات بمنطقة سوسة. مثلما دافعت عن ثلاثة من أبنائها لاحتلال مناصب هامة: واحد كان وزيرا للبيئة، والثاني مستشارا بالرئاسة، والثالث مستورد سيارات. فيما أحد إخوة الرئيس بنعلي، إسمه صلاح الدين، كان مستوردا للأثواب من الدرجة الثانية وقطع الغيار من الخردة. مثلما يقال أنهم وراء مافيا الكحول. وأنهم كان يمتلكون شركة عقارية كبرى وحديقة «آدم بارك» الكبيرة بوسط البلد. أما التيجاني، وهو أخ آخر للرئيس، فقد كان رئيسا لشركة عقارية إسمها «مينرفا» وهو مساهم رئيسي في شركة الطيران والموانئ «آيرو ترافل». أما شقيقتان أخريان للرئيس المطاح به فقد كانتا سيدتا أعمال، وهما نعيمة المتخصصة في مجال بيع السيارات الفاخرة، ونجاة، التي تملك رفقة زوجها وابنيها شركة كبرى للتصدير والإستيراد «الأمانة»، وكذا شركة للتجهيز المنزلي (مجموعة موبلاتيكس، بنابوا، بروفيليكس، ولوماتلا...)، ثم شركة الطيران كارتاجو، وشركة الإتصالات (ديتيرنيت). أما قوة أثر الفريق الآخر للطرابلسيين فهو أكبر بكثير. ذلك أن أشقاء زوجة الرئيس، من الذكور والإناث، العشرة، فإن سبعة منهم نافذون وعلى رأسهم الحاجة نانا، والدة زوجة الرئيس ليلى الطرابلسي. بل إنه في فريق الطرابلسيين الكل نافذ بقوة، لكن الوجه البارز منهم هو بدون منازع بلحسن «إنه يمثل نموذج الكره الأعلى لدى التونسيين»، تؤكد قصاصة ديبلوماسية أخرى. والرجل لا يوفر أية مناسبة كي يضاعف من كره الناس له. إن الرجل يركب أفخم السيارات (بورش، كيان، بينتلي، هومر) ويتجول بها بدون سقف في شوارع العاصمة، متحديا الكل وكل القوانين. بل إنه في عدد من المطاعم، لا يتردد في إخراج مسدسه ووضعه على الطاولة. مثلما أن جرد ممتلكات شقيق زوجة الرئيس، ينتهى بالمرء إلى إحصاء نصف اقتصاد تونس. إنه يضع اليد على الطيران وعلى شبكة الإتصالات وشركات تركيب السيارات والشاحنات والحافلات والسياحة والعقار... واللائحة طويلة جدا. « إن بلحسن لا أخلاق له في المعاملات، فكل الوسائل مشروعة لديه» يؤكد ديبلوماسي أمريكي. بل إن شركة السيارات سيتروين، حتى تضمن بقاءها في تونس كانت ملزمة أن تدفع له مبالغ ضخمة. وبالنسبة للرئيس بنعلي فإن صهره نموذج لرجل الأعمال الناجح فقط!!، وأنه يستحق لديه الإحترام!!..