{ خلّد المغرب ومعه دول العالم أمس الأحد، فعاليات اليوم العالمي لمواجهة التدخين، كيف هي وضعية هذه الآفة في المغرب، وهل هناك أرقام عن أعداد المدخنين؟ للأسف، ليست هناك أرقام مضبوطة عن أعداد المدخنين في المغرب، وإن كانت هناك العديد من الدراسات الجزئية التي تهمّ هذه المدينة أو تلك المنطقة، والتي لا تقف عند حدود التدخين وإنما تشمل نقاطا أخرى ترتبط بالوضعية الصحية للمغاربة، ومايزيد من تفاوت الأرقام هو أن تداعيات التدخين الصحية لاتشمل فقط المدخنين المباشرين، وإنما تطال من يصنفون ضمن خانة المدخنين السلبيين، الذين لايضعون سجائر بين شفاههم لكنهم يستنشقون نفس مكوناتها من خلال الدخان الذي ينفثه المدخنون. وعموما فإن الأرقام التقريبية تتحدث عن كون 13 % من المدخنين لايتجاوز سنهم 15 سنة ، بل وإن عددا منهم يشرع في التدخين في سن الحادية عشرة، وبأن 48 في المئة من المدخنين يتراوح سنهم ما بين 15 و 19 سنة، ونسبة 36.9 في المئة من المدخنين شرعت في التدخين انطلاقا من سن العشرين، في حين أن مجموع المدخنين أقل من 36 سنة تصل نسبتهم إلى حوالي 47 في المئة، تستهلك وحدها ما يناهز ثمانية عشر مليار سيجارة في السنة الواحدة. وتضيف ذات الإحصائيات بأن التدخين ينتشر في أوساط الذكور بنسبة 34 في المئة، وبين النساء بنسبة 3 في المئة. { ما هي أضرار ومضاعفات التدخين المباشر على صحة المدخن؟ تتفاوت وتتعدد أضرار ومضاعفات التدخين، فمنها من يعجّل بوفاة المريض نتيجة لسرطان الرئة إذا لم يخضع لعلاج مبكر، مرفوق باتباع جملة من الخطوات، ومنها من يجعله سجين دوامة من التداعيات الصحية جسديا ونفسيا، التي تفرض عليه الاستشفاء أكثر من مرة بالمستشفى وتلقي الأدوية، بل والعيش مرفوقا بقنينة من الأوكسجين نتيجة لقلة نسبه في دم المريض في عدد من الحالات، وهي المعاناة التي لايتكبدها المريض لوحده وإنما تعيش تبعاتها أسرته الصغيرة التي تعيش معه آلامه التي تنتقل إلى محيّاهم وقسمات وجوههم مهما أخفوها، وهو ما يؤدي إلى انتكاسة نفسية لها هي الأخرى ثقلها. ويؤدي التدخين إلى إصابة مختلف أعضاء الجسم بالعديد من السرطانات والمضاعفات، إذ يعرض المدخن إلى الإصابة بكل من سرطان اللسان، سرطان اللثة، ويؤدي إلى تفتيت الأسنان، وسرطان الحنجرة. كما أنه من الثابت علميا أن 80% من سرطانات الرئة يسببها التدخين، وبأن نسبة الوفيات بسرطان الرئة عند المدخنين تبلغ 11 ضعفا لما هي عند غير المدخنين، وأن 90% من المصابين بسرطان الرئة يلقون حتفهم خلال 5 سنوات. كما أن التدخين مسؤول عن ازدياد حالات سرطان المثانة والكلية إلى الضعف، ويزيد من سرطان الفم، والمريء، والمعدة، والبنكرياس، بالإضافة إلى أن التدخين مسؤول عن معظم حالات سرطان الرئة، فهو يزيد من حدوث التهاب القصبات الرئوية وانتفاخ الرئة، ويؤدي إلى ضيق النفس عند أقل جهد، وإلى الشعور بالإعياء والسعال المزمن... كما أن التدخين هو أحد الأسباب الثلاثة الأساسية لحدوث الذبحة الصدرية وجلطة القلب، إذ أن تدخين سيجارة واحدة يمكن أن يسبب تشنجا في شرايين القلب، علما بأن أمراض القلب والشرايين مسؤولة عن 50% من الوفيات في العالم الغربي، و15% من الوفيات في العالم الثالث. وإلى جانب ذلك فهو يؤدي للإصابة بسرطان المعدة، إذ أنه ومن المؤكد أيضا لدى المدخنين حدوث قرحة المعدة، وسرطان القولون، فضلا عن كونه يفاقم أعراض تشنجه، وهي نفس المضار التي تطال من يوصف بكونه مدخنا لاإراديا أو مدخنا سلبيا. وبالتالي فإن المدخن هو شخص لاينعم بجودة الحياة التي يجد نفسه بعيدا عنها، دون إغفال الحديث عن تبعاته الاجتماعية والاقتصادية، لأن المريض نتيجة لعادة التدخين هو مواطن غير فاعل وغير منتج، كثير التغيب عن عمله، عاجز عن العمل، بل ومنقطع عنه إذا ما فارق الحياة، مما يجعله عبئا على المجتمع. { كيف تؤثر السجائر في عملية التنفس؟ إن السجائر تحتوي على عدد من الغازات، ولكن أكثرها خطورة هو غاز أول أوكسيد الكربون، فإذا ما وصل هذا الغاز إلى الرئة أخذ ينافس الأوكسجين في سعيه للوصول إلى كريات الدم الحمراء التي تنقله إلى مختلف أنسجة الدم، وهذا ما يفسر سبب ضيق التنفس عند المدخنين، وهناك بالطبع أسباب أخرى لذلك. كما أن غاز أول أكسيد الكربون يمكن أن يؤثر على البصر والسمع والقوى العقلية. فضلا عن كون دخان السجائر يحتوي أيضا على القطران، الذي يشكل مادة لزجة في الرئتين، فلا تعيق وظائف الرئتين فحسب، بل إن فيها مواد مسرطنة يمكن أن تسبب السرطان في الأنسجة التي تعلق بها. { هل النرجيلة والسجائر الالكترونية أقل خطرا من السجائر العادية أم العكس؟ لقد أثبتت الدراسات الحديثة أن خطر تدخين «الشيشة» أو ما يعرف بالنرجيلة لا يقل أبدا عن خطر تدخين السجائر، بل ربما يكون أشد، إذ أن النرجيلة الواحدة تعادل على الأقل 40 سيجارة، فضلا عن كون الإقبال عليها من طرف مجموعة من الأشخاص يفتح الباب لانتقال أمراض وعدوى أخرى. ومن أكثر المواد الضارة في السجائر مادة النيكوتين، والتي تعتبر منبها قويا للجهاز العصبي، ولكنها في الوقت نفسه يمكن أن تسبب الإدمان. ويعتقد بعض الباحثين أن الإدمان على النيكوتين هو أحد الأسباب الرئيسية لصعوبة الإقلاع عن التدخين عند البعض، فهو يؤثر على ضغط الدم فيرفعه، وعلى القلب فيسرع من ضرباته، كما يؤثر على الغدة الكظرية التي تقع في أعلى الكليتين، فتفرز المزيد من الأدرينالين الذي يسرع القلب، ويضيق الشرايين الصغرى، في جميع أنحاء الجسم مما يزيد ضغط الدم، دون إغفال عشرات المواد المسرطنة والضارة التي تتوفر عليها، رغم الرائحة وطعم الفاكهة المتنوع الذي يعطي انطباعا «طبيعيا». أما السيجارة الالكترونية فهي عبارة عن نيكوتين سائل بدون قطران لكن هناك بعض المخاوف بشأن سلامتها خاصة وأنها موجهة لعموم المواطنين بما في ذلك الشباب. ويخشى بعض الخبراء أن تؤدي إلى إدمان للنيكوتين وان تكون مدخلا لتدخين التبغ، وقد كشفت دراسة علمية حديثة، أن بعض السجائر الإلكترونية تفرز مادة «الفورمالديهايد» لارتفاع درجة حرارة النيكوتين بداخلها عند تحوله إلى بخار، وهى مادة كيميائية مسببة للسرطان، أكثر من تدخين السجائر التقليدية. { هل هناك من سبل للإقلاع عن التدخين، وما هي النصائح التي توجهونها للقراء؟ أول نصيحة وهي أن الوقاية خير من العلاج، ثانيا يجب أن ننخرط بشكل جماعي للوقوف في وجه التدخين بالاعتماد على مقاربة تشاركية شمولية، ولايقف الأمر عند وزارة الصحة التي تقوم بمهامها التوعية والعلاجية، ولكن تظل غير مجدية إذا ما ظلت بشكل أحادي، كما ينبغي أن يكون خطابنا ورسائلنا ذات بعد إيجابي لإبراز تداعيات التدخين ولاننطلق من خطاب المنع فقط الذي سيزيد من الرغبة في الاكتشاف والإقبال على التدخين، كما يجب توفير وسائل للترفيه لفائدة الشباب الذين منهم من يقبل على التدخين نتيجة لضغوطات متعددة وأمام فراغات وغياب وانسداد الآفاق ،وهذا لايعني أن من توفرت لهم هذه الأشياء هم لايدخنون، لكن تختلف النسب ودرجات الإدمان باختلاف المواقف والمواقع. إن الإقلاع عن التدخين هو قرار يتخذه الشخص، إذا توفرت له مقومات القرار الجاد و الفاصل بين ماقبل وما بعد التدخين، مقومات ذاتية منبعثة من الإنسان بكلّيته روحا وقلبا، عقلا وجسدا، ويحفزها داخله انتماؤه لبيئة ايجابية تساعده على اتخاذ قرار التغيير، فإذا توفرت هذه البيئة كان لبعض التقنيات المتداولة في عالم البرمجة و التدريب والمرافقة أثر فعال وسريع وهذا ما لمسناه في العديد من الحالات.